لماذا نبكي على الحسين عليه السلام و هو شهيد قد نال السعادة و عليا الدرجات عند الله تعالى ؟
أحد المؤمنين :
السلام عليكم شيخنا
احد الإخوان سألني لماذا نحن نحزن على مصاب ابي عبدالله الحسين و نحن نعلم أن الشهداء عند الله أحياء يرزقون وا ستشهد بالآية الكريمة *(وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)*
قال يجب عليكم الفرح لأنه شهيد بلا شك
أفيدونا رحم الله والديكم ..و السلام عليكم
________________________________________________
الجواب :
و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته
لا نحزن لكونه شهيدا فإن الشهيد له عليا الدرجات عند الله تعالى بل نحزن للمصائب التي وردت عليه و كلما كان الإنسان أعظم كانت المصيبة و إن صغُر حجمها ، أعظم إلا أن المصيبة الواردة على أبي عبد الله الحسين عليه السلام عظيمة حجماً و قد حلّت على من هو من أعظم أولياء الله جل و علا و لهذا كان الأئمة المعصومون عليهم السلام أيضاً يبكون أشد البكاء على الحسين عليه السلام حتى قال الإمام الرضا عليه السلام : ” إن يوم الحسين أقرح جفوننا و أسبل دموعنا .. فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون فإن البكاء يحط الذنوب العظام ” و هناك روايات كثيرة تدل على بكاء أهل البيت صلوات الله عليهم بل و الانبياء السابقين عليهم السلام على الحسين و أهل بيته و الشهداء بين يديه و سبايا كربلاء صلوات الله عليهم أجمعين ، و في نفس الرواية المشار إليها يقول الإمام الرضا عليه السلام : ” كان أبي صلوات الله عليه إذا دخل شهر المحرم لا يُرى ضاحكاً و كانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي عشرة أيام فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته و حزنه و بكائه و يقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلوات الله عليه ” و من المعلوم أن قول المعصوم عليه السلام و فعله حجة ، مضافاً إلى أنه لا يمكن صدور عمل ليس فيه نفع و لا مصلحة و لا حكمة من المعصوم عليه السلام ، و أهل البيت عليهم السلام كانوا يعلمون بأن الحسين عليه السلام قد استُشهد و نال القربى لدى الله و الدرجات العُلى في الجنان و مع ذلك كانوا يبكون له صلوات الله عليه بل و يأمروننا بالبكاء على مصابه و …
هذا من جانب ، و من جانب آخر لا يخفى على أحد ما في البكاء على الحسين عليه السلام من آثار و بركات كما أشار إلى بعضها الإمام الرضا عليه السلام في الرواية أعلاه بقوله صلوات الله عليه : ” فإن البكاء يحط الذنوب العظام ” ..
مضافاً إلى أن البكاء يثير البُعد العاطفي في الإنسان فيوجب ترسُّخ العقيدة في القلب ، و غير خفيٍ عليكم أن تأثير العاطفة في ترسُّخ المعتقدات ليس بأقل من تأثير البراهين العقلية بل أكثر منها أحياناً إن لم نقل غالباً و لأغلب الناس ..
و أضف إليه أن البكاء على مصائب الحسين عليه السلام غالباً يكون في المجالس المنعقدة لإحياء الشعائر الحسينية التي هي من أجلى و أعلى مصاديق الشعائر الإلهية ، و تلك المجالس كفيلة بنشر الوعي و الفكر و المعارف الإلهية بشتى الطرق و الأساليب – الحِكْمية و الوعظية و غيرها – و ..
و إذا كان للبكاء و إقامة مجالس الوعظ و نشر المعارف الإلهية هذا التأثير العظيم فالمنتفع بذلك البكاء هو نفس الباكي و المستفيد من تلك المجالس هو المقيم لها و المشارك فيها ، فهم المستفيدون منها بارتقاء معرفتهم الدينية و ترسُّخ عقيدتهم الحقة في قلوبهم و باندفاع المؤمنين نحو صالحات الأعمال و ترك طالحاتها و التخلق بالفضائل و التنزه عن الرذائل و .. فكما أن المودة في القربى – التي جُعلت أجر الرسالة المحمدية صلى الله عليه و آله و سلم – نفعُها عائد إلى الإنسان نفسه “ما سالتكم من أجر فهو لكم” و من جملة آثارها أن المودة و حب أهل البيت عليهم السلام – باعتبار أن الحب يجذب المحب إلى المحبوب – يوجب السير في الصراط المستقيم علما و عملا و أخذ الدين و معارفه منهم عليهم و التعرّف على طرق التقرّب إلى الله تعالى كما يشير إليه قوله تعالى : ” قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً ” فالأجر هو المودة ، و منافع المودة عائدة إلى المحب نفسه و من جملتها المعرفة بالله و سبل التقرب إليه تعالى و هي من أعظم المنافع التي يمكن تصورها لأنها – أي المعرفة بالله و التقرب إليه جل و علا – أساسُ السعادة و الكمال و الهدفُ الأسنى و الغاية القصوى من التكوين و التشريع ( الخلق و بعث الأنبياء بالشرائع .. ) و هي كلها عائدة إلى المحبين أنفسهم ، كذلك إقامة مجالس الوعظ و البكاء لأهل البيت عليهم السلام و هي – أي إقامة تلك المجالس – من بركات مودتهم صلوات الله عليهم أجمعين كما أنها من لوازمها ، فإن منافعها عائدة إلى المؤمنين لا إلى أهل البيت عليهم السلام ( اللهم إلا من حيث تحقيق الاهداف الإلهية التي يدعون اليها ) فهم مستغنون عن حبنا لهم و عن إقامة المجالس و البكاء لهم و .. والمنتفع هو نفس المحب و الباكي و الذي يقيم تلك المجالس أو يشارك فيها و .. و إذا أردنا أن نمثل لذلك فالمعرفة بالله تعالى و عبادته جل و علا خير مثال للمطلوب فمع أننا نعلم أن الله تعالى عين الكمال و الغنى فلا إيمان المؤمنين و عمل العاملين بالصالحات يوجب عود نفعٍ إليه جل و علا و لا كفر الكافرين و عمل العاملين بالسيئات موجب لِلُحوق ضرر به جل و علا ( و من كفر فإن الله غني عن العالمين ) ( إن تكفروا فإن الله غني عنكم ) و إذا أمَرَنا بالعبادة و المعرفة فنفع ذلك عائد إلينا ، فمع أنه تعالى غني بالذات و عين الكمال و لا يحتاج إلى عبادتنا و معرفتنا و لا ينتفع بها كما لا يتضرر بكفر عباده و تمردهم عن طاعته ، و مع ذلك نعبده و نسعى في معرفته بصفاته و أسمائه و .. و هو أيضاً يأمرنا بعبادته و السعي في معرفته و تحصيل اليقين عن طريق العبادة و .. و لا يمكن لأحد أن ينهانا عن عبادته و تحصيل معرفته بذريعة غناه المطلق و كونه تعالى عين الكمال و ذلك لأجل أننا نحن المستفيدون حيث أننا نتكامل بعبادته و معرفته و الكمال مطلوب فطري لنا ، كذلك نحن مأمورون بمعرفة أهل البيت و محبتهم و مودتهم و السير على خطاهم و البكاء على مصائبهم صلوات الله عليهم أجمعين مع انهم لا ينتفعون ببكائنا و حبنا لهم و لا يتضررون ببغض أحد و عدائه لهم ، لأننا نحن من يتكامل بذلك و ينال الدرجات العلى عند الله جل و علا ، فلا معنى للتساؤل عن سبب البكاء و إقامة المجالس لأبي عبد الله الحسين عليه فكيف بالنهي عنها ..
موفقين لكل خير محروسين من كل سوء و شر و لا تنسوني من صالح أدعيتكم الخالصة ..
أيوب الجعفري
ليلة الثلاثاء ٢٤ محرم الحرام ١٤٤١ ق
الموافق ٢٤ / ٩ / ٢٠١٩ م
https://telegram.me/ayoobaljafary