أنطواء العالم الأكبر في الإنسان :

سؤال :

السلام عليكم

ما التفسير الكامل لمقولة الامام علي عليه السلام” وتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر”

————————————————————————

الجواب :

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يمكنني ذكر التفسير الكامل لضيق الوقت و كثرة الأسئلة الواردة و إجمال القول هو أن هذا البيت جزء من عدة أبيات منسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام و هي :

دواؤك فيك وما تشعر
و داؤك منك وما تبصر
وتحسب انك جرم صغير
وفيك انطوى العالم الأكبر
وأنت الكتاب المبين الذي
بأحرفه يظهر المضمر

والمقصود من البيت المذكور – و الله العالم – هو أن الإنسان و إن كان جِرمه و جسمه صغيراً إلا أنه بجرمه الصغير قد أودع فيه العالمُ الأكبر فهو و إن كان صغير الجسم و لكنه مع ذلك عالَمٌ كبير أو أنه أودع فيه كل ما أودع في العالم الأكبر حيث أن كل ما هو موجود في العالم الخارجي موجود في الإنسان فإن عالم الإمكان يشتمل على ثلاث نشئات أو عوالم و هي عالم المجردات و عالم المادة و الطبيعة و بينهما عالم المثال الذي هو برزخٌ بين عالم المجردات و عالم المادة و الطبيعة لأنه مجرد عن المادة دون المقدار، و جميع هذه العوالم مودَعَةٌ في هذا الإنسان الصغير جِرْماً و جسماً ففيه المجرد و ما هو من عالم المثال و البرزخ بين المجرد التام و المادة، و فيه الجسم الطبيعي العنصري .. كما أن روحه الحاكمة على وجوده هي المدبر له؛ و لها قوى كثيرة تأتمر بأوامرها و تنتهي بزواجرها كالعاقلة و المتخيلة و الواهمة و الحواس، ناهيك عن الأعضاء و الجوارح و هذه القوى و الأعضاء بعضها مجردة و بعضها مادية و بعضها برزخ بينهما و ..

هذا، مضافاً إلى أن أشرف الأمور هو المعرفة و يختص أعلى مراتب المعرفة بالإنسان فلا أعرف بالله من الإنسان الكامل – و كلما كان أكمل كانت معرفته أعلى و أكمل و حيث أنه لا أكمل من النبي الخاتم و أهل البيت عليهم السلام فلا معرفة أكمل من معرفتهم بالله جل و علا و لهذا ورد أنه صلى الله عليه و آله و سلم قال مخاطباً أمير المؤمنين عليه السلام : “يا علي ما عرف الله إلا أنا و أنت” و بما أنه لا أكمل من الإنسان الكامل في عالم الإمكان فلا يوجد من يعرف هذا الإنسان الكامل حق معرفته بعد الله تعالى إلا الإنسان الكامل و لهذا أكْمَلَ النبيُّ صلى الله عليه و آله و سلم كلامه و حديثه الشريف بقوله صلوات الله عليه و آله : “و ما عرفني إلا الله و أنت، و ما عرفك إلا الله و أنا” و بما أن أهل البيت عليهم السلام نور واحد كما يستفاد من قولهم عليهم السلام : “أولنا محمد، أوسطنا محمد، آخرنا محمد، كلنا محمد” فحديث حصر معرفة الله تعالى بالنبي و أمير المؤمنين عليهما و آلهما السلام شامل لسائر اهل البيت عليهم السلام و الحصر إضافيٌ و ليس حقيقياً، و يمكن القول أنه حقيقي لأن كمال المعرفة بالله و بالإنسان الكامل مختص – بعد الله تعالى – بالإنسان الكامل إلا أن لهذا الإنسان الكامل مصاديق متعددة بعدد المعصومين بالعصمة الكبرى أي الني و أهل البيت عليهمالسلام ..

و الخلاصة أنه لا أعرف بالله من الإنسان الكامل – و هو من بلغ درجة من القرب من رب العالمين لا يتحملها جبرائيل الأمين الذي قال ليلة المعراج : “لو دنوت أنملة لاحترقت” و … و قد وصل إلى مقام : “قاب قوسين أو أدنى” .. و بهذه الإعتبارات و غيرها يكون الإنسان الكامل هو الكتاب التكويني الجامع و المبين الذي يظهر فيه أعظم الآيات فهو بقلبه الطاهر  مظهر قدرة الله تعالى و علمه جل و علا و إرادته و أسمائه الحسنى و صفاته العليا و .. و هو من يتمكن من أن يكون حامل الكتاب التشريعي الأكمل و الأتم فكما أنه هو الكتاب التكويني الجامع و المبين حيث أنه قد أودعت فيه الآيات الأنفسية و هو مظهر القدرة الإلهية و العلم الإلهي و سائر الصفات و الأسماء الحسنى كذلك هو الحامل للكتاب التشريعي الأكمل فهو – أي الإنسان الكامل – من يتمكن من تلقّي أعلى مراتب الوحي دون غيره و  .. إذن هو الصغير جِرْماً و جسماً و لكنه العالم الأكبر أو أنه أعظم من العالم الأكبر و قد انطوى فيه العالم الأكبر فهو خلاصة الأكوان مضافاً إلى حقيقةٍ و ملكوتٍ أعلى من تلك الأكوان الخارجية، و قابليةٍ أعظم من جميع قابليات سائر موجودات عالم الإمكان ..

وفقنا الله و إياكم لعليا مراتب الكمال بعليا مراتب المعرفة و العبودية لله جل و علا  ..

أيوب الجعفري

ليلة الثلاثاء ٢٤ صفر المظفر ١٤٣٩ ه ق
الموافق ١٤ / ١١ / ٢٠١٧ م