بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة الشيخ أيوب الجعفري .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

قريباً سنتوجه إلى العراق قاصدين زيارة الأربعين بمعية حوزة النور الأكاديمية، و سيشمل البرنامج المشي من النجف إلى كربلاء (ثلاثة أيام)، فنرجو من سماحتكم التفضل علينا بمفاتيح معنوية نشق بها الدرب و نحظى بالنفحات و الألطاف الإلهية، كما نحتاج إلى توصيات بهذا الخصوص، و سوف ننشرها في نشرة التهيئة و توزع على الزوار و الزائرات بإذن الله تعالى في اليوم الأول للسفر .

بالإضافة إلى ذلك نريد أن نتزود بما يجعلنا نحتفظ ونحافظ على ما سنلتقطه من ألطاف ونفحات من تلك البقعة المقدسة بعد الرجوع دون خسرانها، شاكرين لسماحتكم على ما ستتفضلون به، داعين الله سبحانه و تعالى أن يجعل أجركم من هذا على الإمام الحسين (ع) و نيل شفاعته.
و صلى الله على محمد و اله الطيبين الطاهرين و عجل فرجهم و العن أعداءهم يا كريم
________

بسم الله الرحمن الرحيم

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

الهدف من خلق الانسان هو القرب العبودي (و المعرفي إلى الله تعالى) كما قال جل و علا : “و ما خلقت الجن و الانس إلا ليعبدون” و لا يحصل ذلك إلا بتكميل العقل النظري و العملي (أي العلم و المعرفة، و العمل المرضي لرب العالمين – المعرفة بما يجب أن يُعلم و ما يلزم أن يُعمل به .. -) و هذا الامر يتعلق بالبعد الروحاني للانساني ـ لا الجسماني الذي لا يختلف فيه الانسان من غيره بل قد يكون غيره أقوى منه فيه .. ـ، و يمكن تكميل العقلين النظري و العملي بأمور منها :

١ – تحصيل العلم بالدراسة في الحوزات العلمية صانها الله تعالى من شر الأشرار، و التوسع العلمي في مختلف العلوم التي توسِّع أُفق رؤية الانسان الى الكون فيتعرف بذلك على الفقر الذاتي و المطلق السائد على الكون إلى الغني بالذات و المطلق ..

٢ – التفكر في خلق الله تعالى و ما فيه من دقائق علمية و استحكام و نظام “.. و سخر لكم ما في السموات و ما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون” “و يتفكرون في خلق السموات و الأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار” و ..

٣ – تكميل العقل العملي بالعبادة و العبودية لله تعالى و تطبيق الأخلاق الفاضلة و التجنب عن الرذائل الأخلاقية و إزالتها عن القلب و العمل على التخلق بأخلاق الله تعالى و تنوير القلب بتقواه عز و جل، التقوى التي لها مناشئ و نتائج، و العبادات عامة من مناشئها : (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم و الذين من قبلكم لعلكم تتقون )، كما أن حصول الصفات الفاضلة القلبية المؤثرة في عمل الانسان، و كذلك العلم و الرزق المادي و المعنوي، من نتائجها : “و اتقوا الله و يعلمكم الله” “و من يتق الله يجعل له مخرجاً و يرزقه من حيث لا يحتسب … و من يتق الله يجعل له من أمره يسراً … و من يتق الله يكفِّر عنه سيئاته و يعظم له أجراً” ..

كما يكتمل العقلان بالتوسل بأولياء الله تعالى فهم وسائط فيضه جل و علا، و ليس كل إنسان قابلاً لأنْ تنزل عليه جميع الفيوضات الربانية و لا سيما المعنوية منها فـ (الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة) كما أن فيهم مذنبين و متخلقين بالرذائل و .. فيلزمهم أن يتوسلوا بالكُمّل من خلق الله تعالى و هم الأنبياء و الأولياء و في مقدمتهم النبي الخاتم و آل بيته صلوات الله عليهم أجمعين حيث أنهم ممن رضي الله عنهم و رضوا عنه و ذلك لمعرفتهم العليا برب العالمين و أسمائه الحسنى و صفاته العليا و معرفتهم بخلقه و فاقتهم إليه و بعملهم بشرائع الله تعالى بلا تخلف و لا غفلة مما يجعلهم وسائط فيضه فإنهم بذلك يكونون ممن وفى بعهد الله تعالى : “ألم أعهد اليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين” فيستحقون وفاء الله تعالى بعهده لهم : “أوفوا بعهدي أوف بعهدكم” فيستجيب الله تعالى دعواتهم لأنه قد وعد باستجابة الدعاء : “أدعوني أستجب لكم”، و من جملة أدعيتهم دعاؤهم لشيعتهم بل لعامة المسلمين و لا سيما إذا طلبنا ذلك منهم بالتوسل بهم و خصوصاً إذا تحملنا أعباء السفر الشاق لأجل الوصول الى حرمهم الشريف الذي هو في الحقيقة من مصاديق الوادي المقدس حيث أن فيوضات الله تعالى نازلة هناك و قد ورد أن النبي و الائمة صلوات الله عليهم أجمعين يدعون لزوار الحسين عليه السلام كما أن الملائكة المقربين محدقون بحرمه الشريف يصلون و يعبدون الله عنده و تعدل صلاة واحدة من صلاة أحدهم ألف صلاة من صلاة الآدميين و يكون ثوابها لزواره عليه السلام ..

فالتوسل بهم عليهم السلام تمسكٌ بحبل الله المتين و سيرٌ في صراطه المستقيم و مؤدٍ إلى الكمال و القرب العبودي و المعرفي إلى المولى العزيز ..

و من المعلوم أن الانسان محتاج في طريقه نحو الكمال الى السير و السلوك و تهذيب النفس بمراقبتها و محاسبتها و معاتبتها بل و معاقبتها أحياناً، كما أن من المعلوم أن طريق التهذيب طريق شاقّ لا يستقيم فيه كل أحد فهنا يأتي دور التوسل و الاستشفاع بالإمام الحسين عليه السلام حيث ذكر بعض العرفاء أن التوسل به عليه آلاف التحية و الثناء خير مُعين ٍ لتهذيب النفس و للسير و السلوك الى الله تعالى، و خير بقعة يتمكن المؤمن من التوسل به فيها هي كربلاء و الحائر المقدس .. فعليكن بالتوسل به عليه السلام هناك و في الطريق، لجميع الحوائج و لا سيما المعنوية منها و للاستقامة عليها .. و بذلك يمكن تحصيل الكمال و البقاء عليه … كما أن من الضروري في هذا السبيل الاستمرار في مراقبة النفس و الاستمرار في التوسل به عليه السلام و الاكثار من ذكر الله و ذكر الموت المترتب عليه الكثير من البركات ( كصيرورة الذاكر محبوباً لله تعالى و تحقق الزهد الحقيقي و الحصول على درجة الشهداء و .. ) .

فهنيئاً لكنّ هذه الزيارة الروحانية و رزقكنّ الله العرفان بحق أهل البيت عليهم السلام في زيارتكن هذه و القبول و السلامة، و لا تنسوني من صالح الأدعية الخالصة ..

أيوب الجعفري

٢ صفر المظفر  ١٤٣٠ ه ق
الموافق  ٢٩ / ١ / ٢٠٠٩ م