استفسار من أحد المؤمنين :

الامام الباقر عليه السلام : ( إن الله تبارك وتعالى *كان ولا شيء غيره*. نوراً لا ظلام فيه، وصادقاً لا كذب فيه، وحياً لا موت فيه، وكذلك هو اليوم، وكذلك لا يزال أبداً ) .

كيف بعض الفلاسفة يقولون بأن لا يمكن ان يكون زمان والله لم يخلق خلقاً ؟!
_______________________________________________

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

ذيل الحديث يفسّر و يبين المقصود حيث يقول عليه السلام : ” و كذلك هو اليوم و كذلك لا يزال أبداً ” و في بعض الروايات تعبير آخر و هو أنه تعالى كان و لم يكن معه شيء و الآن كما كان ، فالمقصود من الحديث – و الله العالم – هو أنه تعالى هو الوجود المحض و هو الموجود المستقل الوحيد و لم يكن معه موجود مستقل آخر بل الإعتقاد بوجود موجود مستقل غيره تعالى شركٌ و قد ثبت في محله أن وجود الشريك مستحيل أزلاً و أبداً و لا يمكن افتراض الشريك له تعالى فضلاً عن وجوده أو إمكان وجوده ، فلا يختص ذلك بالأزل بل هو تعالى الآن و إلى الأبد أيضاً وحيد – واحد و أحد – لا شريك له و لا نظير و لا تركُّب في وجوده جل و علا  ..

و فيما يتعلق بقوله عليه السلام : ” كان و لا شيء غيره .. ” يحتمل أن يكون ” كان ” فعلاً ناقصاً – و إن استبعده البعض لوجود الواو في الجملة التالية و هي قوله : ” و لا شيء غيره ” – كما يحتمل كونه فعلاً تاماً بمعنى تحقَّقَ و ثَبَتَ فلو كان من الأفعال الناقصة كان قوله عليه السلام ” و لا شيء غيره ” جملةً معترضة ، و قوله : ” نوراً لا ظلام فيه … ” خبراً ل” كان ” فالمعنى أنه تعالى كان نوراً لا ظلام فيه و .. و لا شيء غيره كان أو يكون نوراً لا ظلام فيه ..

و إذا كان من الأفعال التامة كان قوله عليه السلام ” و لا شيء غيره ” معطوفاً على الفعل التام و قوله : ” نوراً لا ظلام فيه ” حالاً لفاعلِ ” كان ”  و المعنى أنه كان الله موجوداً حالَ كونه نوراً لا ظلام فيه و لم يكن شيء غيره  هكذا أو و لم يكن غيره موجودا حال كونه نوراً لا ظلام فيه و .. و على أية حال المقصود أنه لا يوجد موجود يكون نوراً محضاً لا ظلام فيه و .. إلا هو إذ أن غيره اياً كان فهو متلبس بالنقص و الفقر الوجودي و .. و النقص و الفقر نوع من الظلمة و قد ورد في الحديث الشريف : ” الفقر سواد الوجه في الدارين ” كما أنه تعالى هو الحي بالذات بل هو عين الحياة و لا هكذا إلا هو فكل موجود غيره جل و علا مسبوق بالموت – بمعنى عدم الحياة لا بمعنى زهوق الروح و قد أطلق القرآن الكريم الموت على عدم الحياة في قوله تعالى : ” كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ” البقرة : ٢٨ – كما يلحقه الموت بعد حياته في الدنيا و كذلك بعد الحياة البرزخية للإنتقال إلى الحياة في الدار الآخرة  .. فهو جل جلاله حيّ لا موت فيه دون من و ما سواه  ، و كذا فيما يتعلق بسائر الأوصاف المذكورة  ..

هذا و المقصود من كونه جل و علا صادقاً لا كذب فيه – كما أشار إليه البعض – الصدق الذاتي لا ما هو صفة القول الذي يعد من صفات الفعل بل هو تعالى – و هو العالم بالحقائق – صادق الذات لا كذب و لا بطلان في وجوده و ذاته المتعالية المنزهة عن كل نقص و عيب ، فلا يوجد كمال مفقود له كما انه لا حد لوجوده ليكون معدوماً خارج ذلك الحدّ و عوذاً به ، و لا يوجد من هو هكذا غيره جل و علا أزلاً و أبداً فهو لا غيره صادق لا كذب فيه  ..

و التعبير الآخر – الذي ينسبه البعض إلى الرواية و هو انه تعالى كان و لم يكن معه شيء و الآن كما كان – أيضاً يتحدث – و الله العالم – عن وحدانيته تعالى و عدم وجود من يشاركه في رتبة الوجود و استقلاليته إذ أن كل من و ما سواه فهو ليس عين الوجود بل وجوده من الله تعالى كما يشوبه النقص و العدم – لتركبه من أنواع مختلفة من الأجزاء العقلية و الخارجية و من جملتها التركب من الوجود و العدم حيث أنه واجد لبعض الكمالات الوجودية و فاقد لكمالات أخرى فهو معدوم خارج حدود وجوده و وراء ما هو واجد له من كمالات وجودية – كما سبقت الإشارة إليه – فهو مركب من الوجود و العدم و هو أخس أنواع التركب – و هذا أيضاً غير مختص بما قبل خلق شيء بل الآن أيضاً كما كان و إلى الأبد سيكون هكذا  ..

و الجدير بالذكر أن ما نقلتم عن الفلاسفة من أنه : ” لا يمكن أن يكون زمان لم يخلق الله شيئاً ” كلامٌ صحيح حتى لو لم يكن للحديث ذلك التذييل ( أي قوله عليه السلام : و كذلك هو اليوم ، أو : و الآن كما كان ) و ذلك لأن الزمان مقدار حركة المادة فلولا وجود المادة لم يكن هناك زمان فلا يُتصوَّر وجود الزمان بلا وجود موجود طبيعي عنصري آخر ، هذا مضافاً إلى أن نفس و أصل الزمان و أصل عالم الطبيعة ليسا زمانيين لأنه لم يكن هناك زمان في ظرف خلق الزمان كما لم يكن زمان في ظرف خلق أصل العالم – و التعبير بالظرف من باب ضيق الخناق و إلا لم يكن حين خلق أصل الكون المادي و بتبعه الزمان ، ظرفٌ لا زماني و لا مكاني – و هذا معنى القدم الزماني أو الأزلية الزمانية فالزمان مثلاً لا يُتصوَّر وجود زمان لم يكن الزمان فيه موجوداً لأن معنى ذلك أن الزمان كان موجوداً قبل أن يكون موجوداً و هو خُلف فرض عدم وجوده و له لوازم و توالي فاسدة أخرى غير خفية على من له إلمام بالعلوم العقلية .. فلا يمكن تصوُّر زمان لم يكن فيه مخلوقٌ لله تعالى و إن قلنا بأنه تعالى كان و لم يكن معه شيء و فسّرنا ذلك بعدم وجود مخلوق له تعالى و لم يكن للحديث ذلك التذييل المشار إليه  ..

موفقين لكل خير

أيوب الجعفري

ليلة الإثنين ١١جمادى الأولى ١٤٣٩ ه ق
الموافق  ٢٩ / ١ / ٢٠١٨ م

https://telegram.me/ayoobaljafary