سؤال من أحد المؤمنين : { أَلَهُمۡ أَرۡجُلࣱ یَمۡشُونَ بِهَاۤۖ أَمۡ لَهُمۡ أَیۡدࣲ یَبۡطِشُونَ بِهَاۤۖ أَمۡ لَهُمۡ أَعۡیُنࣱ یُبۡصِرُونَ بِهَاۤۖ أَمۡ لَهُمۡ ءَاذَانࣱ یَسۡمَعُونَ بِهَاۗ قُلِ ٱدۡعُوا۟ شُرَكَاۤءَكُمۡ ثُمَّ كِیدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ }
[Surah Al-A`râf: 195]
سلام عليكم مشايخنا الكرام ، لماذا اتت يبصرون بالضم بينما باقي الأفعال بالفتح مثل يسمعون و يمشون و يبطشون؟؟؟
الجواب
و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
يُبصرون بالضم فعل مضارع من باب الإفعال و هو من أوزان التعدية فالفعل إذا كان لازما أمكن تعديته بإدخاله في باب الإفعال – كما أنه إذا كان متعديا لمفعول واحد أمكن تعديته لمفعولين بإدخاله في هذا الباب – مثل كرُم زيدٌ و يَكرُم و هو فعل لازم لا يتعدى إلى المفعول به ( و كل فعل يكون على وزن فعُل بضم العين فهو فعل لازم غير متعدٍّ كما لا يخفى على من له معرفة بعلوم اللغة العربية ) فإذا أُريد تعديته أُدخل في باب الإفعال فيقال أَكْرَمَ زيدٌ خالداً و فعله المضارع يكون بضم الحرف المضارعة ( الياء أو التاء أو النون أو الهمزة ) فنقول يُكرم زيدٌ خالداً – أنت تُكرم خالدا – نحن نُكرم خالدا – أنا أُكرم خالدا ..
و كذا يمكن تعدية الفعل اللازم بإدخاله في باب التفعيل فيقال : كَرَّمَ زيد خالدا و يُكَرِّم زيد خالدا، و الأمثلة كثيرة كالتحريم و التكذيب و التهذيب و التحسين و التعطيل و التشبيه و التنسيق و التكثير و التجميل و التحميل و … ( طبعا هناك خلاف في كون باب التفعيل للتعدية فمنهم من يثبت و منهم من ينفي إلا أنه يقوى في النظر مجيء هذا الباب للتعدية أيضا و قد ورد ذلك كثيراً في لسان فصحاء العرب و في النصوص العربية الفصحى و عليه شواهد كثيرة في القرآن و الروايات حيث أن هناك أفعالا لازمةً قد استُعملت متعديةً بإدخالها في باب التفعيل، نعم يُستعمل هذا الباب للمبالغة في الفعل أيضا كالتغسيل و التكسير و التقطيع و التصليب و .. حيث أن أفعال الغسل و الكسر و القطع و الصلب متعديةٌ فلا تحتاج في تعديتها إلى إدخالها في باب الإفعال أو التفعيل و مع ذلك أُدخلت في باب التفعيل للمبالغةِ و بيانِ شدة أو كثرة الغسل و الكسر و القطع و الصلب كما في قوله تعالى : “قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى” حيث أُدخِل فعل القطع و الصلب في باب التفعيل فقال لأُقطّعنّ .. و لأُصلّبنّكم و لم يقل لأَقْطَعَنّ و لأَصْلبَنّكم للدلالة على المبالغة في قطع الأيدي و الأرجل و صلبهم في جذوع النخيل و .. ) .. و قد يتعدى الفعل بأحد حروف الجر ف”جاء” في قولنا جاء زيد مثلا فعلٌ لازم و إذا أردنا تعديته و كان المقصود أن نقول أن زيدا أحضر خالدا نقول جاء زيد بخالد .. و هناك تفاصيل أخرى في هذا المجال كتعدية الفعل اللازم بإدخاله في باب الاستفعال إلا أن باب الاستفعال يأتي بمعنى طلب الفعل فالاستخراج يعني طلب الخروج و من المعلوم أن فعل “الطلب” متعدٍ بنفسه فقد يكون تعدية فعل هذا الباب لأجل تضمنه معنى الطلب المتعدي بنفسه ف”خرج” في قولنا خرج زيد فعل لازم فإذا قلنا : استخرج زيدٌ الماءَ كان متعديا و …
و على هذا الأساس نقول أن بَصُر يَبصُر فعلٌ لازم معناه أن الشخص يرى و ليس بأعمى فلا يتعدى إلى مفعول به و إذا أردنا أن نقول أن زيدا يرى شيئا أو شخصا أدخلناه في باب الإفعال فنقول – في الماضي – : أبصر زيدٌ فلانا – و في المضارع – : يُبصِر زيدٌ فلانا أي يراه .. و قد ورد تعديته بإدخاله في باب التفعيل كقوله تعالى : “يُبَصَّرونهم” و كذا بحرف الباء كقوله تعالى : “بصُرت بما لم يَبصروا به ..” أي رأيت ما لم يروه – حسب أحد الاحتمالات في الباء هنا –
و أما قوله تعالى يمشون فالفعل لازم و لم يكن هناك حاجة لتعديته إلى المفعول لأن المقصود مشيهم أنفسهم لا تمشية الآخرين كما أن يبطشون و يسمعون متعديان بنفسهما فلا داعي لإدخالهما في باب الإفعال للتعدية حتى تكون الياء مضمومة ..
موفقين مسددين
دعواتكم الكريمة ..
أيوب الجعفري
ليلة السبت ١٩ (٢٠) رجب ١٤٤٤ق – ١١ / ٢ / ٢٠٢٣م
مدينة چنای (مدراس) الهندية