السلام عليكم ..
ما المقصود من ” قلّ الديانون ” في كلام الإمام الحسين عليه السلام ؟
_____________________________________
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
الإمام في مقام بيان أن الدين لم يدخل في قلوب الكثير من الناس و إنما يتذوّقونه بألسنتهم بقدر ما يأخذون من الطعام بالملعقة – و الدين لعق على ألسنتهم – فلم يتذوقوه بقلوبهم و أرواحهم فكيف برسوخه فيها ، و في المقابل نجدهم قد أُشربوا حبَّ الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة ، و محب الدنيا عبدٌ لها كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : ” من أحب الدينار و الدرهم فهو عبد الدنيا ” و مقتضى حب الدنيا هو تقديمها على الدين إذا وقع التزاحم بينهما .. فامثال هؤلاء لا يَدَعون النقد – الدنيا – قبال النسيئة – الدين الذي يؤمِّن سعادة الآخرة – .. و في الخبر : ” الناس أبناء الدنيا و لا يُلام المرء لحب أمه ” فمن الطبيعي أن يحب المرء أمه ما دام طفلاً يتربى في أحضانها و لا يلام على ذلك و لو كان من أبناء الآخرة لكان محباً للدين مأنوساً به و لَقَدّمه على الدنيا إذا تزاحما ..
فالإمام الحسين عليه السلام في مقام بيان هذه الحقيقة و هي أن غالبية الناس عبيد الدنيا و لا محالة يحبونها و يقدمونها على الدين و الآخرة و ذلك لأنهم ليسوا ديّانين ملتزمين بالدين أي أن حب الدين لم يترسخ في قلوبهم و أرواحهم و إنما أخذوا منه بقدر ما يتذوقونه بألسنتهم فيحوطونه ما درت معائشهم و أما إذا جاء دور البلاء و الإمتحان لأجل الدين قل الملتزمون به ، و بعبارة أخرى إذا كان القلب دَيّناً تدينت جميع الأعضاء و الجوارح و القوى الظاهرية و الباطنية لأنها تحت إمرة القلب تأتمر بأوامره و تنتهي بنواهيه و القلب الدَّيِّنُ يقدم الآخرة على الدنيا عند التزاحم فيُقدِم بجميع أعضائه و جوارحه على ما يحافظ على دينه بلغ ما بلغ و لو أدى إلى التضحية بالنفس و النفيس ، و أما إذا كان الدين في وجوده بقدر تذوُّق الطعام باللسان فلا محالة لم يدخل الإيمان في القلب و حينئذ يجري نفس الكلام السابق و هو أن القلب أي الروح إمام الأعضاء و الجوارح و القوى الظاهرية و الباطنية و إذا كان القلب قد أُشرب حب الدنيا فإنه يأمر الأعضاء و الجوارح بتقديمها على الدين و الآخرة عند التزاحم فلا يبقى مجال للإلتزام بهذا الدين عملياً .. و هذا معنى – و كذا منشأ – قلة الديّانين عندما يبتلى الناس و يُمَحَّصوا بالبلاء …
أيوب الجعفري
٢٦ ذو الحجة الحرام ١٤٣٨ ه ق
الموافق ١٧ / ٩ / ٢٠١٧ م
https://telegram.me/ayoobaljafary