حكمة نجاسة الكافر
أحد المؤمنين :
تساؤل : ما رايكم في مسألة نجاسة غير الكتابي (بوذي او ملحد) عند علماء الشيعة ؟ هل هو رأي فقهي تعبّدي يجب الرجوع فيه إلى الفقيه ؟ هل هي نتيجة تراكمات سياسية عبر السنين ؟ وهل يعتبر إرهاب وإعتداء على الآخرين ؟ أو هو تشريع فقهي إلهي ثابت ؟
سلام شيخ .. احنه لما نقول الكلب ولا الخنزير نجس نقول عن بدنه و ذاته نجسة مو أفكاره .. شلون صار الإنسان بدنه نجس (نجاسة مادية اقصد) بسبب أفكاره أو معتقداته ؟
_______________________________________________
الجواب :
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
نجاسة الكافر أمر تعبدي وارد في نصوص الشريعة، والنجاسة الشرعية غير القذارة العرفية فالمشرك وعابد الوثن والمنكر لوجود الله تعالى قد ابتعدوا عن منبع الطهارة والقداسة التامة وهو الله تعالى فأصبحوا بذلك قذرين بالقذارة الشرعية وإن كانوا نظيفين في أجسامهم أكثر من غيرهم كما أنه إذا رجع أحدهم إلى الله تعالى و دآمن به جل وعلا أصبح طاهر الجسم وإن لم يكن جسمه نظيفاً، وهذه القذارة الذاتية – وليست العرضية بعروض نجاسةٍ خارجية أو قذارةٍ عرفية بالمعنى اللغوي – ناتج عن القذارة الروحانية والابتعاد عن الله تعالى وعبادة غيره أو إنكار وجوده سبحانه وتعالى ولا يمكن قياس ذلك بنجاسة الكلب والخنزير أجلكم الله تعالى فنجاستهما ذاتية غير ناتجة عن الأفكار والمعتقدات ولا تزول هذه النجاسة إلا بزوال نفس ما هو موضوع النجاسة وعينها وهو نفس الكلب والخنزير كما إذا أُلْقِيا في الملح فتحوّلا ملحاً فإن هذا الملح المتحول منهما ليس كلباً ولا خنزيراً بل هو ملحٌ والملح طاهر وحلال، وأما الكافر فليس النجس أو ملاك النجاسة فيه إنسانيته بل كفره، فلا تزول النجاسة إلا بزوال ما هو موضوع وعين النجاسة وهو الكفر فإذا زال الكفر زالت النجاسة، وبتعبير آخر أدق : لا فرق بين المشرك والملحد وبين سائر أعيان النجاسة من هذه الجهة فالنجاسة الشرعية تترتب على موضوعاتها وبزوال الموضوع تزول النجاسة – لأن الأحكام تدور مدار موضوعاتها – إلا أن الموضوع في الكلب والخنزير و الدم و.. هو نفس كونه كلباً أو خنزيراً أو دماً أو … وبزوال هذا العنوان (أي كونه كلبا أو خنزيرا أو دماً أو ..) تزول النجاسة وأما الإنسان الكافر فموضوع نجاسته ليس كونه إنساناً بل كُفره فلا تزول النجاسة إلا بزوال هذا العنوان والموضوع وهو الكفر؛ وأما أنه لماذا يكون الكفر – بمعناه الواسع أو مقيداً بغير الكتابي على الخلاف – علةً للنجاسة الجسمانية فهو أمر تعبدي دلت عليه الشريعة المقدسة في القرآن والسنة المباركة كقوله تعالى : “يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ..” و..
والجدير بالذكر أن التعبّد بأحكام الدين من مقومات الإيمان بالله تعالى وبشريعته المقدسة وذلك فيما إذا علمنا بكونها أحكام الله حقاً وآمنا بأنها من الله تعالى فإن العقل يُلزِمنا بالإيمان بجميع أحكامه وقوانينه والتعبد بها لأنها قطعا ستكون لها علل وحِكَم وهي تابعة لمصالح ومفاسد واقعية ونابعة منها علمناها أم لم نعلمها، وواضح أن علم البشر لم يتمكن إلى الآن من كشف كثير من حقائق الكون المادي والمتعلقة بعالم المُلك، وكلما تطور العلم اعترف العلماء بعجزهم عن معرفة الحقائق أكثر وأكثر وأقروا بأن علمهم ومعلوماتهم حول الكون وحقائق عالم المادة مقارنة بالجهل والمجهولات شيء ضئيل لا يُذكَر، فكيف بعالم الملكوت وخفايا الكون وحقائق عالم ما وراء المادة وعناصر السعادة في عالمي البرزخ والقيامة الذين يُعدّان من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى ومن أظهره على غيبه، فإذا علمنا بأن الحكم الفلاني حكم إلهي ومن الله تعالى لزم التسليم لحكمه جل وعلا كما أن علينا أن نعلم أنه لا يمكن أن تكون الأحكام بلا علة أو حكمة فقد تقتضي المصلحة بيان تلك العلة أو الحكمة للعباد كما ورد بيانُ علل بعض الأحكام وشرحُ حِكَمِ كثيرٍ منها، وقد تقتضي المصلحة إخفاء العلة بل والحكمة أيضاً وذلك أن الدنيا دار امتحان وابتلاء ومحل لبلوغ درجة التسليم لله تعالى وهي من أعلى درجات الإيمان – وإن لم تكن أعلاها ففوقها درجات إلا أنها من علياها – ولا يخفى أن التعبد بأحكام الله لأنها من الله تعالى والتسليم له خير من معرفة علة الحكم والتسليم لأجل معرفة تلك العلة وتوضيحه يتطلب مجالاً آخر ولكن بإشارة عابرة أقول : إن الأحكام غير خالية من العلل والحِكَم ولكن بما أن الله تعالى غني بالذات وعين الكمال لا يمكن تصوُّر عود النفع إليه في التكوين والتشريع فإذا كان هناك حكمة فهي عائدة إلى العباد لا إليه تعالى فإنه غني بالذات وعلى الإطلاق، ولو تُصُوِّر عود النفع إليه لما كان غنياً مطلقاً وبالذات وهذا ما أشار إليه الإمام الحسين عليه السلام في دعاء عرفة حيث قال مخاطباً اللهَ تعالى : “إلهي تقدس رضاك أن يكون له علة منك فكيف تكون له علة مني، إلهي أنت الغني بذاتك أن يصل إليك النفع منك فكيف لا تكون غنياً عني” … وهذا المقدار من المعرفة بعدم خلو الأحكام عن الحِكَم والعلل كافٍ للمتوسطين في مراتب الإيمان ودرجات التقوى والمعرفة، وأما الكُمّل فهمُّهم التسليم لله وبلوغ درجة الرضا والقرب العبودي والمعرفي لا العلم بكون هذا العمل ذا نفع أم لا وإن نفعه عائد إليه أو لا و… وعلى أية حال تلك المعرفة كافية للأوامر والنواهي الإلهية وسائر أحكام الشريعة المقدسة ..
موفقين لكل خير ..
أيوب الجعفري
يوم الخميس ١٦ شعبان المعظم ١٤٣٩ ه ق
الموافق ٣ / ٥ / ٢٠١٨ م
https://telegram.me/ayoobaljafary