الفرق بين الأسماء و الصفات

السلام عليكم .. شيخنا الحبيب الغالي …
س / ما الفرق بين الأسماء و الصفات .. مثل ( العلم والعالم … الخ ) . جزاكم الله خيراً …
_________

هناك أبحاث شريفة و كثيرة حول الأسماء الحسنى و صفات الله العليا كمفهوم الإسم و الصفة لغة و مصطلح الإسم و الصفة في علم الكلام و الفلسفة و العرفان و ما يقصد بهما في لسان الأدلة الشرعية من الآيات و الروايات ، و عدد الاسماء الحسنى و السبب في اختلاف الروايات في عددها ، وتقسيمات صفات الله و .. و المهم هنا هو بيان الفرق بينهما إجمالاً لانه محط السؤال ، فنقول مستعينين بالله الكريم :

لكل علم مصطلح خاص في معنى الأسماء و الصفات ففي اللغة الإسم من السموّ بمعنى الرفعة و يحتمل فيه أن يكون من الوسم بمعنى العلامة أيضاً ، فهو ما دل على الذات مع معنى وصفي و رفعةٍ لارتفاع المسمى و خروجه به عن الإبهام و المجهولية فالعالم اسم يدل على ذات متصفة بالعلم ، و لكن الصفة هي نفس ذلك المعنى و المفهوم الذي يعد كمالاً أو مضاداً للكمال كمفهوم و وصف العِلْم و الجهل ..

و في علم الكلام يُطلق الإسم على :

١ – ما يدل على الذات كأسماء الأعلام المعروفة بيننا فعندما نسمي أحداً باسم خالد مثلاً فالمقصود دلالته على الذات الخارجية أي هذا الفرد الخاص من الإنسان و لا يُقصَد منه اتصافه بوصف الخلود .

٢ – الذات الموصوفة بوصف خاص أي أن المقصود من التسمية دلالة الإسم على الذات مع اتصافها بذلك الوصف كلفظ الجلالة حيث تدل على الذات المستجمعة لجميع صفات الجمال و الجلال .

٣ – الذات من حيث كونها مبدءاً لفعل من الأفعال كالرازق و الخالق فهما اسمان يدلان على الذات المتعالية مع كونها مبدءاً لفعلِ الرزق و الخلق فهو يرزق و يخلق ..

و اما الصفة فهي نفس ذلك الوصف و المفهوم من دون أن تدل على الذات المتصفة به كالعلم و الرزق و الخلق ..

و على هذا الأساس يمكن أن يقع الإسم محمولاً في قضية حملية ( و خبراً في جملة خبرية ) فنقول : ” الله تعالى عالمٌ ” و أما الصفة فلا تُحمل على الذات فلا نقول : ” زيد رزق ” ، نعم يمكن حمل المصدر بمعنى الفاعل أو المفعول على الذات – حيث يطلق المصدر و يراد منه اسم الفاعل أو اسم المفعول أحياناً كما يقال الصيد لِما اصطيد فنقول هذه السمكة صيد زيد، كما انه يمكن إطلاق المصدر و حمله على الذات مجازاً للمبالغة فنقول عليٌ عدلٌ و “إنه عملٌ غير صالح”، وقد ينعكس الامر فتُحمل الذات على المصدر كما في قوله تعالى : “و لكن البِرَّ مَنْ آمَنَ بالله” ..

و أما في مصطلح العرفاء و الفلاسفة فالصفة هي مفهوم مجرد عن الذات و لكن الإسم يطلق على الذات مع بعض الشؤون و الحيثيات أو الذات مع تجلي بعض صفات الكمال والجمال والجلال، فالإسم ليس لفظاً يدل على الذات بل هو نفس الذات التي قد أصبحت مظهراً للصفات الجمالية والجلالية أو بعضها وأما الإسم اللفظي فهو إسم الإسم وليس نفس الإسم  ..

فالإسم في المصطلح والفلسفي العرفاني حقيقة عينية خارجية وفي علم الكلام وجود لفظي أو كَتْبيٌّ ..

و أما في لسان الشرع المقدس – في القرآن الكريم والسنة المباركة – فالملحوظ أن الشارع المقدس يستعمل الإسم بمختلف المصطلحات مضافاً إلى اعتبارهما أمراً واحداً أحياناً، فقد يطلق الإسم ويريد منه المعنى اللغوي وقد يستعمله في المعنى الكلامي وقد يقصد منه المعنى العرفاني والفلسفي .. فقوله تعالى  : “و علّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون” سورة البقرة : ٣١ – ٣٣ ؛ يدل على استعمال الإسم في الذوات و الأعيان الخارجية مضافاً إلى استعماله في ما يدل على الذوات الخارجية حيث أنه تعالى قد علّم آدم الأسماء كلها وجعل ذلك فضيلة لآدم قد فضّله بها على الملائكة، و من المعلوم أن مجرد حفظ الأسماء اللفظية لا يوجب كمالاً يُفَضَّلُ به الإنسان على الملائكة المقربين الذين لا يعصون الله ما أمرهم وهم بأمره يعملون ، ولهذا فُسِّرت الأسماء في الآية بالنبي و أهل البيت عليهم السلام تارة وبأرواح الأنبياء والأولياء المعصومين عليهم السلام أخرى ..

ومن المعلوم أن أكمل الموجودات هو الإنسان الكامل، كما أن من الواضح أن الأكمل في الكمالات الوجودية واجدٌ لكمالات من دونه وزيادة فمثلاً الأعلم في الرياضيات مثلاً واجد لكمال العلم المتحقق في العالم – غير الأعلم – وزيادة، ونستنتج من ذلك أنّ عِلْمَ آدم واتصاله الروحاني بأرواح الأنبياء والأولياء المعصومين عليهم السلام ومعرفتَهُ بكمالاتهم الروحانية عِلْمٌ بكمالات جميع الموجودات الإمكانية لأنهم عليهم السلام أكمل الخلق فهم واجدون لجميع كمالات الخلق لأن المعرفة بالأكمل معرفة بالكامل أيضاً كما أشرنا، بل يمكن القول بأن معرفة الأرواح الكاملة مضافاً إلى كونها معرفةً بجميع كمالاتِ مَنْ دونهم من الخلق وهم جميع مَن سواهم من الموجودات الإمكانية، مضافاً إلى ذلك هي معرفةٌ بالله تعالى من وجه لأن الإنسان الكامل أكبر آية لله كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يقول : “ما لله آية أكبر مني” كما أنه – أي الإنسان الكامل – مظهر أسماء الله تعالى بل هو أحسن الأسماء – كما ورد : “نحن و الله الأسماء الحسنى” – فمعرفته معرفةٌ بالله تعالى معرفةً أسمائية ..

فالمقصود من الأسماء في الآية الكريمة الذواتُ المقدسة والأرواح المطهرة لأكمل المخلوقات على الإطلاق المُلازمة معرفتُها لمعرفة جميع الحقائق والكمالات (و هذه المعرفة طريق كمال العارف إن لم نقل أنه بعينه كمالُه إذ أن نفس المعرفة من عناصر الكمال) وليس المقصودُ منها الأسماءَ اللفظية المركبة من عدة حروف، و الشاهد على ذلك – مضافاً إلى ما أشرنا إليه من عدم كون معرفة وحفظ اللفظ كمالاً يوجب أشرفية الإنسان من الملائكة – من نفس الآية هو أنه قد أُرجِع ضمير العقلاء إلى الأسماء فقال تعالى : “و علم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم” و لم يقل ثم عرضها، كما أنه قال بعد ذلك للملائكة : “أنبئوني بأسماء هؤلاء” فهناك موجودات عاقلة قد علّمها الله تعالى آدم وطلب من الملائكة أن ينبؤوه بأسمائهم ثم طلب من آدم – بعد أن قالت الملائكة أنه لا علم لهم .. – أن ينبئهم بأسمائهم .. فالأسماء في بداية الآية أسماء وجودية و أعيان خارجية من ذوي العقول ، و “أسماءُ هؤلاء” يعني أسماءُ تلك الأسماء الوجودية فهناك أسماء وأسماء لتلك الأسماء (والجدير بالذكر أنه يمكن أن نستفيد من آيات تعليم آدم الأسماء كلها أن غاية الخلق هو الإنسان الكامل الذي هو الإسم الوجودي و هو الذي يمكن أن يكون الحجةَ بين الله و خلقه فإذا لم تكن تلك الحجة لم يُخلق العالم الإمكاني فإذا لم يبق إنسان كامل في عالم الدنيا انتفت حكمة بقاء سائر الناس فيثبت بذلك ما ورد في بعض رواياتنا أنه : “لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها” ؛ و توضيح ذلك بالتفصيل يتطلب مجالاً ومقاماً آخر .. )

هذا كله في المصطلح العرفاني الذي يمكن استفادته من الآيات والروايات أيضاً؛ إلا أنه ليس كل إطلاقات الإسم والصفة في الآيات و الروايات من هذا القبيل بل قد يُستعمل الإسم بمعنى الصفة فقد أُطلق في بعض الروايات الإسم على “البصير” و “السميع” و عَدَّتْهُما من جملة الأسماء الحسنى لله كما أُطلق عليهما في بعضها الآخر لفظ الصفة فعبّرت عنهما بأنهما من صفات الله .. بل قد ورد أن الأسماء صفاتٌ حيث روى الكليني رضوان الله تعالى عليه عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام أو قلت له : جعلني الله فداك نعبد الرحمنَ الرحيمَ الواحدَ الأحدَ الصمدَ؟ قال : فقال : إنّ مَنَ عبد الاسمَ دون المسمى بالأسماء أشرك و كفر و جحد و لم يعبد شيئا بل اعبُدِ اللهَ الواحدَ الاحدَ الصمدَ المسمى بهذه الأسماء دون الأسماء ، إن الأسماء صفات وصف بها نفسه” – الكافي ج ١ ص ٨٧ باب المعبود الحديث ٣ ؛ و هناك روايات أخرى أيضاً تدل على ذلك و تشتمل على معارف إلا أننا نكتفي بهذا المقدار ؛ و الحمد لله اولاً آخراً  ..

أيوب الجعفري

يوم الجمعة ٢٥ محرم الحرام ١٤٤٠ ه ق
الموافق ٥ / ١٠ / ٢٠١٨ م

https://telegram.me/ayoobaljafary