كيف تنهى الصلاة عن الفحشاء و المنكر ونجد من المصلين من يرتكب المعاصي ؟

سؤال من أحد المؤمنين :

إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر
مع العلم أن هناك أناس كثيرين يصلون ولكن يعملون المنكر .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. شيخنا العزيز ممكن تتكرم بالتوضيح، وشكرا جزيلا لكم .

الجواب :

و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

المقصود أنه إذا أقام الإنسان الصلاة بجميع أجزائها وشرائطها مع حضور القلب والإخلاص فسوف تؤثر فيه وتجعله يترك المعاصي فإن الصلاة تشتمل على تجديد الإيمان بالله وربويته – عندما نقول الحمد لله رب العالمين – وبالمعاد والحساب والجزاء – عندما نقول مالك يوم الدين – وبالعبودية لله تعالى والإستعانة به جل وعلا – عندما نقول إياك نعبد وإياك نستعين – وهكذا .. والإنسان الملتفت إلى ما يفعله ويقرأه في صلاته سوف تترسخ في قلبه معارف الصلاة ومع ترسُّخها لا يصدر منه الذنب ولا يرتكب المعصية ولا يتجرأ على مخالفة الرب الكريم بل يحجزه الحياء من العصيان، نعم إذا كان المصلي ساهياً غافلاً في صلاته منشغلاً بأمور الدنيا فهذا الإنسان في حقيقة الأمر لا يعد مصلياً لأن الصلاة هي صِلة وارتباط برب العالمين والغافل الساهي لم يُحَقِّق تلك الصلة وذلك الإرتباط بالله تعالى فلا يُتوقَّع أن تؤثر فيه الصلاة وتجعله يترك الذنوب ولهذا وغيره قال تعالى : “فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون”، أضف إلى ذلك أن الصلاة معراج المؤمن وقربان كل تقي فإذا تمكن المصلي من الانقطاع إلى الله تعالى وعما سواه جل و علا فستعرج الصلاة به الى مقامات القرب وسيكون هذا المصلي بتمام وجوده و قواه متوجها إلى الله تعالى و غافلا عما سواه فلا يخطر العصيان بباله فضلا عن ارتكابه و .. و هذا ما يحتاج إلى بيان مستقل قد نوفَّق للتطرق له في مجال آخر ..

و الخلاصة أن الصلاة بطبيعتها تنهى عن الفحشاء والمنكر ولكن إذا أردنا أن يكون هذا التأثير فعلياً فعلينا أن نراعي شرائطها وأسباب قبولها من الإخلاص والتوجه وحضور القلب وإلا لم تؤثر الصلاة في ترك المعاصي ولهذا قال تعالى : “إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر ” و لم يقل : تمنع من الفحشاء و المنكر، فليست الصلاة بأية كيفية أقيمت حاجزاً تكوينياً عن المعاصي بل طبيعتها أنها تنهى و تزجر الإنسان من ارتكاب المعاصي ، إلا أن تَحَقُّقَ هذا المطلوب بالفعل يتوقف على متمم و هو ما أشرنا إليه ..

ومن جهة أخرى نعلم أن الصلاة ذكر الله تعالى – كما قال تعالى بعد ذِكْرِ نهيها عن الفحشاء والمنكر : “و لذكر الله أكبر” ومن جملة تفاسير هذه الجملة هو أن الصلاة تشتمل على ذكر الله تعالى أو أنها عين ذكر الله تعالى من بدايتها إلى نهايتها ولا أقصد مجرد الذكر اللفظي باللسان بل ذكره تعالى بالقلب وأن يشاهد أنه بتمام وجوده في محضر الرب و .. والمؤمن إذا كرر ذكر الله تعالى بقلبه وأقبل في صلواته إلى ربه بقلبه وصل إلى مرحلة يرى نفسه في محضر الرب الكريم دائماً وشعر بحضوره تعالى في جميع الأحوال بمعنى أن مشاهدة كونه في محضر الله تعالى بل كون جميع الكون بمحضره جل وعلا سوف لا تختص ولا تنحصر – في نظر هذا الإنسان البصير – بحالة الصلاة بل سيرى نفسه والعالم بأكمله في محضره دائماً وأبداً .. ومن يشعر بحضور الرب الكريم لا يمكن صدور المعصية منه كما لا يصدر المعصية من الإنسان في حضور والديه ..

و من جملة وجوه الآية ما ورد في بعض الروايات من أن الصلاة تحجز الإنسان من المعاصي حالة الصلاة وما دام في صلاته فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : “الصلاة حجزة الله، وذلك أنها تحجز المصلي عن المعاصي ما دام في صلاته قال الله عز و جل : إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر” – التوحيد ص ١٦٦ باب ٢٣ ( معنى الحجزة ) الحديث ٤ . و يمكن القول بأن حقيقة الصلاة أو غايتها ذكر الله تعالى والذي جُعل أكبر من سائر غاياتها في قوله تعالى : “و لذكر الله أكبر” فإذا كان المؤمن ذاكراً لله تعالى في جميع حركاته و سكناته كان – في حقيقة الامر – في جميع حالاته مصلياً فينطبق عليه قوله تعالى : “الذين هم على صلاتهم دائمون” وإذا كان دائم الصلاة بتحقيق حقيقة الصلاة أو غايتها في جميع أحواله وحالاته كانت هذه الصلاة الدائمية حجزة الله فتنهاه عن المنكر دائماً ..

موفقين لكل خير محروسين من كل سوء و شر و لا تنسوني من صالح أدعيتكم الخالصة ..

أيوب الجعفري

ليلة الأربعاء ٦ ربيع الأول ١٤٤٠ ه ق
الموافق ١٤ / ١١ / ٢٠١٨ م

https://telegram.me/ayoobaljafary