*آية إكمال الدين بين آيات أحكام اللحوم*
*سؤال من أحد المؤمنين أدام الله عزهم :*
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا عندي سؤال شنو الحكمه ان آية إتمام الدين تكون وسط آيات التحريم للحوم والطيبات في سورة المائده
________________________________________
*الجواب*
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
للإجابة على السؤال يلزم الالتفات إلى عدة نقاط :
١ – ترتيب تأليف القرآن يختلف عن ترتيب النزول فالنزول كان بحسب الحاجات و الضرورات و الأسئلة المطروحة من قبل المسلمين و غيرهم و .. بينما الترتيب التأليفي لا يرتبط بالنزول و ترتيبه إلا في موارد معدودة .. و من المعلوم أن مسألة إكمال الدين نزلت بشكل مستقل و لم تنزل آية إكمال الدين مع آية تحريم و تحليل اللحوم ..
٢ – ترتيب التأليف إلهيٌ فالله تعالى هو من أمر بجمع القرآن بهذه الكيفية “إن علينا جمعه و قرآنه” و بذلك يتبين لنا أن لهذا النوع من الترتيب حكمةً خاصة عرفناها أم لم نعرفها، فقد يكون الترتيب لأجل ارتباط واضح بين الآيات و قد لا يكون هناك ارتباط واضح و لكن هناك هدف خاص لا يتحقق إلا بهذا الترتيب الخاص الذي لا يتبين للجميع ارتباط بعض الآيات فيه ببعضها أو ارتباط صدر الآية بذيلها و .. و سنشير الى بعض الحِكم في النقاط التالية ..
٣- القرآن كتاب هداية و ليس كتابا علميا مُبَوَّبَاً حسب فصول خاصة، و كتاب الهداية يلزم أن يشتمل على مختلف عناصر الهداية في كل فقرة و فصل منه فمن الممكن أن يُذْكَر فيه – أي في القرآن الكريم – الدليلُ على وجود الله تعالى إلى جانب بعض الأحكام الفرعية ثم يُتطرَّق للتوحيد ثم بعض الفروع الفقهية أو الأخلاقية و هكذا في عدة آيات متتابعة، فمن يريد أن يتعرف على الدين الإسلامي فمن البديهي أنه سيرجع إلى الكتاب الأصلي لهذا الدين فيلزم أن يكون هذا الكتاب بنحو لو قرأ عدة صفحات منه تعرَّف على نبذة مختصرة من العقيدة و الفقه و الأخلاق و المعارف الإلهية و لهذا نجد امتزاج مواضيع مختلفة في بعض الآيات فضلا عن السور .. فلا مشكلة في ذكر مسألة الإمامة و إكمال الدين ضمن آيات تتحدث عن اللحوم و ..
٤ – القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الأخير للدين الإلهي الأخير و هو – أي القرآن الكريم – الميزان في العقيدة و الأخلاق و سائر قوانين الشريعة المقدسة كما أنه الميزان الأساسي في تصحيح الروايات المنقولة عن المعصومين عليهم السلام حيث أمرونا بعرض الروايات عليه فنأخذ الموافق له و نترك ما يخالفه و .. فيجب أن يبقى هذا الكتاب مصونا من التحريف لأنه – و كما أشرنا – هو الكتاب السماوي الأخير الذي يريد هداية الناس إلى الصراط المستقيم إلى يوم الدين و ليس هناك دين إلهي آخر يأتي بعد الدين الاسلامي ليكون تحريف كتابه الأصلي قابلا للجبر و التعويض بمجيء نبي آخر و كتاب سماوي غير القرآن الكريم و هذا الأمر يحتّم صونَ القرآن من التحريف اللفظي كي يكون كتابُ الهداية الذي هو الميزان في معرفة الحقِّ و الصحيحِ من الدين في مختلف جوانبه باقياً على كونه كتاب هداية الى يوم الدين، و هذا من جملة أدلة ورود الضمان من الله تعالى بالحفاظ على القرآن الكريم حيث قال جل و علا : “إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون” و قال عز من قائل : “و إنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه” ( و توضيح دلالة الآيتين و أمثالهما على صون القرآن من التحريف بالزيادة و النقيصة كلتيهما يتطلب مجالا آخر ) و لم يرد هذا الضمان لسائر الكتب السماوية من التوراة و الإنجيل و غيرهما لأسباب مختلفة و منها أن الأديان السابقة على الإسلام لم يكن أحدها خاتم الأديان ليُحَتِّمَ بقاء كتابه الأصلي على ما هو عليه من دون تغيير و تحريف ..
فالله تعالى هو الضامن للحفاظ على القرآن الكريم و هذا لا يعني أن الإنسان عاجز عن تحريفه فإن هناك من قام بالتحريف إلا أنه لم يقع موقع القبول لدى المسلمين فمن الممكن أن يُحَرِّفَه البعض تحقيقا لبعض الأهداف و الأغراض إلا أنه لا يقبل منه المسلمون فحتى أن البعض أراد أن يحذف حرفا واحدا (هو حرف الواو العاطفة) من آية واحدة فوقف أمامه أحد الصحابة و أخرج سيفه من غمده و قال – ما مضمونه – : “أين الواو يا …” .. إذن التحريف ليس أمرا مستحيلا بحدّ ذاته إلا أن الله تعالى قد وعد بعدم وقوعه أي أنه ضمن الحفاظ على القرآن الكريم و أن لا يحرفه أحد بحيث يقبله المسلمون و لأجل عدم كون التحريف مستحيلا عقلا و مع ذلك هناك ضمان إلهي للحفاظ عليه، نجد أنه قد روعي في القرآن الكريم أمور تَحُول دون حدوث دواعٍ قِبَلية أو مذهبية أو سياسية أو .. للتحريف و لهذا نجد يُذكر بعض آيات الولاية و الإمامة ضمن آيات متعلقة بفروع فقهية كي يبقى شيء من الغموض في دلالة الآية على المطلوب الأصلي فلا يحدث دافعٌ نفساني و داعٍ مذهبي قوي و .. للتحريف و حَذْفِ آية أو تبديلِها أو تبديل بعض كلماتها و حروفها بنحو تخرج الآية عن مدلولها الأصلي ( كما في قصة حذف الواو في الآية التي أشرنا إليها من دون أن نذكر تفصيل القصة، إذ أن المعنى مع وجود الواو مختلف تماما عما إذا حُذِفت الواو ) و هذا يمكن أن يكون أحد أسباب أن الله تعالى – الذي جعل وظيفة جمع القرآن على نفسه و لم يُوْكِله إلى الغير – أمَرَ بوضع آية إكمال الدين بين آيات اللحوم و وضع آية التطهير الدالة على العصمة العليا بين آيات نساء النبي ( مع وجود ارتباط مهم بين آيات نساء النبي و آية التطهير حيث أنه تعالى جمع في هذه الآيات بين ضرورة طهارة البيت الجسماني و طهارة البيت الروحاني للنبي صلى الله عليه و آله و سلم و توضيحه موكول الى محله) و ..
و للكلام في هذا الموضوع مجال واسع لا أتمكن من الغور في جميع جوانبه لضيق الوقت و كثرة الأسئلة و ..
موفقين مسددين ..
أيوب الجعفري
ليلة الجمعة ١٠ شوال ١٤٤٥ ق – ١٩ / ٤ / ٢٠٢٤ م