علة اختصاص الشامات و العراق بإرسال الرسل

السلام عليكم  ..

أحد المؤمنين أدام الله عزهم :

سؤال لعله غريب بعض الشيء لكن أحب أن أعرف تحليل سماحتكم ؛ لماذا برأيك الحق تعالى أرسل أنبيائه في هذه المنطقة الجغرافية من العالم (الشام/ العراق/ الحجاز…) وبُعثوا في شعوب هذه المنطقة لا في أفريقيا مثلا أو الهند أو القارات الأخرى ..
_

الجواب :

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته  ..

بسم الله الرحمن الرحيم  ..

المستفاد من القرآن‌ الكريم أنه لم تكن هناك أمة لم يُبعث فيها نبي أو رسول أو لم يكن فيها حجة إلهية فقد قال تعالى  : ” إنا أرسلناك بالحق بشيراً و نذيراً و إنْ من أُمةٍ إلا خلا فيها نذير ” ( و لا يخفى عليكم أن النفي مع الإستثناء يفيد الحصر فلا توجد أمة لم يكن فيها نذير ) و المهم أن لا تكون أمة بلا نذير إلهي يدعوهم إلى التوحيد و إلى عبادة الله تعالى و التوحيد في عبادته جل و علا و ينذرهم يوم التلاق و .. سواء كان ذلك النذير رسولاً أو نبياً أو إماماً و وصيَّ نبي من الأنبياء عليهم جميعاً صلوات الله الملك المنان  .. و لهذا لا يمكن القول بأن البلاد الأخرى لم يُبعث فيها و إليها أنبياء و لم يأتها أوصياء بل من المقطوع به هو تحقق أحدهما – النبوة و الرسالة أو الوصاية الإلهية – و يكفي في إتمام الحجة و تبليغ الرسالة الإلهية وجود الإمام و وصي الانبياء .. إلا أننا لا نعلم أسماءهم و لم ينقل لنا التاريخ أسماء جميعهم و ما جرى عليهم ، و لا يخفى أننا لا نعلم أسماء أكثر الأنبياء فهم حسب الروايات مأة و أربعة و عشرون ألف نبي و رسول و لكن قد لا يكون عدد الذين نعرف أسماءهم من خلال الآيات و الروايات أكثر من أربعين نبياً ذُكرت أسماء خمسة و عشرين منهم في القرآن الكريم و أما بقية الأنبياء و المرسلين فلا أثر حتى لأسمائهم في كتب التاريخ و الروايات و .. فكيف بمحل دعوتهم و أممهم و ما جرى عليهم و ..

و قد يكون عدم ذكر أسمائهم و البلاد التي كانوا يعيشون فيها و يدعون شعوبها إلى التوحيد و عبادة رب العالمين و معرفته جل و علا و الإيمان بالمعاد و … لأجل أن الهدف من إرسال الأنبياء هو هداية الناس و سائر المكلفين إلى الصراط المستقيم صراط التوحيد و الكمال بالقرب المعرفي و العبودي إلى الله تعالى ، و الكتابُ الإلهي و الأنبياء و الأوصياء يستفيدون من جميع الوسائل الشرعية و المشروعة للدعوة إلى ذلك و من جملتها نقل القصص و التاريخ و ما جرى على الأقوام الأخرى ، و لهذا نجد القرآن و الروايات تنقل لنا قصصا عن الأنبياء عليهم السلام و غيرهم من خواص البشرية و عوامهم و لكن القرآن مثلاً مع أنه ينقل بعض القصص إلا أنه ليس كتاباً قصصياً هدفه نقل قصص السابقين بل القرآن كتاب هداية و هي التي يطلبها جميع المؤمنين – رسول الله و أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين ومن دونهم – في صلواتهم فبعد ما يحمدون الله تعالى و يُثنون عليه و يقرّون بكونه جل جلاله مالك يوم الدين، يدعونه و يطلبون منه الهداية إلى الصراط المستقيم قائلين : ” اهدنا الصراط المستقيم  .. ” هداية ابتدائية أو استمرارية أو تكاملية أو مركبة منها أو من بعضها – كلٌ حسب حاله و درجته – و … ( و للكلام في هذا الموضوع مجال واسع إلا أنه خارج عن محط كلامنا ) فإذا نقل لنا قصة فمن الضروري أن يكون لها تأثير في تحقيق هذا الهدف أعني الهداية و لهذا لا ينقل جميع القصص ، و ما ينقله فإنما هي قصاصات و مقطوعات تاريخية يمكن أخذ الدروس و العِبَر منها و ليس جميع ما جرى في و على تلك الأقوام و إلا لأصبح كتاباً قصصياً و لكان حجمه عشرات بل مئات المجلدات ..

فإذا كان كذلك لم يبق داعٍ لذكر جميع الأنبياء و المرسلين بأسمائهم و أقوامهم و ما جرى لهم و عليهم و .. بل يذكر قطعات من تاريخ بعض الأنبياء و الأولياء لتكون عبرة و درساً عملياً و أخلاقياً أو علميا و معرفياً للموجودين حين الدعوة الإلهية و سائر المعنيين بها و الذين سيولدون مستقبلاً إلى يوم القيامة .. كما أن عدم ذكر إرسالهم إلى الأمم و البلاد الأخرى لا يدل على عدم إرسال أنبياء منهم أو من غيرهم إليهم بل الأدلة العامة تدل على عدم خلوّ أمة من نذير  ..

موفقين لكل خير

أيوب الجعفري

ليلة الخميس ٢٢ من شهر رمضان المبارك ١٤٣٩ ه ق
الموافق ٧ / ٦ / ٢٠١٨ م

https://telegram.me/ayoobaljafary