وقت صلاة المغرب و الإفطار
بسم الله الرحمن الرحيم
وردني ملف مرئي يتحدث فيه أحدهم عن وقت صلاة المغرب و الإفطار و أنه غروب الشمس و أن التأخير بمقدار ١٢ أو ١٥ دقيقة بدعة جاء به ابو الخطاب الكوفي، فطلب مني بعض فضلاء الأساتذة المؤمنين التعليق عليه فكتب :
ما رأي سماحتكم حول ما جاء في هذا الخطاب ..
والجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وتقبل الله أعمالكم وبلغكم آمالكم ..
كلامه غير صحيح فالقرآن الكريم ينص على وجوب إتمام الصوم إلى الليل والليل حسب المشهور لا يتحقق إلا بعد زوال الحمرة المشرقية ويمكن القول بأن العرف أيضا لا يطلقون الليل على ما قبل زوال الحمرة المشرقية وبمجرد غروب الشمس لعدم حدوث الظلمة التي يصدق معها الليل، فصدقُ الليل والنهار يكون بحدوث وزوال الظلمة لا بغروب وشروق قرص الشمس ولهذا نجد أن العرف لا يقول لما قبل شروق الشمس بدقائق أنه ليل بل يقول أنه نهار مع انه لم تشرق الشمس وذلك لحدوث النور والضياء الذي يصدق معه النهار ولو كان الليل والنهار متوقفين على الغروب والشروق في نظر العرف لأطلقوا الليل على ما قبل شروق الشمس، وأما بالنسة للصلاة فمن المعلوم أنه يدخل وقت صلاة المغرب أيضا مع وقت الإفطار فإذا قلنا بلزوم تأخير الإفطار الى وقت يصدق عليه الليل وهو وقت زوال الحمرة المشرقية لزم تأخير الصلاة أيضا إلى أن تزول الحمرة المشرقية ..
هذا مضافاً إلى أنه على القول بكفاية سقوط القرص في دخول وقت صلاة المغرب والإفطار أيضا لا يمكن أن نجعل تحقق المغرب الشرعي بمجرد الغروب فيلزم التحقيق في أنه هل يتحقق سقوط القرص بمجرد غروب الشمس من الأفق أم أن السقوط لا يتحقق إلا بزوال الحمرة المشرقية كما يستفاد من بعض الروايات وهو المشهور بين فقهائنا قديماً وحديثاً فعن أبي الصلاح الحلبي قدس سره – وهو من قدماء الأصحاب – في كتاب “الكافي في الفقه” أنه قال : “أول وقت المغرب غروب الشمس وعلامته اسوداد المشرق بذهاب الحمرة” وقال ابن حمزة – وهو ايضاً من قدماء أصحابنا – في كتاب الوسيلة : “وقت المغرب غروب الشمس وعلامته زوال الحمرة من ناحية المشرق” وهذا مضمون عبارات كثير من الفقهاء .. وأما الروايات فهي مختلفة فمنها ما تذكر غروب الشمس من دون تفصيل ومنها ما تذكر غروب الشمس ولكن تبين أنه يتحقق بزوال الحمرة المشرقية فعن الإمام الباقر عليه السلام : “فإذا غابت الحمرة من هذا الجانب – يعني من المشرق – فقد غابت الشمس من شرقها وغربها” فالمستفاد من أمثال هذه الرواية هو أنه يجب – و إذا شك أحد فلا أقل من أن الاحتياط يقتضي – تأخير الصلاة – وكذا الإفطار لعدم اختلاف وقتيهما – إلى زوال الحمرة المشرقية، وقد أفتى بعض الفقهاء بالتأخير بهذا المقدار واحتاط بعض آخر ..
وأما ما ذكره من أن كون زوال الحمرة المشرقية أولَ وقت صلاة المغرب والإفطار، من مبتدعات الخطابي، فغير صحيح بل قد ورد في بعض الروايات أن أبا الخطاب جعل وقت المغرب زوال الحمرة المغربية لا المشرقية ففي الوسائل طبعة الإسلامية ج ٣ ص ١٢٨ الباب ١٦ من أبواب المواقيت الحديث ١٠ : … عن عمار الساباطي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : “إنما أمرت أبا الخطاب أن يصلي المغرب حين زالت الحمرة من مطلع الشمس، فجعل هو الحمرة التي من قِبل المغرب، وكان يصلي حين يغيب الشفق”، فبحسب هذه الرواية قد جعل أبو الخطاب المغرب بذهاب الحمرة المغربية وهي المسماة بالشفق، لا المشرقية بينما يقول غالبية فقهاء الشيعة أن المغرب الشرعي يتحقق بذهاب الحمرة المشرقية والذي يقارن حدوث الحمرة المغربية – على الخلاف في كون الحمرة المشرقية هي التي تنتقل إلى المغرب فبمجرد أن تجتاز قمة الرأس إلى ناحية المغرب يدخل وقت الصلاة والإفطار أو أن الحمرة المشرقية تزول فتحدث معه الحمرة المغربية، وطبعا ليس لهذا الخلاف ثمرة عملية .. – ولا يوجد أحد من الفقهاء حسب تتبعي الناقص وعلمي القاصر، يقول بمقالة أبي الخطاب من كون اول وقت المغرب والإفطار هو ذهاب الشفق والحمرة المغربية، فإذن ليس مستند الفقهاء هو ما ذكره هذا المتحدث من روايات أبي الخطاب فمضافاً إلى خلوّ كثير من الروايات عن أبي الخطاب أو من يروي عنه، بل ينقل بعض الروايات فعل الإمام الرضا عليه السلام وأن الراوي قد رآه يصلي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق يعني السواد، وكان الخطابي يعيش قبل عصر الإمام عليه السلام ..، مضافاً إلى ذلك : إن المستفاد من هذه الرواية أن الخطابي جعل المغرب بذهاب الحمرة المغربية لا المشرقية كما أشار إليه الحر العاملي رضوان الله تعالى عليه بعد نقل الحديث ٢٢ من الباب المشار إليه أعلاه، والمشهور بين الشيعة أن وقتها من ذهاب الحمرة المشرقية لا المغربية وأن ذهاب المغربية بداية وقت فضيلة العشاء لا بداية وقت صلاة المغرب والإفطار .. وتفصيل ذلك موكول إلى الابحاث الفقهية وليس غرضنا هاهنا تحقيق المسألة و بيان تفاصيلها فإن ذلك موكول إلى محله وأهله ..
وأما مسألة البدعة فقد التبس عليه الأمر حيث أن البدعة هي إدخال ما ليس من الدين فيه وأما استنباط الأحكام الشرعية بالإجتهاد فليس من البدعة في شيء فإن الفقيه الذي يستنبط الحكم لا يريد إدخال شيء في الدين بل تمامُ مقصودِه فهمُ مقاصد الشريعة المقدسة في الأحكام الفقهية ولكنه قد يخطأ في إصابة الواقع وقد يصيب وللمخطئ أجر واحد وللمصيب أجران كما في بعض الروايات فلو كان ذلك بدعة لما كان له أجر واحد بل كان عليه الإثم والوزر، هذا أولاً وأما ثانياً فلو كان ذلك بدعةً أو من مصاديقها لكانت الأحكام المستنبطة المخالفة للواقع جميعها من مصاديق البدعة فيكون الجميع مبتلين بالبدعة لا محالة لأن الفقهاء مختلفون في كثير من الأحكام فلا محالة يكون حكم بعضهم موافقا للواقع ولما هو ثابت في اللوح المحفوظ وحكمُ البعض الآخر مخالفاً له فيكون حكم المخالف له بدعة وبما أن لكل فقيه حكماً مخالفاً للواقع لا محالة لأنه لا يمكن العثور على فقيه تكون جميع فتاواه مطابقة للواقع بقول مطلق فيلزم القول بأن الجميع – جميع الفقهاء من جميع الطوائف – مبتدعون وعوذاً بالله تعالى .. فيلزم أن نعرف مفهوم البدعة ثم نحكم على رأيٍ من الآراء الفقهية بأنه بدعة ..
موفقين لكل خير و لا تنسوني من صالح دعواتكم الكريمة ..
أيوب الجعفري
ليلة الأربعاء ٧ من شهر رمضان المبارك ١٤٣٩ ه ق
٢٣ / ٥ / ٢٠١٨ م
https://telegram.me/ayoobaljafary