هل يمكن للاولياء أن يفعلوا ما يشاؤون ؟

وردني ملف صوتي يتحدث فيه أحد المشايخ حول قدرة الأولياء على فعل ما يشاؤون بإذن الله تعالى فكان كلامه – أعني كلام هذا الشيخ من الطائفة المحقة – محل استغراب البعض من العامة فأرسل لي أحد الإخوة ذلك الملف و طلب مني التوضيح فكتبت له جواباً فرد علي بجواب كتبه ذلك الشخص – الذي هو من العامة – وتكرر السؤال والجواب وإليكم جوابي الاول ثم ذلك الحوار المختصر :

الجواب :

سلام عليكم و رحمة الله و بركاته

إذا قال أحد أن أمير المؤمنين عليه السلام يفعل ذلك مستقلاً ومن تلقاء نفسه كان مشركاً بالله تعالى وخارجاً عن الملة، وأما إذا قال أن ذلك بإذن الله تعالى يعني بقدرة ممنوحة له من الله تعالى لم يكن شركاً بل هو عين التوحيد حيث نقول أن هذا الفعل في حقيقة الأمر فعل الله وقد جرى على يد علي بن أبي طالب عليه السلام مثلاً كما في معجزات الأنبياء فعندما يخلق المسيح من الطين كهيأة الطير ويصبح طيراً فإنما يصير طيرا بإذن الله تعالى لا بفعل المسيح عليه السلام المجرد عن الإذن الإلهي، ففي الواقع الخالق هو الله تعالى لا المسيح ولكن الله يخلق على يد المسيح أو يبرئ الاكمه والأبرص على يده و بتعبير آخر : الخالق هو المسيح و لكن بإذن الله كما عبّر القرآن بذلك .. وكذلك بالنسبة لأمير المؤمنين عليه السلام الذي هو بمنزلة النبي نفسه بل قد عبّر القرآن الكريم عنه بأنه نفس النبي صلى عليه آله وسلم ..

المحاور :

شكرا على التوضيح … ولكن عندي بعض النقاط :

اولا سيدنا عيسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل وهم أفضل من الانبياء والانبياء اقضل الخلق جميعا

ثانيا سيدنا عيسى وجميع الرسل سلام الله عليهم لم يقولوا للشيء كن فيكون مثل ما قال هذا الشيخ وهو ليس بشيخ.

ثالثا سيدنا عيسى عليه السلام لا يعلم الغيب وهذا الشيخ لمح أن سيدنا على رضي الله عنه يعلم الغيب والله يقول لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم “قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب الا الله”

نحن جميعا نحب أهل البيت ولكن الغلو في الدين يؤدي إلى الشرك والعياذ بالله

بارك الله فيك

الوسيط : إذا أمكنكم أجيبوا على هذه التساؤلات أيضاً

الجواب :

السلام عليكم و رحمة الله وبركاته

* إذن تقبلون أن ذلك ليس بشرك لأنه لو كان شركاً لما أمكن تحققه من النبي عيسى عليه السلام أيضاً ..

* وأما أن النبي عيسى من أولي العزم فصحيح ولكن أهل البيت أعلى مقاماً من أولي العزم من الرسل إلا النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم وذلك لدلالة آية التطهير على مقام العصمة الكبرى لأهل البيت لأنها تحصر الإرادة الإلهية بشأن أهل البيت عليهم السلام في الطهارة وإذهاب الرجس كما أنها تحصر من أريد لهم ذلك في أهل البيت – و هذا ما يحتاج إلى بيان خارج عن طور هذا الجواب المختصر – ..

مضافاً إلى أن القرآن – وكما أشرنا – يعدّ علياً عليه السلام نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم في آية المباهلة باتفاق جميع الطوائف الإسلامية ..

وأضف إلى ذلك أن الروايات الإسلامية من الشيعة والسنة تدل على أن المسيح حينما ينزل من السماء سيصلي خلف الإمام المهدي عليه السلام ويقتدي به وهذا يعني أن المهدي – وهو من أولاد علي عليه السلام – إمامٌ للمسيح وأعلى مقاماً منه عليه السلام وإلا لصلى المهدي عليه السلام خلفه وكان المسيحُ إمامَه لا العكس، فلا يمكن القول بأن المسيح أعلى منزلة من علي عليه السلام لمجرد كونه من أولي العزم ..

و أما أن المسيح لا يعلم الغيب، فنقول أن علم الغيب بالذات مختص بالله تعالى ولا يعلم احدٌ الغيبَ من تلقاء نفسه إلا الله تعالى ولكن لا يستحيل أن يُعَلِّم اللهُ جل جلاله بعضَ أنبيائه وأوليائه الغيبَ مضافاً إلى أن القرآن يدل على أن الله تعالى يعلّم أنبياءَه الغيب بالفعل – يعني أن التعليم مضافاً إلى إمكانه، أمرٌ واقعٌ – كقوله تعالى : “عالم الغيب فلا يُظهِر على غيبه احداً إلا من ارتضى من رسول ..” و قال جل وعلا : “ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك” وآيات أخرى، فعندما يحصر الغيب في الله تعالى يقصد أنه لا يعلم الغيب بذاته ومن نفسه إلا الله وعندما يقول أن غيره تعالى يعلم الغيب فيقصد أنه يعلم بتعليم من الله تعالى .. وهذا الأمر جارٍ في جميع الأمور فهو تعالى يقبض الأرواح كما قال تعالى : “الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ..” ولكنه مع ذلك يُسند قبضَ الأرواح إلى ملك الموت احياناً وإلى الملائكة أخرى كقوله جل وعلا : ” قل يتوفاكم ملك الموت الذي وُكِّل بكم .. ” و قوله عز وجل : “تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم” و قوله عز من قائل : “تتوفاهم الملائكة طيبين” وكذا بالنسبة لتدبير أمور العالم و .. وإذا صدر فعل إعجازي بإذن الله تعالى كان ذلك الفعلُ في واقع الأمر فعلَ الله جل وعلا وقد تحقق على يد أوليائه و وسائط فيضه ..

وإذا قلنا أن علياً عليه السلام أعلى مقاماً من المسيح لزم أن يكون عالماً بالغيب ولكن بتعليم من الله تعالى لا من نفسه، وفي حدود خاصة لا مطلقاً ولهذا ورد في الحديث عن علي عليه السلام أنه قال : “سلوني قبل أن تفقدوني فإني بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض” فلا يمكن أن يقول أحد سلوني قبل أن تفقدوني إلا ويكون عالما بالغيب بتعليم من الله تعالى كما لا يمكن أن يكون أعلم بطرق السماء من طرق الأرض إلا إذا كان عالماً بالغيب بتعليم من الله تعالى ..

المحاور :

شكرا على التوضيح ولكني اختلف معك في أن أهل البيت عليهم السلام رغم علو شأنهم ومكانتهم في قلوب المسلمين كافة أفضل من الرسل والله يقول في محكم التنزيل “الله أعلم حيث يجعل رسالته” .. فالرسل أفضل الخلق أجمعين . كثيرين من علماء الشيعة الأفاضل لم يقولو بهذا القول إنما قال به الخميني حينما قال إن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وقاله آخرون . هذه نقطة خلاف بين السنة وبعض علماء الشيعة غير المغالين من ناحية وبين علماء أخرى من الشيعة من ناحية أخرى.

أما قول علي رضي الله وعن أهل بيته سلوني قبل أن تفقدوني فلم يقلها في المدينة إنما قالها في الكوفة لأن علمهم بالإسلام بسيط مقارنة بعلم الصحابة الكرام رضي عنهم والله أعلم

أما عن آية التطهير فهي خاصة بزوجات النبي الطاهرات .. ففي سورة الاحزاب من آية ٢٨ حتى آية ٣٤ الكلام واضح وضوح الشمس أنه موجه فقط لنساء النبي: “وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا . واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خليرا” .. كيف لا ونساء النبي رضي الله عنهن أمهات المؤمنين وهن زوجات أشرف الخلق صلى الله عليه وآله سلم .. و الله أعلم

الجواب :

وهل يدل “الله أعلم حيث يجعل رسالته” على كون الأنبياء أعلى منزلة من أهل البيت عليهم السلام، وقد كان كبار علماء السنة كأبي حنيفة عندما يتناقشون مع أحد الأئمة عليهم السلام في مسألة ما، كانوا يقولون : “الله أعلم حيث يجعل رسالته” فأهل بيت النبي أهل بيت الرسالة والنبوة وإن لم يكونوا رسلاً ولكنهم أهل بيت الرسالة والنبوة – قد جعل الله الرسالة في بيتهم – وهم أعلم الناس بما نزل على النبي، وما أُنزل عليه صلوات الله عليه وآله أعلى مراتب الوحي فالعالِمُ به عالمٌ بأعلى مراتب الوحي، والعلمُ مطلقاً لا سيما العلم بالوحي من عناصر الكمال فالعالم به كاملٌ وإذا كان الوحي أكملَ وحيٍ نزل على الرسل وكانت الرسالة أعظم الرسالات الإلهية فالعالم بذلك الوحي وتلك الرسالة هو الأعلم على الإطلاق ..

وأما قول علي عليه السلام : “سلوني قبل أن تفقدوني” فقد قاله كراراً ولم يكن مرة واحدة في الكوفة فقط، مضافاً إلى أن كثيراً من أهل الكوفة كانوا من الصحابة آنذاك حيث أنهم كانوا من الذين هاجروا إليها إبان خلافة عمر بن الخطاب وكانوا من جيوش الفتوحات مضافاً إلى من جاء إليها مع أمير المؤمنين عليه السلام بعد وقعة الجمل، ومع غض النظر عن جميع ذلك فليس هناك من يتفوّه بأن علم الصحابة كان غزيراً قبال علم أمير المؤمنين عليه السلام بحيث لا يتمكن أن يقول لهم : “سلوني قبل أن تفقدوني” فعليٌ عليه السلام كان أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الإطلاق باعتراف الجميع بل لا يمكن قياس علم غيره بعد رسول الله صلوات الله عليه وآله بعلمه وقد قال الخليفة الثاني : “لو لا علي لهلك عمر” و : “لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن” حيث كان أمير المؤمنين عليه السلام مرجع جميع المسلمين – ومنهم الخلفاء – في معضلاتهم العلمية و غيرها .. وقد قال ابن عباس : “… وما علمي و علم أصحاب محمد صلى الله عليه و آله في علم علي رضي الله عنه إلا كقطرة في سبعة أبحر” وقال ايضاً : “لقد أُعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، وأيم الله لقد شارك الناس في العشر العاشر” ، فماذا يبقى للصحابة من العلم بعد هذا قبال علم علي عليه السلام حتى يقال أنه صلوات الله عليه قال تلك الجملة لأهل الكوفة الذين كان علمهم بسيطاً مقارنة بعلم الصحابة، فهل يعدّ علم الصحابة الذين كان علمُ جميعِهم قبال علم علي عليه السلام كقطرة في سبعة ابحر، هل يعدّ هذا العلم علما ..

واما آية التطهير فلا يمكن أن يكون المقصود من اهل البيت فيها نساء النبي وقد قال تعالى عن بعضهن : “إن تتوبا فقد صغت قلوبكما”، فهناك ذنب وميل عن الحق كان مستلزما للتوبة، وقوله فقد صغت يعني فقد مالت عن الحق ..

.. و أما آية التطهير تدل على العصمة الكبرى فلا يمكن أن يكون المقصود منها مَن مال عن الحق ووجب عليه أن يتوب، مضافاً إلى أن ضمائر الآيات كلها ضمائر مؤنثة ولكن لما وصل إلى قوله تعالى :”إنما يريد الله ليذهب عدم الرجس أهل البيت” .. تغيّر الضمير المؤنث إلى المذكر .. وأضف إليه أن روايات الشيعة والسنة تروي قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم لأم سلمة وعائشة من أن المقصود بهذه الآية أنا و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين ..

وكونهن زوجات النبي لا يدل على عصمتهن ، فقد كانت زوجة نوح و لوط مشركتين – من دون تشبيه فزوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسلمات ولكنهن لسن معصومات باعتراف جميع الفرق الإسلامية وبصريح الآية التي أشرنا إليها، وقد قال ابن أبي الحديد المعتزلي أن خروج أم المؤمنين عائشة على أمير المؤمنين في وقعة الجمل كان خطأ منها ولكنها تابت، ولعمري هذا واضح لا يحتاج إلى بيان مضافاً إلى أن روايات الفريقين في فضل علي وأهل البيت عليهم السلام وكونهم مع الحق وأن الحق معهم – و هذا المضمون دالٌّ على العصمة – كثيرة جدا ..

أيوب الجعفري

تم تنظيم الحوار و التدقيق فيه للنشر
ليلة الخميس ١٥ صفر الخير ١٤٤٠ ه ق
الموافق ٢٥ / ١٠ / ٢٠١٨ م

https://telegram.me/ayoobaljafary