بسم الله الرحمن الرحيم

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وثورة الحسين عليه السلام – الجزء السابع – :

جزاء ترك العمل بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

قلنا أن هذه الفريضة من جملة أهم الفرائض بل هي أهمها على الإطلاق لأنها طريق ووسيلة إقامة سائر الفرائض وهو من جملة حِكَم أهميتها في الشريعة المقدسة كما سيأتي ضمن بيان بعض الأحاديث إن شاء الله تعالى، وسبق أن لأهميتها حِكَماً متعددة أخرى ككونها وسيلة لهداية الناس إلى رشدهم ودعوتهم إلى ما يوجب كمالهم وسعادتهم كما قال مؤمن آل فرعون : “يا قوم اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد” – سورة غافر : ٣٨ – وكما قال الإمام الحسين عليه السلام في كتابه إلى وجوه أهل البصرة : “إني أدعوكم إلى الله وإلى نبيه فإن السنة قد أُميتت فإن تجيبوا دعوتي وتطيعوا أمري أَهْدِكم سبيلَ الرشاد” – مثير الاحزان لابن نما الحلي ص ١٧ ، وفي بعض المصادر : “و أنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله فإن السنة قد أُميتت وإن البدعة قد أُحييت فإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد” – موسوعة كلمات الإمام الحسين ع ص ٣٨٣ –

وسبق أيضاً أن من جملة أسباب كونها – أي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – بهذه المرتبة من الأهمية هو أنها من الفرائض الإلهية وعصيانُ الله تعالى في فرائضه موجبٌ وسببٌ لاستحقاق ونزول العذاب – بمختلف مصاديقه – وقد يعم العذاب العصاة وغيرهم ممن لا يمتثلون أمر الله تعالى في هذه الفريضة فيكونون هم أيضاً – بعدم امتثالهم – من العصاة المستحقين للعذاب، وهناك آيات وروايات كثيرة تدل على ذلك نشير هنا إلى بعضها فنقول مستعينين بالله الكريم :

* قال تعالى : “لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ” سورة المائدة : ٧٨ – ٧٩ .

يستفاد من هذه الآية أمور كثيرة ومن جملتها :

١ – أن العصيان والإعتداء سبب لِلّعن، واللعن يعني الإبعاد عن الرحمة وإذا كان الله تعالى هو من أبعد أحداً عن رحمته فقد عذّبه إذ لا واسطة في الجزاء الإلهي فيما يتعلق بارتكاب المعاصي، لا واسطة بين العذاب والرحمة (نعم يستعمل اللعن في المكروهات أيضاً فإن الإبعاد عن الرحمة قد يكون تاماً كما في المحرمات وقد يكون نسبياً كما في المكروهات حيث أن ارتكاب المكروه أيضاً يوجب كدورة القلب والبعد عن المعنويات إلى حدّ ما إلا انه لا يصل إلى درجة توجب الحرمة؛ ولكن إذا ورد النهي عن المحرمات وتُوُعِّدَ عليها اللعن أو لُعن مرتكبها بالفعل كان اللعن بمعنى الإبعاد التام عن الرحمة وهو ملازم للعذاب ولا وسطة بين العذاب والرحمة) فإن نفس غفران الذنب أيضاً رحمةٌ من الله تعالى كما قال جل وعلا : “قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ” سورة الأنعام : ١٥ – ١٦، فَصَرْفُ العذاب رحمةٌ من الله تعالى فلو لم يرحمه كان بمعنى أنه لم يصرف عنه العذاب .. والنتيجة أن العصيان موجب للّعن واللعن يعني الإبعاد عن الرحمة وهو بمعنى العذاب ..

٢ – لم يكن ارتكابُ المعاصي السببَ الوحيد والحصري لِلَعْنِهِمْ ونزولِ العذابِ عليهم بل تركهم فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ايضاً من جملة الأسباب أو أنه مُتَمِّمُ السبب في نزول العذاب ولهذا عَقّبَ قولَه تعالى : “بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ” بقوله جل وعلا : “كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ” وهذا ما يستفاد من آية العذاب النازل على أصحاب السبت أيضاً حيث قال تعالى : “وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ” – سورة الأعراف : ١٦٣ – ١٦٦ ؛فالمُلاحَظ من الآيات أن أصحاب السبت كانوا ثلاث طوائف وهم : مرتكبوا معصية الصيد في يوم السبت، والممتثلون لنهي الله تعالى عن الصيد في يوم السبت غير الناهين عنه، و الممتثلون لنهيه تعالى عن الصيد الناهون عنه، والطائفة الثانية كانوا يعترضون على الثالثة بقولهم : “لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا” يعني أن هؤلاء المرتكبين لهذه المعصية مستحقون للهلاك أو لعذاب الله تعالى فلماذا تعظونهم؟ فأجابتهم الطائفة الثالثة : “مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ” يعني أن السبب في قيامنا بنهي هؤلاء عن الصيد مع كونهم مستحقين للهلاك أو العذاب هو أن نكون قد أتممنا الحجة عليهم فنكون نحن أيضاً معذورين لدى الله تعالى بقيامنا بواجب النهي عن المنكر (عذراً أو نُذرا) فلا يبقى موجبٌ لأنْ يُعَذِّبَنا الله تعالى كما أن هناك احتمالَ التأثير “و لعلهم يتقون” فيتركوا عملهم الشنيع – و قد قُرِّر في الفقه أن احتمال التأثير من شروط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – ..

ثم إن الآية التالية تؤكد على أن الناجين من عذاب الله تعالى هم الناهون عن المنكر فقط دون الطائفتين الأُخْرَيَيْن بمعنى أن العذاب لم ينزل على المرتكبين لتلك المعصية فحسب بل قد عمّ غيرَ المرتكبين لها التاركين للنهي عن المنكر حيث قال عز من قائل : “فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ” فالناجون من العذاب هم الذين كانوا ينهون عن السوء دون غيرهم، ولهذا جاء في بعض الروايات المُفَسِّرة للآية(أي قوله تعالى : “لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ” أن الملعونين لم يكونوا من مرتكبي المعاصي كسائر العصاة بل كان ذنبُهم مداهنةَ أهل المعاصي وعدم قيامهم بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فعن أبي عبد الله ( دالإمام الصادق) عليه السلام في قوله تعالى : “كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون” قال : أما أنهم لم يكونوا يدخلون مداخلهم، ولا يجلسون مجالسهم، ولكن كانوا إذا لقوهم ضحكوا في وجوههم وأنسوا بهم – وسائل الشيعة ط الإسلامية ج١١ ص ٥٠٩ باب ٣٩ من كتاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الحديث ٧ …

٣ – قد يعم العصيان ويصبح ظاهرة عامة فيكون ارتكاب المعصية مرضاً متفشياً في جميع المجتمع أو غالب أفراده، فهنا لا يكفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل يجب التناهي عن المنكر بمعنى أن يكون النهي عن المنكر من الطرفين فالمنهيّ عن المنكر عليه هو أيضاً أن ينهى غيره عن المنكر ولهذا قال جل وعلا : ” كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ” ولم يقل : “كانوا لا ينهون عن منكر فعله العصاة” والتناهي مأخوذ من النهي وهو من باب التفاعل والمشهور في العلوم الأدبية أنه يُستعمل باب التفاعل فيما إذا كان الفعل صادراً من الطرفين (كما نقول : “تضارب زيد وعمرو” فإنه يعني أن كل واحد منهما ضرب الآخر، بخلاف : “ضرب زيدٌ عَمْراً” فإن زيداً هو الضارب وليس مضروباً وأما عمرو فهو مضروب وليس بضارب) فعلى الجميع أن يقوموا بفريضة النهي عن المنكر ليكونوا قد عملوا بوظيفتهم فيَحُوْلُوْا دون نزول العذاب ..

نكتفي بهذا المقدار من الآيات و سنتطرق في الجزء التالي لبعض الروايات الدالة على المطلوب بعون المعبود جل وعلا ..

أيوب الجعفري
ليلة الأحد ١٣ محرم الحرام ١٤٤٠ ه ق
الموافق ٢٣ / ٩ / ٢٠١٨ م
https://telegram.me/ayoobaljafary