نكاح الصغير و الصغيرة

بسم الله الرحمن الرحيم
وردني ملف مرئي – فيديو – يتحدث فيه أحدهم عن نكاح الرضيعة و يستشكل على الفقهاء تجويزهم ذلك و يذكر بعض العبارات الواردة في الكتب الفقهية لبعض أعلام الطائفة و ينتقدها من دون أن يذكر إشكالاً علمياً على ذلك و إنما يقرأ بعض العبارات بطريقة محركة للمشاعر لإثارة حساسية المستمعين تجاه ما ورد فيها ..

و في مقام الرد على ما ورد في كلام هذا المتحدث يلزم القول بأنه لم يأتِ بشيء – غير قراءة بعض عبارات الفقهاء و إظهار عدم الإرتضاء بما ورد فيها – حتى يمكن أن نناقشه بالأدلة العلمية الواردة في الشريعة المقدسة، و مع ذلك و لأجل إزاحة الشبهة عن هذا الحكم الشرعي نقول مستعينين بالله العظيم :

عندما نناقش فكرة دينية من عقيدة أو حكم شرعي فإما أن نكون ممن يعتقد و يؤمن بذلك الدين أو لا، و إذا كنا نؤمن به فإما أن يكون كلامنا نقداً لما ذكره العلماء و استفادوه من الأدلة و أن ما استنبطوه خطأ و الأدلة الشرعية لا تدل عليه و إما أن نصحِّح استنباطهم إلا أننا لا نعتقد باعتبار و حجية ما استندوا إليه و إما أن نعتقد بحجية و اعتبار ذلك الدليل في سياق ذلك الدين بالإضافة إلى صحة ما استنبطوه منه و مع ذلك نُنكر على الدين هذا المعتقد او الحكم الوارد فيه ..

فإذا كان الإشكال في أصل الدين فهذا يحتاج إلى نقاش مستقل و مناظرة تختص بإثبات كونه إلهياً قد أنزله الله تعالى على رسوله ليكون للعالمين نذيراً و ذلك عن طريق البراهين العقلية و المعجزات الربانية .. كما أنه لو كان الإشكال هو الاخير أي مع قبول اصل الدين و دلالة أدلته على مورد النقاش و أن ما استنبطه العلماء من الفقهاء و غيرهم – كلٌّ في مجاله و تخصصه – صحيحٌ و لكننا مع ذلك نُنكر على الدين – لا على استنباط العلماء – هذا المعتقد او الحكم الشرعي، لو كان الإشكال هو هذا كان ذلك خروجاً عن الدين و مآله هو الإحتمال الأول و هو الإشكال على أصل الدين فيرجع الكلام السابق و هو الحاجة إلى مناظرة مستقلة حول كون هذا الدين حقاً نازلاً من رب العالمين فإذا ثبت أن الدينَ إلهيٌ و لا يمكن الإعتراض على الله سبحانه و تعالى في أحكامه يأتي دور إثبات أن هذا الأمر مما تدل عليه الأدلة الشرعية المعتبرة في ذلك الدين أم لا و هذا ما يُدخلنا في الإحتمالات الأخرى المشار إليها أعلاه من نقد استنباط العلماء من الأدلة الشرعية و أن استنباطهم منها غير صائب أو أن استباطهم في حد ذاته صحيح و لكن المستند غير معتبر فنقول :

قد ورد في الشريعة المقدسة حلية الزواج مع شروط مسرودة في الفقه فآيات القرآن و كذا الروايات المعتبرة تدل على ذلك بكل وضوح ناهيك عن كون الزواج عقداً عقلائياً مقبولاً عند جميع العقلاء و في جميع الأديان و هذا مما لا ريب فيه، و لكن الكلام في أنه هل يجوز و يصح هذا العقد بين صغيرين أو بين صغير و كبيرة أو العكس؟ فنقول أن الأدلة الشرعية المعتبرة تدل على صحة عقد النكاح لهؤلاء و لا يختص ذلك بالشيعة فقد ورد في مصادر أهل السنة و جوامعهم الروائية أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم عقد على عائشة و هي في السادسة من عمرها و دخل بها بعد التاسعة، و لكن الشيعة تعتقد حرمة إتيان الصغيرة إلى أن تبلغ سن التكليف، و بعبارة أخرى : الأدلة الشرعية تدل على صحة عقد النكاح بين الصغيرة و الكبير و كذا العكس و إذا صح العقد تحققت الزوجية و إذا تحققت الزوجة جاز و حلت جميع الإستمتاعات إلا ما أخرجه الدليل الشرعي حيث أن الله تعالى يقول في موضعين من القرآن الكريم : “و الذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون”/سورة المؤمنون : ٥ – ٧ و المعارج : ٢٩ – ٣١ . فالآيات تصرح بجواز الإستمتاع بين الزوجين و أن الحفاظ على الفروج واجب على غير الزوجين و أما الزوجان فيحل لهما ذلك ثم يعود مرة أخرى و يقول أن ابتغاء وراء ذلك تجاوزٌ عن حدود الله تعالى و عما أحله جل و علا؛ و إذا ثبت بالأدلة الشرعية جواز و صحة نكاح الصغير و الصغيرة فيما إذا كان ذلك بإذن الولي مع رعاية مصلحتهما فقد تحقق موضوع حلية الإستمتاعات ما لم يدل دليل شرعي آخر على حرمة شيء منها، و قد دلت الأدلة الشرعية عندنا على حرمة إتيان الزوجة التي لم تبلغ سن التكليف أي قبل إكمال تسع سنين هلالية و الدخول في سن العاشرة ففي صحيحة الحلبي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : “إذا تزوج الرجل الجارية و هي صغيرة فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين” فيكون هذا المورد – أي الدخول – مستثنىً من الإستمتاعات التي قد أحلها الشرع فيحرم الدخول قبل إكمال التاسعة و يبقى الباقي تحت عموم أو إطلاق الأدلة المُحَلِّلة لها ما لم يكن فيها ضرر أو خطر عليها ..

و الجدير بالذكر أن ذلك لا يختص بطائفة دون أخرى كما يدعي البعض و يتهجم على أتباع أهل البيت عليهم السلام بذلك، فجواز و صحة نكاح الصغيرة متفق عليه و اتباعُ أهل البيت عليهم السلام يفتون بحرمة الدخول قبل إكمال تسع سنين بالإجماع و أما غيرهم فقد وقع بينهم الخلاف في بعض الصور و لا داعي للغور في هذا المبحث في هذا المكتوب فإنه يتعلق بموضوع آخر و يتطلب مجالاً أوسع ..

موفقين لكل خير

أيوب الجعفري

ليلة السبت ٢٥ ربيع الأول ١٤٣٩ ه ق
الموافق ١٣ / ١ / ٢٠١٨ م