مبايعة علي عليه السلام للخلفاء
ارسل لي احد الإخوة بعض الأسئلة حول بعض الخلافات المذهبية نقلاً عن بعض المستشكلين علينا وكان من بينها السؤال التالي :
أريد دليلاً من قول اﻻمام علي انه بايع أبابكر وعمر وعثمان مكرها .
فكتبت في الجواب :
أصل مبايعة علي عليه السلام لهؤلاء محل شك ولم يثبت تاريخياً أنه بايع معهم حتى يقال أنه كان مكرهاً أم لا، ولكن لو ثبت ذلك فنحن لا نحتاج إلى أن يَرِدَ قولٌ من الإمام علي عليه السلام أنه كان مكرهاً لأنه يكفي قول النبي صلى الله عليه وآله و سلم في غدير خم : “ألست أولى بكم من انفسكم” .. وبعد أخذ الإقرار منهم قال صلى الله عليه وآله وسلم : “فمن كنت مولاه فعلي مولاه” فهل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مولى الخلفاء أم لم يكن؟ فإن قلتم أنه لم يكن مولاهم فقد اخرجتموهم من الدين وإن قلتم أنه صلوات الله عليه وآله كان مولاهم قلنا فعلي عليه السلام ايضاً مولاهم بنص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك .
لا يقول أحد أن المراد بالمولى هو المحب والناصر فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد فرّع المولى على كونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم فيكون المقصود من المولى نفس المقصود من كونه أولى بهم من أنفسهم ..
وإذا أردتم كلاماً لأمير المؤمنين عليه السلام فراجعوا خطبته عليه السلام المعروفة بالشقشقية ومن جملة ما يقول فيها هو قوله عليه السلام : “أما والله لقد تقمصها فلان وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عن السيل ولا يرقى إليّ الطير .. فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهباً، حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده .. فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته … فصبرت على طول المدة وشدة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم فيا لله وللشورى، متى أعترض الريب فيّ مع الأول منهم حتى صرت أُقْرَن إلى هذه النظائر لكني أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا . فصغى رجل منهم لضغنه ومال الآخر لصهره مع هن و هن إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه . وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث فتله . وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته .. ( ثم يذكر قصة بيعة الناس له ..)
هذا وقد نقل الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي (وهو من كبار علماء اهل السنة و كان حنفي المذهب) في مناقبه ص ٦١، أقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم مخاطباً أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ومن جملتها : وقال له : “أنت مني وأنا منك” … وقال له : “أنت مني بمنزلة هارون من موسى” وقال له : “أنا سلم لمن سالمت وحرب لمن حاربت” وقال له : “أنت العروة الوثقى” وقال له : “أنت تبيّن لهم ما اشتبه عليهم بعدي” و قال له : ” أنت إمام كل مؤمن و مؤمنة ، وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي” وقال له : “إن الله تعالى أوحى إلي بأن أقوم بفضلك، فقمت به في الناس وبلغتهم ما أمرني الله بتبليغه، وقال له : اتق الضغائن التي لك في صدور من لا يُظهرها إلا بعد موتي أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ثم بكى صلى الله عليه وآله فقيل مم بكاؤك يا رسول الله؟ فقال أخبرني جبرئيل عليه السلام انهم يظلمونه، ويمنعونه حقه ويقاتلونه ويقتلون ولده ويظلمونهم بعده …”
ثم ماذا تقولون عما نقله الجميع عن إباء أمير المؤمنين عليه السلام ومجموعة من الصحابة عن بيعة أبي بكر .. انظروا إلى النص التالي الذي ينقله ابن قتيبة الدينوري في كتاب الإمامة والسياسة ج ١ ص١٨ – ١٩ و كذا غيره في مصادر أخرى : .. وأما علي والعباس بن عبد المطلب ومن معهما من بني هاشم فانصرفوا إلى رحالهم ومعهم الزبير بن العوام، فذهب إليهم عمر في عصابة فيهم أسيد بن حضير وسلمة بن أسلم، فقالوا : انطلقوا فبايعوا أبا بكر، فأبوا، فخرج الزبير بن العوام رضي الله عنه بالسيف، فقال عمر رضي الله عنه : عليكم بالرجل فخذوه فوثب عليه سلمة بن أسلم، فأخذ السيف من يده، فضرب به الجدار، وانطلقوا به فبايع وذهب بنو هاشم أيضا فبايعوا .
ثم يقول ابن قتيبة في فصل آخر من كلامه : إباية علي كرم الله وجهه بيعة أبي بكر رضي الله عنهما : ثم إن علياً كرم الله وجهه أتي به إلى أبي بكر وهو يقول : أنا عبد الله وأخو رسوله، فقيل له بايع أبا بكر، فقال : أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، و احتججتم عليهم بالقرابة من النبي صلى الله عليه وسلم، وتأخذونه منا أهل البيت غصباً؟ ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد منكم، فأعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الإمارة، وأنا احتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار نحن أولى برسول الله حياً وميتاً فأنصفونا إن كنتم تؤمنون وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون . فقال له عمر : إنك لست متروكا حتى تبايع، فقال له علي : احلب حلبا لك شطره، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غدا . ثم قال : والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه . فقال له أبو بكر : فإن لم تبايع فلا أكرهك، فقال أبو عبيدة بن الجراح لعلي كرم الله وجهه : يا بن عم إنك حديث السن وهؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم، ومعرفتهم بالأمور، ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك، وأشد احتمالا واضطلاعا به، فسلم لأبي بكر هذا الأمر، فإنك إن تعش ويطل بك بقاء، فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق، في فضلك ودينك، وعلمك و فهمك، وسابقتك ونسبك وصهرك . فقال علي كرم الله وجهه : الله الله يا معشر المهاجرين، لا تُخرجوا سلطان محمد في العرب عن داره وقعر بيته، إلى دوركم وقعور بيوتكم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين، لنحن أحق الناس به . لأنا أهل البيت ، ونحن أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله، المضطلع بأمر الرعية، المدافع عنهم الأمور السيئة، القاسم بينهم بالسوية، والله إنه لفينا، فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله، فتزدادوا من الحق بعدا . فقال بشير بن سعد الأنصاري : لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر، ما اختلف عليك اثنان . قال : وخرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به، فيقول علي كرم الله وجهه أفكنت أدع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته لم أدفنه، وأخرج أنازع الناس سلطانه؟ فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما لله حسيبهم وطالبهم …
أيوب الجعفري
ليلة الخميس ٧ شوال ١٤٣٩ ه ق
الموافق ٢١ / ٦ / ٢٠١٨م
https://telegram.me/ayoobaljafary