بسم الله الرحمن الرحيم
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وثورة الإمام الحسين عليه السلام – الجزء الأول – :
من أهم الفرائض الإلهية في الشريعة المقدسة الإسلامية وسائر الأديان الإلهية هي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث أنها قوام المجتمع المبتني على الدين، و الثورة الحسينية العظيمة التي تُعدّ من العلل المُبقية للدين والتدين والمتدينين قد نشأت و انبثقت من هذه الفريضة، بمعنى أن الإمام الحسين عليه السلام إنما ثار وخلق تلك الملحمة العظيمة تطبيقاً لمبدء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولهذا نجده عليه السلام يؤكد على هذه الفريضة في كثير من كلماته وخطاباته من بداية خروجه من مدينة جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى يوم عاشوراء ..
ومن هذا المنطلق وبحكم واجبنا تجاه هذا الإمام العظيم وقبال الدين المبتني بقاؤه على هذه الفريضة المهمة ارتأينا كتابة موضوع مختصر عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للتعرُّف على مختلف جوانبها ولبيان دورها في الثورة الحسينية عليه آلاف السلام والتحية؛ فنقول مستعينين بالله الكريم :
لا ريب أن الإيمان بالله تعالى ورسوله وبما جاء به يستلزم الإلتزام العملي به بعد عقد القلب عليه – كما هو مبيَّنٌ في مبحث الإيمان حيث أن المستفاد من الآيات و الروايات هو أن الإيمان ليس بمعنى العلم ولا بمعنى العمل بل هو العلم والمعرفة والتصديق القلبي المستلزم للعمل لأن القلب قائد الاعضاء والجوارح بل والجوانح أيضا، فإيمانُه بشيء يوجب أن يفرض عليها العمل بمقتضى ما آمن به أو نقول أنه يقودها نحو العمل بمقتضاه، و التفصيل في مبحث الإيمان إن وُفِّقنا لتدوينه -، فالإيمان وكما أشرنا يستلزم الإلتزام العملي كما انه يحقِّق علاقة وثيقة بين المؤمنين و يوجب الأُخُوَّةَ وولاية الحب و النصرة فيما بينهم كما قال الله العظيم في محكم كتابه الكريم : “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” – سورة الحجرات : ١٠ – فالعامل والسبب في تحقق الأُخُوّةِ بينهم هو الإيمان الذي يجمعهم و يشتركون فيه، لأن “تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعِلّيّة” – كما يقول علماء الأصول – فعلّة الأُخوّة هو الإيمان، و قال تعالى : ” وَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” – سورة التوبة : ٧١ – فجعل الولاية للمؤمنين فيما بينهم وجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علامة تلك الولاية أو أنه جعل الولاية (و المقصود منها في الآية ولاية الحب و النصرة لا ولاية الحُكم و السلطنة المقصودة في آية ولاية الله والرسول والأئمة المعصومين عليهم السلام المشار إليهم بإيتاء الزكاة في الصلاة حالة الركوع، إذ لا يُعقل ثبوت هذه الولاية لجميع المؤمنين، نعم يمكن القول بثبوت نوع من ولاية التدبير في شؤون بعضهم البعض فيكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إعمالاً لهذه الولاية، وبيانه موكول إلى محله وعلّنا نشير إليه في قادم الأبحاث بعون المعبود جل وعلا) نعم قد جعلها منشأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث أن هدف هذه الفريضة – وكما سيأتي في محله – إزالة النقص والإيصال إلى الكمال ولا يفعل ذلك أحد إلا إذا كان محباً وناصراً لغيره وبما أن المؤمن محب وناصر لغيره من المؤمنين بمقتضى إيمانه فهو من يقوم بهذه الفريضة لإزالة نقائصهم وإيصالهم إلى كمالهم الذي خُلقوا من أجله وأُرسل الرسل وأُنزلت الشرائع لتحقيقه، وهذا ما يشير إليه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فيما روي عنه من قوله صلوات الله عليه وآله : “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً” وقال صلى الله عليه وآله وسلم : “مثل المؤمنين في توادّهم و تراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى” ..
ولا يخفى أنه كلما كان القائم بهذا التكليف – أي إزالة النقائص و إيصال الآخرين إلى الكمال – أكمل كان تكليفه أثقل كما أنه الاليق والأَولى بالقيام به من غيره، ومن المعلوم أن النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم ومن هو بمنزلة نفسه الشريفة – أعني الإمام المعصوم عليه السلام – أكمل الخلق على الإطلاق فهم الأجدر والأولى من غيرهم في القيام بما يُحَقِّقُ هذا الهدف، وتكليفُهم في ذلك أثقل بل هم وسائط الفيض وهداة البشرية و سائر المكلفين إلى الكمال والقرب العبودي والمعرفي إلى المعبود الكريم جل وعلا، فلا يمكن أن يقوموا في المجتمع إلا بما يوصله – أي المجتمع – بأفراده إلى كماله، و إذا رأوا في هذا الطريق عائقاً أو مانعاً أزالوه قدر الإمكان، والوسيلة المحقِّقة لهذا المطلوب هي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ببيان حقائق الدين ومعارفه وأخلاقه وأحكامه والدعوة إلى العمل به في مختلف جوانبه – أعني الأعمال الجوانحية و الجوارحية – والأمرُ بالمعروف كفيل بذلك كما أن النهي عن المنكر كفيل برفع الموانع والعوائق من الرذائل و المعاصي والعقائد الباطلة ..
ولهذا – اي لكون الإمام المعصوم عليه السلام هو الإنسان الكامل الذي أصبح بكماله وقربه العبودي والمعرفي من الرب الكريم، واسطةَ الفيض على سائر الخلق كما أنه غاية الخلق وعلته الغائية – يؤكد الإمام الحسين عليه السلام من بداية حركته على أنه إنما خرج للقيام بهذه الفريضة المُحَقِّقة لذلك الهدف – هدف التكوين والتشريع – فقد ورد في وصيته إلى أخيه محمد بن الحنفية : “بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق، وأن الجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب عليه السلام .. ” – بحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٢٩ – .. يتبع ..
أيوب الجعفري
ليلة الثلاثاء ١ محرم الحرام ١٤٤٠ ه ق
الموافق ١١ / ٩ / ٢٠١٨ م
https://telegram.me/ayoobaljafary