التبرك و الشرك

سؤال أُرسِل لأحد المؤمنين فأرسله ذلك المؤمن لي :

ولد عمي اسال صديقك هل هذي اسلام او شرك بالله، وإذا كانت هذه من الطقوس الإسلامية فما هو الشرك بالله اذن؟

( أقول : يشير المستفسر إلى مقطع مرئيٍّ يظهر فيه بعض النساء يتبركن بعمود مشدود بقطع من قماش أخضر و هناك متحدث من غيرهن في صوت تم تركيبه على المقطع المرئي يقول : يا عمود ارزقني يا عمود أعطني بيتا و .. ) .

الجواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

المذهب الشيعي لا يتبنّى هذه الطقوس، فأولاً تم تركيب صوت الطلب من العمود من شخص آخر و يقول : “يا عمود ارزقني و ..” فهذا التركيب للصوت قد يكون لتشويه سمعة المذهب الشيعي و الشيعة لا تعتقد بهذه الأمور و لا تطلب من أحد غير الله جل و علا شيئا إلا إذا كان من أولياء الله تعالى فمن الممكن أن يطلبوا منه الدعاء أو أن يطلبوا منه أن يفعل ما مكّنه الله منه فعلى أساس التوحيد الأفعالي لا يتمكن أحد من فعل شيء – و لو كان أبسط الأشياء كشرب الماء و المشي على الرجلين السليمتين – إلا بإذن الله تعالى و المقصود من الإذن هنا هو الإذن التكويني بمعنى إعطاء القدرة فلولا أن الله تعالى يُمكِّنُنا من شرب الماء و من المشي و غيرهما لما تمكّنا من فعل ذلك و لا الأبسط و الأسهل منه، و كذلك فيما يتعلق بالخوارق، فإذا اعتقد أحد أنه يتمكن من شرب الماء أو المشي على الرجلين بقدرته الذاتية فهو مشرك و في المقابل إذا اعتقد أحد أن النبي يتمكن من شق القمر و لكن بإذن الله تعالى فهو عين التوحيد و إذا قام النبي صلى الله عليه و آله و سلم بشقّ القمر فإنما يكون قد شقه بقدرة الله تعالى بمعنى أن الله أعطاه القدرة على ذلك و هذا عين التوحيد لأن الذي يشق القمر في الواقع هو الله تعالى و لكن على يد النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و لهذا يلزم التفكيك بين أن يعتقد أحد بأنه من الممكن أن يفعل إنسان شيئا ما بقدرته الذاتية المستقلة عن الله تعالى من دون أن يكون الله تعالى هو الذي أعطاه القدرة على ذلك فهذا شرك و إن كان في أبسط الأشياء، و بين أن يعتقد أن إنسانا ما يفعل شيئاً بإذن الله تعالى أي بقدرة ممنوحة له من الله تعالى فهو عين التوحيد و إن كان أعظم الخوارق و المعجزات لأنه في واقع الأمر فعلُ اللهِ لا غيرِه و إن كان على يد أحد من الخلق، كما أن الله تعالى ينسب توفّي الأنفس الى الملائكة أحياناً و الى ملك الموت أخرى و إلى نفسه ثالثةً فيقول عز من قائل في بعض الآيات (تتوفاهم الملائكة) و في أخرى ( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وُكِّل بكم) و في ثالثة ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ..) فمع أنه ينسب التوفّي و قبض الأرواح إلى الملائكة و إلى ملك الموت، ينسبه إلى نفسه بعبارة تفيد الحصر بمعنى أنه هو الذي يتوفى و ليس غيره، و ما ذلك إلا لأجل أن الفاعل الحقيقي هو الله تعالى و الملائكة أدوات ذلك الفعل – و إن كانت أدوات شاعرة مدركة لا كالجمادات و غيرها من الموجودات غير العاقلة – و ليس الفعلُ فعلهم مستقلين عن الله تعالى بل الله تعالى هو من أعطاهم القدرة على قبض الأرواح فالقابض الحقيقي هو الله بواسطة الملائكة فالملائكة جنود الله تعالى يعملون ما يعملون بقدة الله لا بقدرتهم الذاتية حيث ليس لهم قدرة ذاتية، و هذا الأمر صادق في جميع أفعال و أعمال الخلق و العباد لا يشذ عنه شيء أبدا سواء كان من المعجزات و الخوارق أم لم تكن ..

و عموما من الممكن أن يفعل إنسانٌ كامل و وليٌّ من أولياء الله تعالى شيئا نعجز نحن عن الإتيان بمثله و لكن في الواقع من يفعل ذلك هو الله تعالى على يد وليّه، و أما العمود فلا يمكنه فعل ذلك لعدم قابليته لحمل هذه القدرة الإلهية بحد ذاته و إن أمكن أن يجعل الله تعالى الشفاء مثلا في جماد كما جعله في قميص يوسف عليه السلام فأرجع الله تعالى بصر يعقوب عليه السلام بذلك القميص كما هو صريح القرآن الكريم، و أما هذا العمود فلم تثبت له هذه الكرامة و الخارق للعادة ..

و طبعا من الممكن أن هؤلاء النساء يتبركن بهذا العمود لاعتقادهن بأمر لا علم لنا به كأن يكون أحد الأولياء قد جلس عنده و لمسه فيرين في هذا العمود بركة لأجل ذلك الولي الإلهي، و التبرك ليس بشرك و لا حرام فإن الصحابة كانوا يتبركون بشعر النبي و رمانة منبره و فاضل ماء وضوئه صلوات الله عليه و آله، فهؤلاء النساء من الممكن أن يكون تبركهن لأجل انتساب العمود لأحد الأولياء الذين يُتبرَّك بكل ما يُنسب إليهم كما يمكن أن يكنّ مخطئات في تشخيص ما يُتُبَرَّكُ به فتصورنَ أن في العمود بركة مع عدم كونه كذلك إلا أن أصل التبرك أمر وارد في الشريعة المقدسة الاسلامية و نقلها السنة و الشيعة عن الصحابة و رووا تبركهم – أي الصحابة – بما أشرنا إليه .. و للكلام في هذا الموضوع مجال واسع لا يمكن الغور فيه في هذه العجالة و هذا المختصر ..

موفقين لكل خير

أيوب الجعفري

يوم الأحد ٢٧ ذق الحرام ١٤٤٦ ق
الموافق ٢٥ / ٥ / ٢٠٢٥ م