ذكركم في الذاكرين و أسماؤكم في الأسماء و..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا

ما معنى العبارة التالية من الزيارة الجامعة الكبيرة

وَاَسْماؤُكُمْ فِى الاَْسْماءِ ، وَاَجْسادُكُمْ فِى الاَْجْسادِ ، وَاَرْواحُكُمْ فِى اْلاََرْواحِ ، وَاَنْفُسُكُمْ فِى النُّفُوسِ ، وَآثارُكُمْ فِى الاْثارِ ، وَقُبُورُكُمْ فِى الْقُبُورِ ،

الجواب :

و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه الجمل تشتمل على معارف عظيمة و تحتاج إلى بيان تفصيلي و ما يمكنني التطرق اليه هنا و في هذه العجالة هو مجرد الإشارة إلى بعض احتمالات هذه الجمل و الفقرات النورانية من هذه الزيارة المعرفية و هو أن المقصود أن ذكركم متداول على ألسنة الذاكرين و أنكم تُذْكَرون و يذكركم الذاكرون كما يذكرون غيرَكم أو أنكم تذكرون الله تعالى كما أن غيركم أيضا يذكر الله و الخلاصة : أنتم مذكورون على الألسنة كما أن غيركم أيضا مذكورون أو أنكم ذاكرون لله بين سائر الذاكرين له جل و علا، و أسماءكم و أجسادكم و .. موجودة في الأسماء و الأجساد و .. و لكن لا يمكن المقارنة بين ذكركم و أسمائكم و أجسادكم و أرواحكم بذكر الآخرين و أسمائهم و .. فمع كون ذكركم ضمن ذكر الآخرين و لكن لا مقارنة بين ذكركم و ذكر غيركم سواء كان “ذكركم” من إضافة الذكر إلى المفعول به بمعنى أننا نذكركم أو أن الناس يذكرونكم كما يذكرون غيركم و لكن أين ذكرهم لكم و أين ذكرهم لغيركم فذكرُكم أعلى و أحلى من ذكر غيركم بما لا يقاس و .. أم كان من إضافة الذكر إلى فاعله ( فيكون ضمير “كم” فاعلا” للذكر الذي أُضيف إليه ) بمعنى أنكم تذكرون الله تعالى كما أن غيركم من الناس أيضا يذكرون ربهم الكريم و لكن أين ذكركم لله و أين ذكرهم له تعالى لأنكم تذكرون الله تعالى بجميع وجودكم ظاهركم و باطنكم و في القلب و العمل و اللسان و بكمال الاخلاص و تمام الانقطاع عما سوى الله و إليه جل و علا .. و أما ذكر غيركم لله فهو مشوب بالنقص فقد يذكرون الله تعالى بلسانِهم و قلوبُهم غافلةٌ لاهيةٌ عنه تعالى أو يذكرون الله جل و علا بلسانهم دون عملهم فيُبتَلون بالمعصية – و عوذا بالله تعالى – مع اشتغال ألسنتهم بالذكر أو يعصونه و عوذا به عز و جل مع كونهم من أهل الذكر اللساني، أو يذكرونه تعالى أحيانا و يغفلون عنه أخرى أو … و لكنكم تذكرون الله تعالى دوما بلا انقطاع ذكرا كاملا بتمام مراتب وجودكم قلبا و قالبا و مع الانقطاع التام عما سواه و الانقطاع التام إليه ..

كما أن أسماءكم في الأسماء و لكن أين أسماؤكم من أسماء غيركم فحلاوة أسمائكم لا تقاربها و لا تُقاس بها حلاوة اسم من أسماء من سواكم و إن كانت شبيهة بأسمائكم فحتى لو كان غيركم مسمىً بعلي و فاطمة و حسن و حسين و .. و لكن حلاوة هذه الأسماء عندما تكونون أنتم المقصودين، في أعلى المراتب و لا يُقارن بحلاوتها حلاوة أسماء غيركم مهما كانوا مُسَمَّين بنفس الأسماء فارتباط الأسماء بكم يعطيها و يضفي عليها حلاوةً موجبةً لالتذاذ ذاكركم بتلك الأسماء مع أنه إذا ذَكَر هذا الذاكرُ أسماءَ غيركم لم يشعر بالحلاوة و الالتذاذ مهما كانت الأسماء نفس الأسماء و ..

و كذا فيما يتعلق بالأرواح و الأنفس و الآثار و القبور فكونُ أرواحكم في الأرواح و ضمن الأرواح التي خلقها الله تعالى لا يجعلها في مرتبة أرواح غيركم فأرواحكم كاملة و هي في كمال الخلوص لله جل و علا و قد بلغتم بذلك كمالَ القرب إليه تعالى و مقامَ “قاب قوسين أو أدنى” في المعرفة و العبودية لله عز و جل فأصبحتم بذلك خلفاء لله في خلقه و مظاهر لتجليات جماله و جلاله و وجدكم الله تعالى أهلا لأن تكونوا أئمةَ الهدى تهدون بإذنه تعالى إلى صراط القرب إليه جل و علا فلا تُقاس أرواحُ من سواكم بأرواحِكم و نفوسُ غيرِكم بنفوسِكم كيف و أنتم وسائط فيض الله على غيركم؟ و قد قال أمير المؤمنين عليه السلام في ثانية خُطَبِه في النهج الشريف : “لا يقاس بآل محمد صلى الله عليه و آله من هذه الأمة أحدٌ و لا يُسَوَّى بهم من جرت نعمتُهم عليه أبدا، هم أساس الدين و عماد اليقين إليهم يفيء الغالي و بهم يلحق التالي و لهم خصائص حق الولاية، و فيهم الوصية و الوراثة …” ..

و بذلك يتبين بعض مصاديق قولهم عليهم السلام “و آثاركم في الآثار و قبوركم في القبور” أيضا فآثارهم موجودة في الآثار و لكن أين آثارهم من آثار غيرهم فآثارهم العلوم الكاملة و الهداية إلى القرب المعرفي و العبودي إلى الله تعالى و لا يخفى على من له أدنى معرفة بمقام الإمامة الإلهية و منزلة الأئمة عليهم السلام، لا يخفى عليه أن فاعليتهم في هذه الهداية تامة كاملة و إذا كان هناك نقصٌ ففي القابل و قابلية من يتلقّى هذه الهداية و لولا هذا النقص لبلغ مُتَّبِعوهم إلى ما لا تبلغه الملائكة من القرب و الولاية الإلهية و .. كما أن قبورهم عليهم السلام موجودة بين قبور سائر الناس و لكن أين هذه القبور من تلك فإن قبورهم عليهم السلام منشأ الآثار و البركات و بالالتجاء إليهم عليهم السلام و زيارة قبورهم المقدسة تُقضى الحوائج المادية و المعنوية و تُحَلُّ عُقَد المعضلات العلمية و المعرفية، و كل من بلغ إلى مقام و مرتبة علمية و معرفية و نال درجة قربية من الله تعالى فإنما بلغ ذلك المقام و نال تلك الدرجة بفضلهم و ببركتهم سواء كان ذلك بالتوسل بهم لا سيما عند زيارتهم أو بشكل عام من جهة كونهم صلوات الله عليهم مجاري فيض الله تعالى حيث أن غيرهم إنما خُلقوا و رُزقوا ماديا و معنويا و علميا و معرفيا ببركة وجودهم فلولاهم عليه آلاف التحية و الثناء لما خلق الله أحدا و لما أنزل الأرزاق و العلوم و المعارف – نعم حتى العلوم و المعارف لعدم قابلية غيرهم لتلقّي المعارف العليا من الله تعالى من دون واسطة الإنسان الكامل و .. – فهم في حياتهم واسطة الفيض في جميع البركات التي ينزلها الله تعالى على البشرية و سائر الخلق و بعد رحيلهم من الدنيا تصبح قبورهم ملاذا لزوارهم و شيعتهم و محبيهم و محلا لتنزُّل الملائكة و نزول البركات الربانية على زائريهم و سائر البرية و … _ بالإضافة إلى الارتباط الروحاني بينهم و بين شيعتهم و محبيهم و الزائرين لهم عليهم السلام كما بيّنّا ذلك في مقال “عارفا بحقه” حيث أن هذا الارتباط الروحاني الذي يعد زيارةً لله تعالى في عرشه لأن قلب المؤمن عرش الرحمن، هذا الارتباط منشأٌ لنزول البركات المعنوية و المعرفية و .. _ و لهذا و غيره يقول الإمام الهادي عليه السلام بعد هذه الفقرات من الزيارة مباشرةً : “فَما اَحْلى اَسْماءَكُمْ، وَ أكْرَمَ اَنْفُسَكُمْ، وَ اَعْظَمَ شَأنَكُمْ، وَ اَجَلَّ خَطَرَكُمْ، وَ اَوْفى عَهْدَكُمْ، وَ أصْدَقَ وَعْدَكُمْ، كَلامُكُمْ نُورٌ، وَ اَمْرُكُمْ رُشْدٌ، وَ وَصِيَّتُكُمُ التَّقْوى، وَ فِعْلُكُمُ الْخَيْرُ، وَ عادَتُكُمُ الاِْحْسانُ، وَ سَجِيَّتُكُمُ الْكَرَمُ، وَ شَأنُكُمُ الْحَقُّ وَ الصِّدْقُ وَ الرِّفْقُ، وَ قَوْلُكُمْ حُكْمٌ وَ حَتْمٌ، وَ رَأيُكُمْ عِلْمٌ وَ حِلْمٌ وَ حَزْمٌ، اِنْ ذُكِرَ الْخَيْرُ كُنْتُمْ أوَّلَهُ وَ أصْلَهُ وَ فَرْعَهُ وَ مَعْدِنَهُ وَ مَأواهُ وَ مُنْتَهاهُ، بِأبى أنْتُمْ وَ أُمّى وَ نَفْسى كَيْفَ أصِفُ حُسْنَ ثَنائِكُمْ، وَ أُحْصى جَميلَ بَلائِكُمْ، وَ بِكُمْ أخْرَجَنَا اللهُ مِنَ الذُّلِّ وَ فَرَّجَ عَنّا غَمَراتِ الْكُرُوبِ، وَ أنْقَذَنا مِنْ شَفا جُرُفِ الْهَلَكاتِ وَ مِنَ النّارِ، بِأبى أنْتُمْ وَ أُمّى وَ نَفْسى، بِمُوالاتِكُمْ عَلَّمَنَا اللهُ مَعالِمَ دِينِنا، وَ أصْلَحَ ما كانَ فَسَدَ مِنْ دُنْيانا، وَ بِمُوالاتِكُمْ تَمَّتِ الْكَلِمَةُ، وَ عَظُمَتِ النِّعْمَةُ …” فكل فقرة و جملة من هذه العبارات النيّرة تدلنا على أن كونهم بيننا و كون أسمائهم بين أسمائنا و قبورهم بين قبورنا و .. لا يعني مساواة غيرهم لهم في الدرجة القربية و الكمالات المعرفية و .. كما لا يعني إمكانَ مقارنة غيرهم بهم صلوات الله عليهم أجمعين فهؤلاء قوم لا يقاس بهم أحد ..

هذا خلاصة ما يمكن ذكره فيما يتعلق ببعض جوانب هذه الفقرات من هذه الزيارة العظيمة التي تعد من أهم مصادر المعرفة بمقام الإمامة و منزلة الأئمة عليهم السلام، و تفصيل الكلام يتطلب مجالا أوسع بكثير ..

موفقين مسددين و لا تنسوني من صالح أدعيتكم الخالصة

أيوب الجعفري

يوم الاثنين ١٧ شوال ١٤٤٤ ق – ٨ / ٥ / ٢٠٢٣ م