- تفسير إسناد الإشباع و الكسوة و .. إلى الله تعالى
السلام عليكم شيخنا العزيز …
طبتم وطابت لياليكم وأيامكم …
شيخنا يتبادر في ذهني سؤال حول مضمون بعض الأدعية المأثورة كدعاء أبي حمزة الثمالي حيث يُذكر في الدعاء: سَيِّدي اَنَا الصَّغيرُ الَّذي رَبَّيْتَهُ ، وَ اَنَا الْجاهِلُ الَّذي عَلَّمْتَهُ ، وَ اَنَا الضّالُّ الَّذي هَدَيْتَهُ ، وَ اَنَا الْوَضيعُ الَّذي رَفَعْتَهُ ، وَ اَنَا الْخائِفُ الَّذي آمَنْتَهُ ، وَ الْجايِعُ الَّذي اَشْبَعْتَهُ ، وَ الْعَطْشانُ الَّذي اَرْوَيْتَهُ ، وَ الْعاري الَّذي كَسَوْتَهُ ، وَ الْفَقيرُ الَّذي اَغْنَيْتَهُ ، وَ الضَّعيفُ الَّذي قَوَّيْتَهُ ، وَ الذَّليلُ الَّذي اَعْزَزْتَهُ ، وَ السَّقيمُ الَّذي شَفَيْتَهُ ، وَ السّائِلُ الَّذي اَعْطَيْتَهُ ، وَ الْمُذْنِبُ الَّذي سَتَرْتَهُ ، وَ الْخاطِئُ الَّذي اَقَلْتَهُ ، وَ اَنَا الْقَليلُ الَّذي كَثَّرْتَهُ ، وَ الْمُسْتَضْعَفُ الَّذي نَصَرْتَهُ ، وَ اَنَا الطَّريدُ الَّذي آوَيْتَهُ…
فما وجه نسبة هذه الأمور لله تعالى؟ وسؤالي بالذات يقع على الإشباع والكسوة وما شاكل ذلك من الأمور المادية غير المعنوية …
________________________________________________
الجواب :
و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته
باعتبار أن خالق جميع النعم هو الله تعالى مضافاً إلى أن تأثير الأسباب في مسبباتها إنما يكون بإذن الله تعالى و المقصود من الإذن هنا هو الإذن التكويني بمعنى إعطاء السببية فالله تعالى هو مسبب الأسباب فلولا أن الله تعالى قد جعل الطعام موجباً للشبع لما شبع الإنسان بالأكل فالإنسان هو الجائع الذي أشبعه الله تعالى بالطعام الذي خلقه و جعله سببا لحصول الشبع و كذا بالنسبة للماء فهو نعمة من الله تعالى و هو الخالق له مضافاً إلى أنه جل و علا هو من جعله سببا للإرتواء فالإنسان العطشان لا يرويه أحد إلا الله تعالى عن طريق الماء و لولا أن الله قد جعل الماء سبباً للارتواء و زوال العطش لما كان شُربُه موجباً لذلك و هذا الأمر جارٍ في جميع أمور الكون فما من شيء إلا و قد خلقه الله تعالى و ما من سبب مؤثرٍ في شيء إلا و قد جعله الله سبحانه سبباً له و مؤثرا فيه كما ورد في القرآن الكريم حكاية عن إبراهيم الخليل عليه السلام حيث قال : ” و الذي هو يطعمني و يسقين * و إذا مرضت فهو يشفين ..”
هذا و الأعمال الإختيارية للإنسان أيضاً داخلة في هذه القاعدة فإن الإنسان و إن كان مختاراً في بعض الأفعال الصادرة منه لا سيما التكليفية منها إلا أن الذي أعطاه قوة الإرادة و الاختيار هو الله تعالى كما أن من أعطاه القدرة الجسمية و الفكرية على القيام بفعلٍ ما ، هو الله تعالى فأفعال الإنسان مع أنها أفعالُه و هي صادرة منه و سيُحاسب عليها يوم القيامة إلا أنه يمكن إسنادها إلى الله تعالى لانه هو من أوجد الإنسان اولاً و أعطاه الإرادة و الاختيار ثانياً و مكّنه من الفعل و الترك ثالثاً و أعطاه القدرة الجسمية و الفكرية رابعاً ، و لولا ذلك لما تكمن الإنسان أن يفعل ما يريد من أفعاله الإختيارية التكليفية و غيرها و بعبارة أخرى : إن سببية الإنسان لأفعاله في طول سببية الله تعالى لأنه جل و علا مسبب الأسباب ( فالماء مثلا سبب للارتواء و من جعل الماء سببا لذلك هو الله تعالى .. ) و هذا ما نسميه بالتوحيد الأفعالي الذي يقول : ” لا مؤثر في الوجود إلا الله تعالى ” و لهذا قال جل و علا : ” فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى ” فمع إسناد الفعل ( القتل و الرمي ) إليهم ينفيه عنهم و يُسنده إلى نفسه جل و علا ، فيسنده إليهم لأنهم السبب المباشر و قد قاموا بذلك باختيارهم و بقواهم ، و ينفيه عنهم و يسنده إلى نفسه لأنه هو الذي أعطاهم الوجود و الإرادة و الاختيار و القدرة و القوة و … فالنبي صلى الله عليه و آله و سلم هو من رمى و لكن بإذن و تمكين من الله تعالى فالنبي صلوات الله عليه و آله رامٍ ( إذ رميت ) و مع ذلك ليس بِرامٍ بل الرامي الحقيقي هو الله تعالى ( و ما رميت ) …
موفقين لكل خير محروسين من كل سوء و شر و لا تنسوني من صالح أدعيتكم الخالصة ..
أيوب الجعفري
ليلة الأحد ١٩ شوال ١٤٤٠ ق
الموافق ٢٣ / ٦ / ٢٠١٩ م
https://telegram.me/ayoobaljafary