هل للشيطان حقيقة ووجود خارجي؟

سؤال من أحد الامؤمنين : سلام عليكم .. هل للشيطان وجود خارجي؟ هناك من يقول بأنه مخلوق ذهن الإنسان، فما هو رأيكم؟

الجواب :

بسم الله الرحمن الرحيم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

قد أرسل لي هذا التحليل بعض الإخوة، ويحتمل في المقصود من هذا التحليل أمران الاول كون الإنسان هو المسؤول عن اعماله وما يصدر عنه من تصرفات وليس الشيطان وإن كان مُوَسْوِسَاً إلا انه لا سلطة له على المكلفين فقد خلقهم الله تعالى مخيرين في أعمالهم التكليفية، فكما لم يجعل الله تعالى لأنبيائه على سائر عباده المكلفين سلطةً تسلبهم الإختيار لم يُسَلِّط عليهم الشيطان أيضاً بل الشيطان يدعو إلى الشر كما أن الأنبياء والأوصياء وسائر دعاة الحق يدعون إلى الخير، وكما أن النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم مُذَكِّرٌ وليس مسيطراً على العباد سيطرة تكوينية سالبة للإختيار كما قال تعالى: (فذَكِّر إنما انت مذكر*لست عليهم بمسيطر) كذلك الشيطان الذي سيُعلن يوم القيامة قائلاً: (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) – وهناك آيات أخرى أيضاً تدل على المطلوب – فصحيح أن الشيطان يوسوس الناس كي يكفروا بالله العظيم ويذنبوا ويتمردوا على الرب الكريم إلا أنه في نهاية الأمر مجرد داعٍ إلى الشر وليس مسيطراً ذا سلطة تكوينية تُمَكِّنه من إجبار الناس على الكفر والطغيان كما أن الأنبياء والأئمة عليهم السلام أيضاً دعاة إلى الله تعالى وإلى الحياة المعنوية كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) وليسوا مسيطرين عليهم تكويناً وإن كانت لهم الولاية الشرعية والسلطة الروحية على المؤمنين فهم عليهم السلام كما روي عن الإمام الكاظم عليه السلام أئمة القلوب حيث قال صلوات الله عليه مخاطباً هارون الرشيد: (أنا إمام القلوب وأنت إمام الجسوم) ولكن هذه السلطة والولاية تشريعيةٌ وليست تكوينيةً سالبةً للإختيار نافيةً للتكليف .. فعندما يعصي العبدُ ربَّه الكريم وعوذاً به جل وعلا لا يعصيه وهو مسيَّرٌ مُجْبَرٌ بل إنما يعصي بملأ إرادته وكمال اختياره كما أنه يطيع الله تعالى كذلك وإن كان لتسويل النفس الأمارة بالسوء ووساوس الشيطان تأثير في الإنسياق نحو العصيان والطغيان كما أن لدعوة الأنبياء والأولياء و الصلحاء تأثيراً في الإندفاع نحو الطاعة والإيمان، ولهذا يتبرأ الشيطان من أهل النار من الكفار والعصاة ويعلن للجميع أنه لم يكن له سلطة وسيطرة على أحد وإنما دعاهم فأجابوه إلى ما دعاهم إليه، مُعَقِّباً ذلك بقوله : “فلا تلوموني ولوموا أنفسكم” فعلينا ألّا نغفل ولا ننخدع ولا نخدع أنفسنا باتباع خطواته فإننا لا نتمكن يوم القيامة من إلقاء اللوم عليه وإن تمكنا لم يُفِدنا ذلك في النجاة من العذاب الإلهي؛ نعم يمكن حدوث السيطرة للشيطان على قلب الإنسان إلا أن ذلك إنما يحدث بعد تبعية الإنسان وانقياده له و تكرر ذلك منه بسوء اختياره إلى أن تتحول طاعة الشيطان إلى ملكة قلبية راسخة في قلب المطيع فيستحوذ الشيطان على قلبه ويسيطر عليه فلا يتمكن بعد ذلك من الخروج عن ولايته وتصرفه فإن الإنسان بتكرار الأعمال يتطبع بها وتحدث فيه طبيعة وفطرة ثانوية خلاف فطرته الأصيلة التوحيدية واذا تحول عمله إلى طبيعة ثانوية لم يتمكن من التخلف عما تمليه عليه فطرته وطبيعه الثانوية ويدخل بذلك في ولاية الشيطان فيستحوذ عليه إلا أن ذلك – وكما أشرنا – بسوء اختياره يعني أنه هو بسوء اختياره قد سلك طريقا يُدخله في ولاية الشيطان ويجعله تحت سيطرته ومن المعلوم أن “الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار” كما هو مقرَّرٌ في محله ..

هذا كله إذا كان المقصود أن الإنسان هو المسؤول عن أعماله وليس الشيطان وإن كان الشيطان أيضا مسؤولا عن وساوسه وما يقوم به في سبيل إغواء المكلفين، وأما إذا كان المراد الأمر الثاني وهو نفي وجود موجود باسم الشيطان وإبليس وأن الشيطان مخلوق لذهن الإنسان أي أنه موجود وهمي ليس له وجود خارجي وأن لله تعالى لم يخلق موجودا بهذا الإسم وهذه المواصفات، فغير صحيح ومخالف لصريح نصوص القرآن الكريم والسنة المباركة حيث أن الشيطان من الجن والجن مخلوق كالإنس للعبادة والمعرفة وتحصيل الكمال والسعادة بالإختبار والإرادة فقد قال تعالى عن إبليس : (كان من الجن ففسق عن أمر ربه) فهل كان موجوداً ذهنياً ومخلوقاً لذهن الناس الذين لم يُخلَقوا بعدُ وإنما خُلق أبوهم آدم فأُمر ذلك الموجود الوهمي قبل أن يصبح شيطاناً فعليا بتمرده على الله تعالى بالسجود له فتمرد فأخبر الله تعالى عنه أنه كان من الجن ففسق عن أمر ربه؟! – مع أخذ لفظ “كان” الدال على وجوده السابق وأنه كان من الجن، بعين الإعتبار – ..

هذا كله من جانب، ومن جانب آخر يقول تعالى : (و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فالجن قد جُعِل عِدْلاً للإنس في حكمة الخلق فكما أن الإنس مخلوق لنيل وتحصيل الكمال بالعبودية لله تعالى كذلك الجن مخلوق لذلك أي أن الله تعالى خلقه لهذا الهدف وليس مخلوقاً لذهن الإنسان أي ليس موجوداً وهمياً ولا معنى لجعل القرب العبودي إلى الله تعالى هدفاً لما ليس له وجودٌ حقيقي بل هو من أوهام أذهان الناس، فإذن وببرهان منطقي : “الجن مخلوق لله تعالى والشيطان بنص القرآن الكريم من الجن فالشيطان مخلوق له جل وعلا” فليس الشيطان من مختلَقات العقل البشري إلا أن يقال أن الجن من اختلاق العقل البشري وإذا قلنا بهذا القول كان معنى الآية : وما خلقت ما اختلقه العقل البشري مع البشر أنفسهم إلا ليعبدون أي وما خلقت البشر وأوهامه إلا ليعبدون، وهو كما ترون غير معقول ولا مقبول فكيف يُجعل الجن عِدلاً للإنس وتُجعل العبادة غاية لخلقهما ثم يقال أن الجن ليس موجوداً خارجياً مستقلاً عن وجود الإنسان بل هو من أوهامه ومختلَقات عقله وذهنه؟ فهذا المعنى غير مقبول لا عقلاً ولا شرعاً ..

وهناك إشكالات كثيرة أخرى إن كان هذا هو المقصود من الكلام المنقول ..

أيوب الجعفري

يوم الأحد ١٠ شوال ١٤٣٩ ه ق
الموافق ٢٤ / ٦ / ٢٠١٨ م

https://telegram.me/ayoobaljafary