بسم الله الرحمن الرحيم

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وثورة الحسين عليه السلام – الجزء الثاني عشر – :

* مراحل ومراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب ومراحل متعددة وهي كالتالي :

١ – الإنكار القلبي للمنكر : من الطبيعي أن يكون المؤمن الصادق والحقيقي محباً للإيمان ومقتضياته من الفضائل الأخلاقية والأعمال الصالحة إلى جانب المعتقدات الحقة، وكارهاً للكفر والطغيان والعصيان، والمستفاد من بعض الآيات أن الله تعالى هو من أودع هذا الحب والكُره في قلوب المؤمنين فقد قال عز وجل : “وَ اعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ” – سورة الحجرات : ٧ – و يمكن القول أن ذلك من الأمور الفطرية للانسان بمعنى أن الله تعالى قد أودع حبَّ الإيمان و كُرْهَ الكفر و الفسوق والعصيان في فطرة الانسان فإن الانسان مجبول على حب الخير و كره الشر سواء كانا متعلقين بالعمل أو الأخلاق أو العقيدة مضافا إلى أن مقتضى الإيمان هو حب الخير و كره الشر – فلا يمكن أن يكون الإنسان مؤمناً بالله تعالى ورسوله وسائر المعتقدات ومع ذلك لا يحب الإيمان ولا يكره الكفر والفسوق والعصيان بل قد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أن الإيمان هو الحب والبغض ليس إلا، مستنداً إلى الآية المذكورة فقد سأله عليه السلام الفضيلُ بنُ يسار عن الحب والبغض، أَمِنَ الإيمان؟ فقال : وهل الإيمان إلا الحب والبغض؟ ثم تلا هذه الآية : “حبب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم وكَرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون” – أصول الكافي ج ٢ ص ١٢٥ باب الحب في الله والبغض في الله الحديث ٥ – و في حديثٍ عنه صلوات الله عليه : “من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله فهو ممن كمُل إيمانه” – المصدر نفسه : الحديث ١ – وهناك روايات أخرى، وإن كان لسان بعضها حب المؤمن للمؤمن إلا أنه من الواضح جداً أن المقصود حبه للمؤمن لأجل إيمانه فهو عائد إلى حب الإيمان كما أن المقصود من قوله تعالى : “و من يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً” – سورة النساء ٩٣ – المقصود منه قتلُ المؤمن لإيمانه فإن تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية – كما يقول علماء الأصول – مضافاً إلى أن القتل لا لأجل الإيمان بل للعداء الشخصي مثلاً لا يوجب الخلود في النار وإن أوجب الدخول فيها ولهذا ورد عن الإمام الصادق عليه السلام حينما سأله سماعة عن الآية أنه قال : “من قتل مؤمنا على دينه فذلك المتعمد الذي قال الله عز وجل : وأعد له عذاباً عظيماً، قلت : فالرجل يقع بينه وبين الرجل شيء فيضربه بسيفه فيقتله؟ قال : ليس ذلك المتعمد الذي قال الله عز وجل” – الكافي ج ٧ ص ٢٧٥ باب أن من قتل مؤمنا على دينه فليس له توبة الحديث ١ – .. وفيما نحن فيه أيضاً حبُّ المؤمن راجعٌ إلى حب الإيمان كما أن بغض الكافر والعاصي راجع إلى بغض الكفر والعصيان كما هو صريح آية الحجرات وليس المقصود الحب والبغض الشخصي .. أضف إلى ذلك أن الإنسان مفطور على التوحيد “فطرة الله التي فطر الناس عليها” و للتوحيد مراتب و جوانب مختلفة و منها التوحيد في الطاعة فتكون الطاعة و حب المطيع أمرا فطريات قد جُبّل عليه الإنسان، و بيانه موكول إلى محله .. والخلاصة أن أول مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو حب المعروف وبغض المنكر وإنكاره قلبياً كما سبق في الرواية المنقولة في تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال صلوات الله عليه وآله في ذيلها : “من رأى منكم منكراً فليُنْكِرْ بيده إن استطاع، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه فحسبه أن يعلم الله من قلبه أنه لذلك كاره” ونظير ذلك ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : “حسب المؤمن عزاً إذا رأى منكراً أن يعلم اللهُ عز وجل من قلبه إنكارَه” الكافي ج ٥ ص ٦٠ باب إنكار المنكر بالقلب الحديث ١ – ..

وتجدر الإشارة إلى أنه قد ذُكر الإنكار القلبي في عداد مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا أنه يمكن أن يقال بأن ذلك تسامح ومن باب المجاز فإن الإنكار القلبي يلزم أن يكون في جميع المراتب التي سنذكرها في الأجزاء التالية وبعبارة أخرى يلزم أن تكون سائر المراتب مقارنة للإنكار القلبي فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان لا يعني عدم لزوم الإنكار بالقلب حينه، وكذا في سائر المراتب التي سنأتي على ذكرها بعون الله تعالى فيجب تحقق الإنكار القلبي مع جميع المراتب، وقد يقال أنه من مقومات سائر المراتب فإنه لا معنى للنهي عن المنكر مع عدم كونه ممن يكره ذلك المنكر في قلبه فعدم كراهته له يدل على أنه لا يعده منكراً فنهيه عنه بعنوان أنه منكر أمر تصنّعي وليس نهياً حقيقياً، هذا اولاً وأما ثانياً فإنه لا يصدق الأمر والنهي بمجرد كراهة القلب أي بمجرد الإنكار القلبي للمنكر، و لهذا قال بعض محققي الفقهاء – ببيانٍ من هذا القاصر – أن الإنكار القلبي إنما يكون داخلاً في عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما إذا انضم إليه إحدى المراتب الأخرى وإلا لم يصدق عليه أنه أمر أو نهي فإن من المعلوم أنني لو أحببتُ أن يصلي صديقي أو كرهتُ قيامه ببعض المعاصي لم يقل أحد بأن حبَّك وكراهتَك القلبيين أمر بالصلاة ونهي عن المعصية ولهذا أيضاً فُسِّر الإنكار القلبي – من باب الإحتمال – بإظهاره في الوجه والإعراض عن تارك المعروف أو فاعل المنكر وهو – أي إظهار الكراهة في الوجه و.. – من جملة مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الآتية إن شاء الله تعالى .. وتحقيق الكلام موكول إلى الأبحاث الإستدلالية في الفقه، والمهم هنا هو أن الكراهة القلبية لفعل المنكر وتركِ المعروف من جملة الواجبات في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل هو – كما أشرنا إليه في بداية هذا الجزء – من آثار بل من لوازم الإيمان إن لم نقل أنه من مُقَوِّماتِه، كما أن هذا الحب القلبي للمعروف و لترك المنكر و الكراهة القلبية لفعل المنكر و ترك المعروف من الواجبات التي لها مدخلية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلولا أن المؤمن يحب المعروف و يكره المنكر لما أمر بالمعروف و لما نهى عن المنكر و قد أشار الإمام الحسين عليه السلام إلى ذلك بل صرح به حيث روي أنه أرسل الوليد الى منزل الحسين عليه السلام للنظر أَخَرَجَ من المدينة أم لا ؟ فلم يصبه في منزله فقال : الحمد لله الذي خرج و لم يبتلني بدمه قال : و رجع الحسين عليه السلام إلى منزله عند الصبح فلما كانت الليلة الثانية خرج إلى القبر أيضا و صلى ركعات فلما فرغ من صلاته جعل يقول : اللهم هذا قبر نبيك محمد و أنا ابن بنت نبيك و قد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم إني أُحِبُّ المعروف و أُنكر المنكر و أنا أسألك يا ذا الجلال و الإكرام بحق القبر و من فيه إلا اخترت لي ما هو لك رضى و لرسولك رضى – بحار الأنوار للعلامة المجلسي رض ج ٤٤ ص ٣٢٨ – فبيّن لنا الامام الحسين عليه السلام و بكل وضوح أنه يحب المعروف و ينكر المنكر ومن المعلوم أن الحب و الإنكار من صفات القلب كما أن من الواضح جدا أن الامام عليه السلام لا يحب الا ما يحبه الله و لا ينكر إلا ما ينكره الله تعالى و بذلك يتبين لزوم تحقق هذا الحب و الإنكار في قلب المؤمن ليصدق عليه أنه مؤمن حقا و …

وسنتطرق في الجزء التالي لسائر مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعون المعبود جل وعلا ..

أيوب الجعفري
ليلة الإثنين ٥ صفر الخير ١٤٤٠ ه ق
الموافق ١٥ / ١٠ / ٢٠١٨ م

https://telegram.me/ayoobaljafary