ألا ينافي قولُ سليمان عليه السلام ” لأعذبنه .. ” عدلَه ؟

سلام عليكم شيخنا العزيز

تقبل الله الأعمال

شيخنا في قول النبي سليمان ع
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ

لماذا هذا الحكم (العذاب أو القتل أو يأتي بسلطان مبين) الذي يتبين من اول وهلة بأن النبي سليمان ع ظالم وليس عادل والعياذ بالله؟

——————————————————————-

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

ما ورد في كلام سليمان عليه السلام بيان لمراحل الحكم للمتخلف عن أمره حيث أنه أمر بحضور الجميع و لم يكن لأحد أن يتخلف عن أمر النبي المَلِك الذي له السلطة الزمنية مضافاً إلى السلطة الروحية، و جميع من كان في دولته و ولايته قد قَبِلَوا بحكمه و حكومته و قوانينه عليه السلام فعليهم أن يطبّقوها و إلا لترتب العقاب الذي قد التزموا به بالتزامهم بقوانين تلك الدولة فقوله عليه السلام : “لأعذبنه أو لأذبحنه” بيان لذلك الحكم المقرَّر و تأكيد على حزم سليمان في أحكامه و أنه لا يحق لأحد أن يتخلف عن أمر النبي و إلا سيعاقب و إذا كان حزمه قبال الطير – الهدهد – بهذه الدرجة فعلى من هو في مرتبة أعلى من الشعور و الإدراك – كالإنس و الجن – أن يحسب ألف حساب في تصرفاته و أعماله التي تدخل في نطاق قوانين الدولة و إلا – أي لولا حزمه في تطبيق القوانين العادلة و ترتيب العقاب على المتخلف عنها – لساد الهرج و المرج على البلاد و العباد ..

و محصل الكلام أن الحاكم يحتاج لحفظ النظم و النظام إلى الحزم في تطبيق القوانين و إلا لتجرأ الكثيرون على التخلف عن القوانين، و إذا كان القانون إلهياً لزم الإلتزام به مع الإيمان بتلك القوانين، فصحيح أنه “لا إكراه في الدين” إلا أن المقصود أنه لا إكراه في أصل الإيمان و قبول الدين – و أساسا هذا الأمر غير قابل للإكراه كما بيّناه في بعض المحالس – و أما مع القبول فيلزم الإلتزام بما ورد فيه و من جملته نفس الأحكام الإلهية سواء كانت من الأحكام التشريعية المتعلقة بأصل الدين الموجبة لسعادة الدارين و السير التكاملي بالقرب العبودي و المعرفي إلى الله تعالى، أو كانت من الأحكام الولائية المتعلقة بالسلطة الزمنية فالتخلف من هذه الأحكام الإلهية التشريعية و الولائية تستتبع العقوبات الموضوعة لمن يخالفها من الحدود و القصاص و الديات و ..

فما ذكره سليمان عليه السلام لم يكن منافياً لعدله في الحكم بل كان حاكياً لحزمه في تطبيق القوانين و إجراء و تنفيذ الحكم و الحد على المتخلف عنها و إن كان المتخلف من الطير فكيف بما إذا كان من الموجودات العاقلة – من الجن و الإنس – ..

هذا مضافاً إلى أن الوعيد لا يجب الوفاء به و إن قلنا بوجوبه في الوعد، فيكون مجرد تهديد قابل للإغماض عند المحاسبة ..

و من جهة أخرى – و كما أشار بعض المفسرين – هذه الواقعة تدل على عدلِ سليمان و حريةِ التعبير في دولته الإلهية حيث أن الناس عادةً يخافون من بطش الملوك فلا يتجرأ أحد أن يتكلم أمامهم بكلمة قد توجب انجراحهم بل بكلمة لا يرغب الملك أن يتلفظ بها أحد و قد يلقى المتفوه بها في السجن بل قد يصدر حكم إعدامه و قتله و .. و لكن سليمان قد أعطى حرية التعبير للجميع حتى بلغ الأمر إلى أن الطير يقول له أنت لا تحيط علماً بما أحطت به، فمع أن سليمان نبي من أنبياء الله تعالى و هو صاحب السلطة الروحية و الزمنية في ذلك الوقت و هو من يُوحى إليه و يعلّمه الله ما لا يعلّم غيره ممن يكون تحت ولايته .. مع كل ذلك يتجرأ – و لا أقول يتجرأ الناس أو الجن بل يتجرأ موجود صغير ضعيف مثل – الهدهد فيقول مخاطباً النبيَّ المَلِكَ : “أحطت بما لم تحط به و جئتك من سبأ بنبأ يقين” فهذا من مظاهر عدله على نبينا و آله و عليه السلام كما أن ما قاله سليمان بشأن تعذيب أو ذبح الطير ما لم يأت بدليل لغيابه المنهي عنه من مظاهر حزمه على نبينا و آله و عليه آلاف التحية و الثناء …

موفقين لكل خير محروسين من كل سوء و شر بحق محمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين ..

أيوب الجعفري

ليلة الأربعاء ٢٠ جمادى الأولى ١٤٣٩ ه ق
الموافق ٧ / ٢ / ٢٠١٨ م