النفس المطمئنة و اللوّامة و الأمارة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اريد ان اسأل عن معنى النفس اللوامة هل هي التي تلوم دون محاولة تغيير ام التي تلوم وتغير او التي تلوم وتجاهد ف التغيير تفشل كثيرا وتنجح قليلا ؟
_____________________________________
و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته
النفس الإنسانية ذات مراتب مختلفة بعضها طولية و بعضها عَرْضية ، و خلاصة المقصود منها أنها نفس واحدة و لكنها مشتملة على الروح النباتية المسؤولة عن النمو ، و الحيوانية المتعلقة بالمحسوسات و إدراك الجزئيات من المبصرات و المسموعات و المشمومات و المذوقات و الملموسات الشاملة للشعور بلذائذ الجسم و آلامه ، و الروح الإنسانية المتكفلة بالتعقل و إدراك الكليات و القواعد العامة و استخراجها و استنتاجها من الجزئيات و التنظير و إدراك النظريات و تطبيقها …
هذا كله في المراتب الطولية إجمالاً و هي في الحقيقة كمالات وجودية مترتبة تشتمل كل مرتبة أعلى على ما دونها من المراتب و الكمالات الوجودية دون العكس و توضيح ذلك يتطلب مجالاً آخر ..
و أما المراتب العَرْضية و التي يعبر عنها البعض بالحالات المختلفة للنفس فهي كونها مطمئنة أو لوّامة أو أمارة ( و يمكن القول بأن هذه المراتب باعتبار كونها حالات مختلفة للنفس مراتب عرضية لها ، و باعتبار أن بعضها كمال عالٍ و بعضها كمال أدنى و بعضها نقص فبعضها فوق بعض ، مراتب طولية ؛ و لا نعني بالنقص أنها في وجودها نقص بل هي داعية إلى النقص و الإنحطاط فالنفس الأمارة بالسوء بحد ذاتها خيرٌ لأنها سبب و وسيلة لامتحان الإنسان و نيله الكمالات و لكنها داعية إلى الشر و السوء و يتكامل الإنسان بمقاومتها و الإمتناع من الائتمار بأوامرها و .. و هذا ما يحتاج إلى بيان آخر متعلق بموضوع الخير و الشر و أنه لا يوجد في عالم الوجود ما هو شر محض أو ما شره أكثر من خيره بل كل ما يعد شراً بظاهره فهو من جهة أخرى خير و خيريته أعظم من الشر الناتج منه و على هذا الأساس نقول النفس الأمارة و الشيطان و نار جهنم و .. بالنظر إلى مجموع النظام الاحسن من مصاديق الخير و من مظاهر الرحمة الإلهية .. ) فالمطمئنة هي النفس إذا غلب عليها الإيمان بالله تعالى الموجب للاستقرار و الطمأنينة فإن الإيمان بالله موجب للإعتماد على القدرة المطلقة و العلم اللامتناهي و الرحمة الواسعة و .. و هو – أي الإعتماد عليه تعالى – موجب لإحساس الأمن و الشعور بالأمان و زوال الخوف و هو بعينه الإستقرار القلبي و الطمأنينة و السكينة التي ينزلها الله تعالى على قلوب المؤمنين ، و لفظ الإيمان أيضاً يدل على ذلك حيث أنه من الأمن و قد صيغ من باب الإفعال الذي يُستعمل لتعدية الفعل اللازم أو تعدية الفعل المتعدي لمفعول واحد إلى مفعولين و ..، فيكون معنى الإيمان جعل النفس في الأمن و الأمان مضافاً إلى جعل الغير فيه حيث قال تعالى : ” يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم ناراً وقودها الناس و الحجارة … ” .. و لأجل أن الإيمانَ باللهِ جل و علا و ذِكْرَه تعالى يوجب طمأنينة القلب قال جل و علا : ” ألا بذكر الله تطمئن القلوب ” و إذا بلغت النفس هذه الدرجة كان الموت عند صاحبها مقدمةً للقاء المعبود المحبوب و هو – اي لقاء المحبوب – موجب للطمأنينة و الإستقرار الروحاني و لهذا يُخاطب بقوله تعالى : ” يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ” …
و المرتبة أو الحالة الثانية هي كونها لوّامة – و هي مبالغة من اللوم – و هي النفس فيما إذا عرفت الحق و الإيمان و الصالحات من الطالحات فهي تلوم الإنسان على فعل المحرمات و العدول عن الحق و الميل إلى الباطل – بمعنى أن هذه النفس أو أن النفس في هذه المرتبة أو الحالة تلوم صاحبها على ترك الحق و فعل المعاصي و لا يمكن ان تلوم على ذلك إلا بعد معرفة الحق من الباطل ، و الطاعة من المعصية ، و الفضيلة من الرذيلة – و هذه النفس أو هذه المرتبة أو الحالة منها مؤثرة في التهذيب و إيصال الروح الإنسانية إلى مرتبة النفس المطمئنة المُقَرَّبة لدى الرب الكريم ، و يمكن القول بأن المقصود مما يسميه علماء النفس بالضمير الأخلاقي هو هذه النفس .. و الظاهر أن لوم النفس لا ينحصر بالدنيا بل ستلوم صاحبها في الآخرة أيضاً فإن الإنسان – كما يستفاد من بعض الآيات و الروايات – سيلوم نفسه يوم القيامة سواء كان مؤمناً أم كان كافراً ، فالمؤمن يلوم نفسه لأنه لم يَسْعَ في الدنيا لنيل الأعلى و القرب الأكثر من المولى و الكمال الأرقى في المعرفة و العبودية لله تعالى و قد يكون القسم بالنفس اللوامة في سياق القسم بيوم القيامة في سورة القيامة دليلا على أن هذا اللوم سيكون يوم القيامة و إن لم يَنْفِه عن الدنيا لدلالة البرهان إلى جانب الوجدان على تحقق اللوم في الدنيا … فهذه النفس أو هذه المرتبة أو الحالة من النفس و إن لم تكن عليا مراتب و حالات النفس الإنسانية إلا أنها ممدوحة غير مذمومة لأن لومها في الدنيا سبب لترقي الإنسان و تدرجه في مدارج الكمال و القرب العبودي و المعرفي إلى الله تعالى ، كما أن لومها في الآخرة لوم على فعل الشرور و ارتكاب ما أوجب الشقاء في دار القرار ..
و المرتبة أو الحالة الثالثة هي النفس الأمارة و هي التي تبالغ في الأمر بالسوء و هي حالة التحلل عن القيود التي تفرضها الشرائع الإلهية لأجل تهذيب النفس والسير نحو الكمال ، فهي النفس الميّالة إلى الشهوات التي لم يَنْجُ من شرها و وساوسها إلا من رحم الله كما قال جل و علا حكايةً عن النبي يوسف على نبينا و آله و عليه السلام : ” و إن النفس الأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم ” و هي – بهذا الإعتبار – مذمومة و يلزم السيطرة عليها و إلا فستكون عائقاً بل مانعاً أمام الإنسان في سيره نحو الكمال المطلق و تفصيل ذلك موكول إلى مجال أوسع …
موفقين لكل خير محروسين من كل سوء و شر و لا تنسوني من صالح أدعيتكم الخالصة ..
أيوب الجعفري
ليلة الأحد ٨ ربيع٢ ١٤٤٠ ه ق
الموافق ١٦ / ١٢ / ٢٠١٨ م
https://telegram.me/ayoobaljafary