أيوب الجعفري:
بسم الله الرحمن الرحيم

هل لبني أمية فضل على الإسلام

وردني مقال يُدعى فيه أن لبني أمية الفضل على الإسلام والمسلمين وأن غالب الفتوحات الإسلامية كانت في عصرهم ويقول : “و لا يُعلم لعائلة حكمت كان لها فضل على بني الإنسان مثل عائلة بني أمية ..! فلبني أمية أيادٍ بيضاء على أمة الإسلام منذ فجر الدعوة وحتى يوم القيامة ..” ثم ينقل بعض الفتوحات التي يدّعي تحقيقها من قبل بعض الأمويين ومن جملتها ما يدعيه من قيادة يزيد لجيش فتح القسطنطينية حيث يقول : ويزيد بن معاوية الأموي هو قائد أول جيش يغزو القسطنطينية (مدينة قيصر) و قد قال النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ : (أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له) و..

وطلب مني بعض الإخوة أن أكتب جواباً على المقال، فكتبت جواباً مختصراً فرأيت تكميله للنشر ، وهاهو الجواب بين يديكم :

بسم الله الرحمن الرحيم

الميزان في كرامة الإنسان عند الله تعالى هو التقوى فإذا كان في بني أمية من هو مؤمن مُتّقٍ فهو ليس من بني أمية الذين ورد لعتهم في زيارة عاشوراء وغيرها، وبعبارة أخرى : من كان من بني امية نسباً مخالفاً لهم عقيدةً و أخلاقاً متبرئاً من أعمالهم فهو ليس من بني أمية حكماً فلا يشمله اللعن كما أن من لا يكون منهم نسباً ولكنه موافق لهم عقيدةً وأخلاقاً و راضٍ بجرائمهم فإنه منهم حكماً ومشمولٌ للّعن الوارد بحق بني أمية حيث أن من رضي بعمل قوم كان منهم بل عُدّ من العاملين بعملهم و جرائمهم ولا ريب أنه سيُحشر معهم يوم القيامة ولهذا نسب القرآنُ الكريم قتلَ الأنبياء إلى من لم يكونوا في عصرهم عليهم السلام بل كانوا يعيشون في عصر النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وذلك لرضاهم بقتلهم فقد قال تعالى : “الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ” – سورة آل عمران : ١٨٣ – وفي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : “كان بين القاتلين و القائلين خمسمأة عام فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا” .. وفي المقابل تُخرِج الأدلةُ الشرعية المنسوبين إلى الظلمة، عنهم إذا لم يكونوا من الراضين باعمالهم فقد ورد في الرواية أنه “دخل سعد بن عبد الملك – وكان أبو جعفر عليه السلام يسميه سعد الخير وهو من ولد عبد العزيز بن مروان – على أبي جعفر عليه السلام فبينا ينشج كما تنشج النساء قال : فقال له أبو جعفر عليه السلام : ما يبكيك يا سعد؟ قال وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة الملعونة في القرآن، فقال له : لست منهم أنت أموي منا أهل البيت أما سمعت قول الله عز وجل يحكي عن إبراهيم : “فمن تبعني فإنه مني” – الإختصاص للشيخ المفيد ص ٨٥ –

فتبين بما سبق أن الملاك في القرب والبعد من الله تعالى هو التقوى والطغوى، والميزان في شمول اللعن لإنسان ما هو كونه ظالماً أو راضياً بظلم الظلمة لا كونه منسوباً إلى هذه الأسرة والقبيلة أو تلك ..

وأما ما ورد في المقال من اعتبار أمثال معاوية ويزيد بن معاوية و .. ممن له الفضل على الإسلام و المسلمين فهو أمر مضحك فمعاوية هو من قتل ما يقارب ٤٠ ألفاً من المؤمنين طوال فترة حكمه مضافاً إلى أنه حارب أمير المؤمنين عليه السلام وهو الخليفة الشرعي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي اجتمع فيه النص والإجماع (حيث أن النبي صلوات الله عليه وآله قد نص على إمامته وخلافته عليه السلام وهو الوحيد – من بين الخلفاء – الذي اجتمعت كلمة المسلمين على خلافته) ولو كان قد خرج أحد على سائر الخلفاء لكانوا يتهمونه بالردة والكفر كما اتهموا مالك بن نويرة وقومه بذلك لمجرد امتناعهم من دفع الزكاة لهم إلى حين تبيُّنِ أمر الخلافة و .. وأما يزيد فقد ارتكب أكبر الكبائر خلال ثلاث سنوات – نعم فقط ثلاث سنوات وهي فترة حكمه – حيث قتل سبط النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وأحد سيدَي شباب أهل الجنة وسبى نساءه و.. ، وفي السنة الثانية هاجم المدينة المنورة وأباحها على جنوده لمدة ثلاثة أيام وقتل ما لا يقل عن ٧٠٠ صحابياً وتابعياً، وفي السنة الثالثة والأخيرة من حكمه وحياته رمى الكعبة بالمجنيق … وبعد ما استُشهد الإمام الحسين عليه السلام أرسل أهل المدينة وفداً إلى الشام على رأسهم عبدالله بن حنظلة غسيل الملائكة ليستخبروا أمر الحسين عليه السلام وأنه لماذا أقدم يزيد على قتله و.. فلما رجع الوفد إلى المدينة المنورة سألهم أهل المدينة عن أخبار الشام قالوا إننا رجعنا من عند شخص يرتكب المحرمات ويعلن بالفسق والفجور ولما كنا في الشام كنا نخاف أن ينزل العذاب من السماء فيصيبنا معهم … فأي فضل هذا؟..

ويقول المسعودي في كتابه : مروج الذهب ومعادن الجوهر ” ج ٣ ص ٢٦ ” : ” وقد كان زياد (والي العراقين من قِبَل معاوية والذي اتصلت ولايته بعد ذلك بالجزيرة العربية أيضاً، وعبيدُ الله بن زياد والي الكوفة وصاحب الجيش الذي قتل الحسين عليه السلام كان ابن هذا الشخص) جمع الناس بالكوفة بباب قصره يحرّضهم على لعن علي فمن أبى ذلك عرضه على السيف .. ولو كان أحد يلعن أحد الصحابة ممن ليس له أي فضل غير كونه من صحابة النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقط لكفّروه وحكموا عليه بأنه مهدور الدم و …

ولو أردنا أن نسرد ما قام به بنوا أمية من جرائم لطال الكلام ولما تمكنا من حصرها في كتاب مؤلف من مئات الصفحات ، ويكفينا أن نقول أنهم غصبوا الخلافة من أهلها و هم أهل البيت عليهم السلام وأية جريمة أكبر وأفضع من هذا؟..

والطريف أن الكاتب يستند إلى غزو القسطنطينية لإثبات الفضل ليزيد مُتّبعاً في ذلك لابن تيمية فقد قال – أعني ابن تيمية – في مجموعة الفتاوى ج ٣ ص ٤١٣ – ٤١٤ بعد ما نقل اختلاف المسلمين في جواز لعن يزيد : (والصواب هو ما عليه الأئمة من أنه لا يُخَصّ بمحبة ولا يُلعَن؛ ومع هذا فإن كان فاسقاً أو ظالماً فالله يغفر للفاسق و الظالم لا سيما إذا أتى بحسنات عظيمة، وقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له” وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد بن معاوية ..) فلا أدري عن أية حسنة يتحدث ابن تيمية، فالحديث منقول في مصادرهم ولا نجد له أثراً في مصادرنا، و لا يمكن الإستدلال قبال الخصم بما هو مرضي عند المستدِل دون خصمه، وعلى افتراض صحة الحديث نقول : قد أثبت بعض الفضلاء المتتبعين في التاريخ أن يزيد قد تخلف عن الجيش الذي كان ينتظره قرب أنطاكية فلم يكن ممن شاركوا في غزو القسطنطينية فضلاً عن كونه أميرَهم، فهذا الإستدلال مخدوش كبرىً وصغرىً ..

ثم إن من جملة ما قام به يزيد هو قتل سبط النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وأحد سيدي شباب أهل الجنة ، و هل يمكن تكفير هذا الذنب العظيم بمثل المشاركة في فتح القسطنطينية لو سلّمنا كونه من المشاركين فيه؟ وأضف إلى ذلك : هل يكون تكفير الذنب بحسنة تلحق المعصية أم تسبقها، الحسنة التي تكفّر السيئات هي التي تأتي بعد السيئات (إن الحسنات يذهبن السيئات) فيلزم افتراض وجود السيئات لتكون الحسنات التي يؤتى بها بعد ذلك مكفِّرةً لها وأما إذا كانت المعصية والظلم بعد الحسنة فالقاعدة تقتضي أن تكون المعصية الكبيرة هي التي تحبط الحسنات السابقة لا أن تكون الحسنة السابقة مُكفِّرةً للسيئة اللاحقة، وقد كانت غزوة فتح القسطنطينية في خلافة معاوية وأما قتل الإمام الحسين عليه السلام فكان في خلافته بعد موت أبيه معاوية فمن الطبيعي أن نقول أن قتل الحسين عليه السلام أحبط حسنات يزيد السابقة – لو كانت له حسنات – لا أن حسناته السابقة قد كفّرت سيئاته اللاحقة .. أعاذنا الله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ونسأل حسن العاقبة بحق محمد وعترته الطاهرة

موفقين لكل خير محروسين من كل سوء وشر ..

أيوب الجعفري

ليلة الجمعة ١١ محرم الحرام ١٤٤٠ ه ق
الموافق ٢١ / ٩ / ٢٠١٨ م

https://telegram.me/ayoobaljafary