بسم الله الرحمن الرحيم
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وثورة الحسين عليه السلام – الجزء الخامس عشر – :
ب – الموعظة الحسنة : المرتبة الثانية والأسلوب الثاني في الدعوة – الشاملة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – بالبيان والبنان هي الموعظة الحسنة، فإذا لم يتمكن الداعي إلى الله تعالى والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من التأثير فيمن يريد دعوته إلى الصلاح والفلاح ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، إذا لم يتمكن من التأثير فيه عن طريق الحكمة التي يتقبّلها الإنسان بفطرته السليمة – سواء كان عدم تقبُّله لأجل جحود وعناد من يدعوه ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر أو لأجل صعوبة فهم البراهين الحِكْميّة عليه أو لأجل أن الداعي نفسه ليس من أهل الحكمة وليس متضلعا في العلم فلا يتمكن من إقامة الأدلة والبراهين، فإذا لم يتمكن من التأثير لأحد هذه الأسباب أو غيرها – لم ينسد الطريق ولا تنغلق الأبواب أمامه بل يتمكن – أي الداعي – من الدعوة عن طريق الموعظة الحسنة بما تلين به النفس ويرقّ له القلب سواء كان بذكر ما يحرّك العاطفة وتتقبّله الفطرة الإنسانية أو بالتبشير بالجنة ونعيمها وسائر البركات المادية والمعنوية المترتبة على اتّباع الحق والعمل بالصالحات واجتناب المعاصي والذنوب في مختلف نشئات حياة الإنسان من الدنيا والبرزخ والآخرة، وبالإنذار والتخويف من النار وعذاب جحود الحق والإصرار على الباطل وما يترتب على ارتكاب المعاصي والذنوب و.. فالأنبياء والأولياء والدعاة إلى الحق والصالحات مأمورون بالتبشير والإنذار والآيات القرآنية والروايات النبوية والوَلَوِيّة مليئة بالأمر بالدعوة بهذا الأسلوب ..
فالآية الكريمة المذكورة تأمرنا أن ندعو إلى الله تعالى وإلى الإيمان والإلتزام بالدين، بالحكمة والموعظة والجدال إلا أنها تُقَيِّد الموعظة بأن تكون حسنة والجدال بالأحسن، ولحُسنِ الموعظة جوانب مختلفة كحُسن الواعظ والوعظ في مضمونه وهيأته فيلزم رعاية الحُسن في الواعظ وما يلزم أن يتحلى به في نفسه ليكون أهلا للوعظ مضافا إلى مضمون وعظه والكلمات والجمل المستخدمة فيه وأسلوبه و… و بيان ذلك باختصار :
هناك أمور يلزم رعايتها كي تتصف الموعظة بالحُسن منها ما يتعلق بالواعظ نفسه ومنها ما يرجع إلى الوعظ في شكله ومضمونه وهي :
* الخُلق الحسن : من المعلوم الذي لا ريب فيه أن الدعوة إلى الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والموعظة لا سيما في المراحل الأولى منها لا تؤثر ولا تنفذ في قلب من يُراد وعظُه الا إذا كان الواعظ ذا خُلق حَسَن يأنس به وإليه الآخرون لأجل خُلقه الجميل وإلا لم يتمكن الواعظ والآمر بالمعروف والناهي عن المكنر من التأثير والهداية وإن كان في نفسه أكمل الخلق على الإطلاق وكانت لديه براهين قاطعة ومعاجز غير قابلة للرد والإنكار، فمن المعلوم أن النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم أكمل الخلق على الإطلاق وبراهينه أقوى البراهين ومعجزاته أعظم المعاجز لا سيما القرآن الكريم الذي يتضمن – في وحدته – معاجز كثيرة في مختلف الجوانب والأبعاد اللفظية والعلمية وفي الإنباء عن الغيب والملاحم و… مضافا إلى أن المعجزة القولية أعظم من المعجزة الفعلية – وبيانه يتطلب مجالا آخر – ومع ذلك لو لم يكن صاحب هذه المعاجز وهو النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم ذا خُلق عظيم كما وصفه الله تعالى في كتابه الكريم ولم يكن تعامله مع الناس ومن يدعوهم إلى الخير والصلاح بخُلق حسن لما تمكن من هداية الناس بل لانفضّ الناس من حوله كما قال تعالى : “فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّا غليظَ القلب لانفضوا من حولك فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين” – آل عمران : ١٥٩ – ودلالة الآية على مدخلية عنصر الخُلق الحَسن في تأثير الدعوة والحفاظ على المؤمنين وعلى إيمانهم، واضحة جدا كما سنشير إلى بعض جوانبه في النقاط التالية أيضا ..
* الحلم : وهذه الخصلة راجعة إلى النقطة السابقة أفردناها للأهمية ولأجل بيانها بنحو مستقل فنقول : إن من أهم العناصر الدخيلة في نجاح الدعوة إلى الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أن يكون الداعي والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر حليما لا يخرج عن الرزانة في دعوته لا سيما إذا حدث بينه وبين من يدعوه الى الخير والصلاح نقاش وحوار فيما يدعو إليه – في مختلف الجوانب ككونه حقا أم لا، خيرا ومعروفا أم لا، وفي لزوم الاعتقاد القلبي أو الالتزام العملي به وعدمه، وفي كون الداعي مكلفا بالدعوة والأمر والنهي أم لا و.. – ومما يدل على ذلك ما ورد في قصة دعوة موسى وهارون على نبينا وآله وعليهما السلام فرعونَ الذي بلغ في الطغيان نهايته حيث لم يكن مشركا وظالما فحسب بل ادعى الربوبية بل ادعى أنه الرب الأعلى : “فقال أنا ربكم الأعلى” فالأنبياء يدعون إلى التوحيد والتوحيد – ولا سيما العبادي منه – هو المحور الأساسي في دعوتهم وفرعون لم يكن مشركا فحسب بل اجتاز ذلك وادّعى الربوبية ولم يجعل نفسه شريكا لرب العالمين – وعوذا به – بل ادعى أنه الرب الأعلى فادعى أنه لا شريك له – اي لفرعون – في تلك المرتبة من الربوبية و… ومع ذلك كله أمره الله تعالى بالحفاظ على الحلم مع أنه – أي فرعون – قد طغى، فالقرآن الكريم يخبرنا عما أمر الله تعالى به موسى وهارون عليهما السلام بقوله تعالى : “اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولا ليّنا لعله يتذكر أو يخشى …” فالحلم والرزانة في التعامل مع من نريد دعوته عنصر مهم في القدرة على التأثير فيه وفي تحقيق هدف الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والواقع الخارجي وما نشاهده من تأثير الحليم في دعوته وتحقيق هدفه، خير شاهد على أهمية هذا العنصر في الدعوة وفي اتصاف الموعظة بالحُسن الموجب لوقوعها موقع القبول وطمأنينة القلوب بحُسن مادة الدعوة و..
* كون مادة الدعوة ومورد الوعظ حقا : الأديان الإلهية تدعو إلى الحق وتأمر بالاعتقاد به والعملِ بمقتضاه و التخلُّق بالفضائل والسير في مسار العدل – في مختلف أبعاده و جوانبه – فليس للدين هدف سوى إيصال الناس وسائر المكلفين إلى السعادة الحقيقية التي يتوقف الحصول عليها على اتّباع الحق في جميع المراتب العقدية والخلقية والسلوكية والعملية فلا يمكن التحذير والتخويف من شيء لا حقيقة له أو التبشير بما لا واقع له وليس له وجود خارجي وخلاصة القول أن الدين لا يأمر بالوعظ بأمور وهمية وخيالية فإنه – أي الدين – جاء لهداية الناس وسائر المكلفين إلى الحق و الحقيقة لا للمكر والخديعة، فمن الضروري تحلي الداعي إلى الحق الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر بالموضوعية والصدق، و هو من العناصر الأسياسية في اتصاف الدعوة بالحُسن فلا يمكن أن يتصف الوعظ بالحسن مع كون مادة الدعوة باطلا وهل يمكن الدعوة إلى الحق بالباطل؟ وإذا أمكن أفلا يكون ذلك إبطالا للباطل بإحياء باطلٍ آخر أو إحياءً للحق بإماتته من جانب آخر ؟..
و هناك جوانب أخرى لاتصاف الدعوة و الموعظة بالحُسن سنتطرق لها في الجزء التالي بعون المعبود جل و علا .. يتبع
أيوب الجعفري
يوم الاثنين ١٦ ربيع الأول ١٤٤٥ ق
الموافق ٢ / ١٠ / ٢٠٢٣ م