بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الاعمال يوم القيامة – ٢ –
وردني سؤال حول موضوع عرض الأعمال في الآخرة و هو أن هناك روايةً تدل على عدم كشف أعمال العباد يوم القيامة و هذا نص الرواية : ” إن رسول الله (ص) يطلب يوم القيامة من الله سبحانه ألا يحاسب أمته بحضرة من الملائكة و الرسل و سائر الأمم ، لئلا تظهر عيوبهم عندهم ، بل يحاسبهم بحيث لا يطلع على معاصيهم غيرُه سبحانه ، و سواه (صلى الله عليه و آله) فيقول الله سبحانه : يا حبيبي ، أنا أرأف بعبادي منك ، فإذا كرهت كشف عيوبهم عند غيرك ، فأنا أكره كشفها عندك أيضا ، فأحاسبهم وحدي بحيث لا يطلع على عثراتهم غيري “.
المستفسر الموقر : السلام عليكم و رحمة الله شيخنا هذه الرواية تصرح بأن لن يكشف الله الاعمال أمام أحد فهل تندرج تحت عنوان المؤمنين المستحقين للجنة و لكن صدر منهم عثرات ؟
الجواب : و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
لم أجد هذه الرواية إلا في جامع السعادات و لم يذكر لها سنداً – كما أن هناك روايات أخرى أيضاً بهذا المضمون و لم أجدها إلا في المصدر المذكور ، و هناك أحاديث تتحدث عمن ستر عيوب الناس في الدنيا و أن الله تعالى سيستر عيوبه في الدنيا و الآخرة – ، و مع ذلك فهذا لطف خاص ببعض العباد و قد أشرنا في نهاية الجواب السابق إلى وجود تفاصيل و أن مستحق الشفاعة هل سيُحشر مستور العيوب أم لا و .. و لكن عموماً لدينا أدلة على تجسم الأعمال و بروز السرائر و .. مضافاً إلى أن أهل البيت عليهم السلام شهداء الأعمال و شاهد الأعمال يراها كي يشهد بها للعباد أو عليهم يوم القيامة و إذا كان يراها في الدنيا فهو يراها في الآخرة أيضاً بل هو يرى حقائقها في الدنيا قبل الآخرة كما قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مخاطباً الذَين اغتابا سلمان الفارسي سلام الله عليه : “.. إني لأرى لحمه بين ثناياكما” .. مضافاً إلى أن الكُمّل من خلق الله تعالى خلفاء الله جل و علا ومظاهر أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى، و صحيح أن الله تعالى هو المحاسب لأعمال العباد في الآخرة إلا أن ذلك لا ينافي أن يكون الكُمّل من الخلق هم القائمين على هذا العمل – كما أن الله تعالى هو المتوفّي للأنفس “الله يتوفى الأنفس حين موتها و التي لم تمت في منامها ..” ومع ذلك يُسنِد التوفّي إلى ملك الموت ويقول : “قل يتوفاكم ملك الموت الذي وُكّل بكم” كما يُسنده إلى الملائكة في آيات أخرى؛ وهذا الأمر جارٍ في حساب يوم الحساب أيضاً حيث قال الله تعالى : “إن إلينا إيابهم*ثم إن علينا حسابهم” ومع ذلك نقرأ في الزيارة الجامعة الكبيرة : “و إياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم” (وإذا دققنا في عبارتي القرآن و الزيارة الجامعة نجد أن نفس العبارة فيهما تدل على المطلوب حيث أن عبارة الآية تدل على الحصر و أن إياب الخلق إلى الله تعالى دون سواه كما أن حسابهم عليه جل و علا دون من عداه و ذلك بتقديم “إلينا” على “إيابهم”، وتقديم “علينا” على “حسابهم” لأن تقديم ما حَقُّه التأخير يفيد الحصر كما هو مُقَرَّرٌ في علم البلاغة، ولكن عبارة الزيارة لا تدل على الحصر لأنه لم يُقَدَّم فيها ما حقه التأخير، فمع كون الإياب إلى الله تعالى لا غير وكون الحساب عليه جل وعلا دون من سواه يكون الإياب إلى أهل البيت عليهم السلام إياباً إلى الله وحسابُهم حسابَه سبحانه وتعالى لأن الحصر لا يُبقي مجالاً للغير فيلزم أن يكون فعلُهم عليهم السلام فعلَه جل وعلا لأنهم مجاري فيضه ومظاهر أسمائه وصفاته تعالى كما نقرأ في بعض ادعية شهر رجب : “لا فرق بينك وبينهم إلا أنهم عبادك وخلقك” و لهذه الجملة معانٍ عميقة ومن جملة ما يمكن أن يكون مراداً منها أن فعلهم فعله، ويمكن استفادة ذلك من بعض العبارات التالية لهذه الجملة في نفس الدعاء و لا يمكننا حالياً الغور في ذلك) كما ورد عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أن علياً عليه السلام قسيم النار و الجنة و .. فطريق الجمع هو أن نقول أن ما ورد في الرواية التي ينقلها جامع السعادات لطف خاص ببعض الأمة ممن يستحق الشفاعة أو ممن له عمل أو فضل أو كمال خاص وقد أشرنا إلى أن هناك رواياتٍ تدل على أن الله تعالى يستر عيوب من ستر عيوب الناس فالستر عليهم يكون لسترهم على الناس ..
موفقين لكل خير محروسين من كل سوء وشر ولا تنسوني من صالح أدعيتكم الخالصة ..
أيوب الجعفري
يوم الأربعاء ٢٨ صفر الخير ١٤٤٠ ه ق
الموافق ٧ / ١١/ ٢٠١٨
https://telegram.me/ayoobaljafary