التسمية بالعبودية لغير الله تعالى

سؤال من أحد الإخوة من أهل السنة أرسله لي بعض المؤمنين طالبا الإجابة عليه و حل الشبهة :

للاسف هذا المتمشيخ جاهل ( يشير الكاتب الى ملف مرئي يصحح المتحدث فيه التسميةَ بالعبودية كعبد الرسول و عبد الحسين و أن ذلك بمعنى الخادم لا العابد ) … لا أحد من الصحابة ولا علي ولا اولاده سموا ابناءهم عبدالنبي وعبدالحسين وعبدعلي لان العبودية لا تكون الا لله وحده. أما الخادم فيستخدم خادم او مولى. سيدنا علي رضي الله عنده كان عنده الكثير من الأولاد والاحفاد وليس هناك واحدا منهم سموه بهذه الأسماء البدعية… فمن له دليل على أن أحد اهل البيت أو الأئمة له من هذه الاسماء فاليأتي بالدليل
———————————-

الجواب :

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله وبركاته

يُطلق و يُستعمل العبد في اللغة بمعنى العابد و الخادم و المطيع و المملوك و لهذا إذا سُمي أحد ب “عبد الرسول” أو “عبد النبي” أو “عبد الحسين” و قصد أنه عابد لهم كان مشركا ( بمعنى أن التسمية شركية لا أنه عابد لغير الله تعالى فمن الممكن أن يكون الإسم شركيا و لكن المسمى بذلك الإسم لا يعبد إلا الله تعالى وحده)، و أما إذا قصد أنه خادم أو مطيع أو مملوك له ( بالملكية الاعتبارية لا الحقيقية ) فلا يعد شركا، و ليس هذا مجرد ادعاء بل ورد تفسير العبد بالمطيع في معاجم اللغة ففي لسان العرب و كذا القاموس المحيط أن العبودية تأتي بمعنى الطاعة، فالعبد بمعنى المطيع فإذا قالوا فلان عبد الرسول أي مطيع له لا أنه عابد له و قد أمرنا القرآن الكريم أن نطيع الله و رسوله و أولي الأمر فإذا سُمي أحد بعبد الرسول و قصد أنه مطيعه لم يكن شركا و لا يمكن نسبة الشرك إلى من يُسمى بهذا الاسم مع كون العبد من الألفاظ التي تتحمل أكثر من معنى و يكون بأحد المعاني شركا ( أي تسمية شركية كما أشرنا ) دون سائر المعاني و هو يقول أنني أقصد المعنى الصحيح الذي لا ينافي التوحيد ثم نأتي و نتهمه بالشرك ..

مضافا إلى ذلك نجد أن القرآن الكريم أجاز إضافة العبد بمعنى المملوك إلى غيره تعالى بل استُعمل ذلك في القرآن الكريم حيث قال جل و علا : “و أنكحوا الأيامى منكم و الصالحين من عبادكم و إمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله و الله واسع عليم” فنسب و أضاف العباد و الإماء إلى المؤمنين ( و الإماء بمعنى العباد و لكنه يستعمل للإناث ) فلو كان شركا لغيّر الله تعالى العبارة و لقال مثلا : و الصالحين من خدمكم .. لا من عبادكم ..

هذا، و قد ورد في أحاديثنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه لما أراد بعضهم أن يقارنه برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال : “ويحك أو قال ويلك أنا عبد من عبيد محمد” كما قال – أي أمير المؤمنين عليه السلام – : “من علّمني حرفا فقد صيّرني عبدا” أو : “من علّمني حرفا كنت له عبدا” و … فهل يقصد أنه يصبح عابدا له ؟! أم أن المقصود أنه يصبح مطيعا و خادما له ..

أيوب الجعفري

ليلة الأربعاء ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٧ ق
الموافق ١٧ / ٩ / ٢٠٢٥ م

———————————-

رد صاحب الشبهة على الجواب السابق :

السلام عليكم ورحمة الله

نعم يكون الإنسان خادما او عبدا لشخص حي وليس لشخص ميت … ما هي مهمته اذا كان في وقتنا الحاضر خادما للنبي او لاحد الأئمة؟ ماذا يفعل له ليخدمه؟ يغسل ملابسه ام يطبخ له او ينظف فناء منزله؟
ارجو ان تسأل الاخ الذي أعطى الإجابة هل علي ابن ابن أبي طالب رضي الله عنه سمى أحدا من ابنائه باسم عبد كذا… ؟ او هل احد من الأئمة الاثني عشر سمى اولاده بعبد الرسول او عبدلي او عبدالحسين؟ اذا كان الجواب كلا فهل نحن اعلم منهم؟
———————————-
الجواب :

و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

إذن قبلتم أن التسمية بعبد الرسول و أمثاله ليس شركا و إنما تريدون الفائدة، هذا أولا ..

و ثانيا قلنا أن العبد يأتي بمعنى المطيع أيضا و لا ينحصر معناه بالخادم، و هل طاعة النبي و الأئمة عليهم السلام خاصة بزمن الحياة؟ ألا يجب علينا أن نطيع الرسول صلى الله عليه و آله و سلم بعد رحيله من الدنيا أيضا فنأخذ بأحاديثه و نعمل بها و لا نعصيه و لا نتخلف عن أوامره و نواهيه؟

و ثالثا من جملة معاني العبد – كما قلنا – هو الخادم فاستشكلتم بأنهم قد رحلوا من الدنيا فكيف يستفيدونزمن خدمتنا، و الجواب أن الخدمة لا تنحصر بالخدمة المادية و المتعلقة بالأمور الجسمانية و غسل الملابس و الأواني و طبخ الطعام و كنس البيت – كما ورد في السؤال أو الإشكال – بل الخدمة المعنوية أهم و أعظم كجلب محبة الناس إليه و دعوتهم إلى دينه و الإيمان به و نشر علومه و معارفه و أحكام دينه و ..

و أما أن أمير المؤمنين عليه السلام و الأئمة عليهم السلام هل سموا أحدا بهذه الأسماء فهذا لا يعد برهانا على شيء فأمير المؤمنين و الأئمة عليهم السلام لم يسموا أولادهم ب “عبد العزيز” أو “عبد الباري” أو “عبد ربه” أيضا فهل يمكن الاستناد إلى ذلك لاثبات أن هذه الأسماء غير صحيحة أو شركية أو مخالفة للشريعة المقدسة؟ فعدم التسمية يدل على عدم وجوب التسمية بهذه الأسماء لا على عدم جوازها، فمثلا إذا لم يصم النبي صلى الله عليه و آله و سلم في غير شهر رمضان دل ذلك على أن صوم غير شهر رمضان غير واجب لا أنه حرام و غير جائز، مضافا إلى أن أجداد النبي صلى الله عليه و آله و سلم كانوا موسومين و مسمَّين بأمثال هذه الأسماء كعبد المطلب و عبد مناف و .. و لو كانت هذه الأسماء شركية لَغَيَّرَها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لَأَمَر المسلمين بأن لا يذكروا أجداده بهذه الأسماء الشركية و لَأمرهم مثلا بأن يذكروهم بكناهم لا أسمائهم كي لا تُتداول الأسماء الشركية بين المؤمنين ..

أضف إلى ذلك أن ما يحتاج إلى إقامة دليل و حجة شرعية هو الحرمة لا الجواز، فكل شيء جائز إلا ما دل الدليل على حرمته و قامت الحجة على عدم جوازه، و بما أن لهذه الأسماء معاني صحيحة فلا دليل على حرمتها فتبقى على القاعدة العامة التي هي الجواز، نعم لو سمى أحد ابنه ب”عبد الرسول” و قصد أنه عابد للنبي صلى الله عليه و آله و سلم من دون الله أو مع الله فهو يدل على الإلحاد في الصورة الأولى و على الشرك في الصورة الثانية ( و ذلك في التسمية فقط لا في الواقع الخارجي كما تكررت الإشارة إليه ) إلا أنه لم يخطر ببال أحد من المسلمين أن يسمي أولاده بعبد الرسول أو عبد الحسين بمعنى أن يكونوا عبادا و عابدين للنبي و للحسين صلوات الله عليهما و آلهما .. فلا معنى للتشنيع بهذه الأسماء و بمن يُسَمِّي أو يُسَمَّى بها ..

موفقين لكل خير ..

أيوب الجعفري

ليلة الخميس ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٧ ق
الموافق ١٨ / ٩ / ٢٠٢٥ م