- ما فائدة تهذيب النفس مع وجود الأحراز الذِّكْرية ؟استفسار من أحد المؤمنين :
إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
- وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا .سلام عليكم .. كيف حالكم
يقال ان اية الله القاضي كان يستخدم هذه الاية كحرز لطرد الوساوس الشيطانية ..
شيخنا .. اذا كان الحرز يطرد الوساوس و ما شابه فما قيمة محاربة ومخالفة النفس؟٠_________________________________________
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحرز الحافظ للإنسان هو الدخول فيه لا مجرد قراءة ما يعد حرزاً ذِكْرِيّاً و ذلك نظير الإستعاذة بالله تعالى من الشيطان و من النفس الأمارة و من همزات الشياطين و شر كل ذي شر فمثلاً عندما يقول القرآن الكريم : ” فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ” ليس المقصود قول ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) فحسب بل الإستعاذة تعني الدخول في ما يعيذ الإنسان و يحرسه عن الشر و مبدئه و هو الشيطان و …
و الدخول في الحرز ليس مجرد قراءة ما يُعَدّ حرزاً بل هو تهذيب النفس الأمارة و تزكيتها ثم قراءة الآية أو الدعاء كما ورد نظير ذلك في التوكل أيضاً فعن النبي صلى الله عليه و آله و سلم في مسألة التوكل أنه قال : ” إعقِلها و توكّل ” فالتوكل لا يعني عدم التوسل بالأسباب بل يعني عدم الإعتماد عليها فيلزم التوسل بالأسباب و الإعتماد على الله الذي هو مسبِّب الأسباب فهو من يجعل السببية لها كما أنه هو من يسلبها عنها فلا معنى للإعتماد عليها بل يلزم التوسل بها و استعمالها و الإعتماد على جاعل السببية لها ألا و هو الله جل و علا ، و كذلك في مورد السؤال فيلزم تهذيب النفس و إدخالها في الحرز بالتهذيب ثم قراءة الآية أو الدعاء لإظهار الدخول في ذلك الحرز أو للطلب من الله تعالى أن يُدخله فيه فهو مسبب الأسباب و هو من يهذب نفس الإنسان بعد سعيه – أي سعي هذا الإنسان – في سبيل التهذيب و .. إذ لا مؤثر في الوجود إلا هو .. فالتهذيب و جهاد النفس الأمارة أمر ضروري للغاية و لا يُستغنى عنه بقراءة الأوراد و الأحراز ..
هذا مضافاً إلى أنه لو افترضنا أن مجرد قراءة الآية أو الدعاء حرزٌ لكان حرزاً مؤقتاً فمع القراءة يدخل الإنسان في الحرز و بمجرد تركها أو الغفلة عنها يخرج عن الحرز فيُبتلى بالذنب و الرذائل الأخلاقية ، و أما إذا قام بتهذيب النفس فستكون النفس بعد التهذيب تحت السيطرة بمعنى أن سيادة مملكة الوجود ستكون بيد العقل بانتهاج منهاج الشرع فلا يخرج عن الحرز بعدم قراءة الآية أو الدعاء بل سيكون في الحرز بشكل دائم و مستمر ما دامت النفس تحت سيطرة العقل المتشرع ..
و أضف إليه أيضاً أن الدخول في الحرز بقراءة شيء من الآيات و الأدعية مجردُ دخولٍ في الحرز و سيكون الإنسان ماجوراً و مثاباً بذلك و بترك الذنوب و فعل الطاعات بدخوله في الحرز الذِّكْري ، و أما تهذيب النفس فله أثر عظيم في بلوغ الإنسان درجة الإنسانية الحقيقية فالإنسان موجود ذو قابليات عظيمة إلا أنه يجب عليه أن يخرج عن القابلية إلى الفعلية و من القوة إلى الفعل – أي من استعداد الكمال إلى تحقق ذلك الكمال خارجاً – بنفسه و عن طريق تهذيب النفس ، فقراءة الأحراز أمر جيد و موجب للبُعد عن الذنوب و تحصيل الثواب بل و القرب من الله تعالى أحياناً و لكن تهذيب النفس مضافاً إلى ذلك يوجب تحقق الكمالات الروحانية و صيرورة الإنسان موجوداً ملكوتياً أو مضاهياً للملكوتيين و أن يصبح نموذجاً و مصداقاً من مصاديق الإنسان الكامل الذي هو غاية الخلق و إن كان له – أي للإنسان الكامل – مصاديق متفاوتة الدرجات – و على حدّ تعبير أرباب العلوم العقلية : له مراتب تشكيكية – أعلاها و أتمها و أكملها و أجلاها مختص بالأنوار المحمدية الأربعة عشر عليهم صلوات الله و الملائكة و الناس أجمعين إلا أن بإمكان الإنسان بتهذيب نفسه أن يحقق في نفسه و لنفسه مراتب من الكمال فيصبح بذلك من مصاديق العلة الغائية للخلق بقدر ما حقّق لنفسه من كمال بالقرب العبودي و المعرفي إلى الله تعالى عن طريق تهذيب النفس ..
و المحصَّل أن تهذيب النفس أمر ضروري و حيوي للإنسان إذا أراد أن يتدرج مدارج الإنسانية و يخرج عن القوة إلى الفعلية فيما يتعلق بالكمالات الممكنة له و تبديل استعداد الكمال إلى الكمال الفعلي .. فلا معنى للقول بأنه إذا كان هذا الذِّكْر أو الدعاء أو الآية حرزاً فما فائدة تهذيب النفس فإن له فوائد جمة و عظيمة و قد أشرنا إلى ما بدر إلى الذهن في هذه العجالة ..
موفقين لكل خير محروسين من كل سوء و شر ..
أيوب الجعفري
ليلة الإثنين ٢٥ جمادى الأولى ١٤٣٩ ه ق
الموافق ١٢ / ٢ / ٢٠١٨ م