بعض خصائص الحسين عليه السلام :
قال الإمام الصادق عليه السلام : “إن الله تعالى عوّض الحسين عليه السلام من قتله أن جعل الإمامة في ذريته، والشفاء في تربته، وإجابة الدعاء عند قبره، ولا تعد أيام زائره جائياً ولا راجعاً من عمره”
المستفسر :
ممكن سماحتكم الإجابة على الأسئلة التالية؟ جزيتم خيرا ..
س١- ما معنى العوض؟
س٢- هل يشترط العقلاء تساوي العوض مع الفعل؟
س٣-مامعنى جعل الامامة في ذريته؟
س٤-هل خاصية الشفاء من التربة أمرا تكوينيا؟
س٥- هل تعني إجابة الدعاء عند قبره الغاء سنة العمل؟
س٦-ما معنى عدم عد ايام الزائر له من عمره؟
________
الجواب :
بسم الله الرحمنالرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
١ – النظام السائد في الدنيا هو نظام الاسباب والمسببات وقد جعل الله لكل شيء سبباً وأبى أن يُجري الأمور إلا بأسبابها، ونيلُ المقامات المعنوية غير شاذ عن هذه القاعدة فالله تعالى قد جعل الصلاة مثلاً سبباً للتقرب إليه ومعراجاً يعرج بروح الإنسان إلى مقامات القرب العبودي بل والمعرفي إلى الله تعالى و .. والشهادة في سبيل الله تعالى من جملة أسباب تحقق بعض المقامات المعنوية للإنسان فهي من جملة أسباب صيرورة الإنسان شاهد الأعمال وشافع العباد بإذن الله جل وعلا .. وبما أن الإمام الحسين عليه السلام قد ضحّى بالنفس والنفيس جُعلت له مقامات وامتيازات أخرى ترجع فائدتها إلى أولاده أوشيعته ومحبيه؛ فالمقصود من العوض هو أن شهادته وتضحيته بكل غالٍ ونفيس في سبيلِ المعبودِ وتثبيتِ الدين وترسيخِ الفضائل والعقائد وإزالةِ المفاسد والرذائل، لا تمر بلا مقابل بل قد جعلها الله تعالى سبباً للأمور المذكورة في الرواية وعلى حدّ تعبير الرواية جُعلت تلك الأمور عوضاً ومقابلاً للتضحية بالنفس والنفيس في سبيل الله تعالى ..
٢ – يشترط العقلاء أن لا يقل العوض عن المعوَّض فيما إذا كان العوض جزاءً لذلك المعوض كما أن العدل أيضاً يقتضي أن لا يقل عنه ما لم يكن هناك تراضٍ على ما هو أقل، و أما إعطاء الزيادة فهو من الفضل ولا ينافي العدل ولا يعتبر العقلاء أن لا يكون العوض أكثر ، وفي قضية الإمام الحسين عليه السلام ليست هذه الامور هي العوض الأساسي لشهادته عليه السلام – ولهذا أشرنا في النقطة السابقة إلى أن فائدتها عائدة إلى أولاده حيث أن الله تعالى جعلهم صلوات الله عليهم أجمعين أئمةً وستأتي زيادة توضيح لذلك في النقطة التالية، وإلى زائريه من شيعته و محبيه – بل العوض الحقيقي هو قرب جوار الرب الكريم والرجوع إليه راضياً مرضياً كما قال تعالى في سورة الفجر المسماة بسورة الحسين عليه السلام : “يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي” سورة الفجر : ٢٩ – ٣٠ ، ومن المعلوم أن أعلى مراتب القرب ودرجات جنة الخلد وجنة الرضوان هي درجة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الذي قد بلغ مقام “أو أدنى” وهو في الدنيا ليلة المعراج، فجزاءُ أهل البيت عليهم السلام الحقيقي في تضحياتهم مضافاً إلى تعبدهم لله تعالى ومعرفتهم به جل وعلا وسائر كمالاتهم الروحانية، جزاؤهم هو كونهم في جنة الخلد والرضوان في درجة النبي صلى الله عليه و آله وسلم وليس مجرد جواره صلى الله عليه وآله وسلم في جنة الجسم التي قد يكون فيها الكثير من عباد الله الصالحين حيث أن هناك من الأعمال – ومن جملتها زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام كما في بعض الروايات – ما قد وُعد عليها الحشر مع النبي وفي جواره صلى الله عليه وآله وسلم، ولهذا ورد في ذيل رواية تعويض الحسين عليه السلام بالخصال الأربع أن محمد بن مسلم سأل الإمامَ عليه السلام قائلاً : هذا الجلال يُنال بالحسين عليه السلام، فما له في نفسه؟ قال : “إن الله تعالى ألحقه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان معه في درجته ومنزلته” ثم تلا أبو عبد الله عليه السلام : “و الذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم” الأمالي للشيخ الطوسي قدس سره القُدُّوسي ص ٣١٧ الحديث ٦٤٤ / ٩١ .
فالمِلاك في إلحاق ذريات المؤمنين بهم في جنات النعيم والرضوان هو اتّباعهم لهم بإيمان وأهل البيت عليهم السلام قد اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأعلى درجات الإيمان المتمثل في العصمة الربانية الكبرى ولهذا ألحقهم الله تعالى به في درجته ومنزلته وللحسين زيادة تلك الخصال في أولاده وزائريه وسائر الخصائص المذكورة في الرواية ..
٣ – الإمامة منصب إلهي قد جعلها الله تعالى لخاصة أوليائه ممن توفرت فيهم شروط الإمامة فلا يصبح أحد إماماً لمجرد ثبوت فضلٍ وفضيلةٍ لأحدِ والديه أو كليهما بل يلزم أن تكون فيه قابلية الإمامة وأن تتوفر فيه شروطها المسرودة في محلها وقد أشارت بعض الآيات إلى بعضها كالصبر – في جميع مراحله – وبلوغ درجة اليقين وتمحُّض العبودية لله تعالى والطاعة المطلقة له جل وعلا ( و ذكر الآيات ..
( وذكر الآيات وبيان دلالتها على ذلك يخرجنا عن موضوع كلامنا وعَلَّنا نُوَفَّق لشرح ذلك في فرصة أخرى بعون المعبود جل وعلا ) … إلا أن لبعض أعمال الوالدين تأثيراً اقتضائياً – و ليس بنحو العلة التامة – في الأولاد وقد جعل الله تعالى لشهادة الإمام الحسين عليه السلام هذا التأثير فقد جعل الإمامة في أولاده عليهم السلام – والجدير بالذكر أن الأئمة من بعد الإمام السجاد إلى صاحب الأمر صلوات الله عليهم أجمعين من أحفاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام أيضاً لأنه صلوات الله عليه جد الإمام الباقر عليه السلام لأُمّه .. – ..
٤ – نعم هو أمر تكويني بنحو الإقتضاء لا العلية التامة فإن الشفاء في تربته عليه السلام بإذن الله تعالى وبجعله جل وعلا، وهي مقتضية للشفاء فيما إذا اقتضت المصلحة ولم يكن مانع من تأثير هذا المقتضي، ولهذا نجد أن التربة تؤثر في شفاء البعض وليس الجميع، والظاهر عدم إرادة الشفاء من الأسقام الجسمانية فقط بل الأهم من ذلك الشفاء من الأسقام الروحانية أيضاً فإنه وكما قال أمير المؤمنين عليه السلام : “لا وجع أوجع للقلوب من الذنوب” – أصول الكافي ج ٢ ص ٢٧٥ باب الذنوب الحديث ٢٨ – فتربتُه صلوات الله عليه مؤثرة في تربية الروح وتزكية النفس وتطهير الباطن كما أن التوسل به صلوات الله عليه من جملة أهم عوامل التوفيق في تهذيب النفس والسلوك نحو المعبود والإنقطاع عما سواه – وهو من مجربات العرفاء – .. فتربته عليه السلام شفاء من الأسقام المادية والمعنوية ومن أمراض الروح والجسم ..
٥ – قد تبين الجواب بما سبق فإن جميع ذلك من باب الإقتضاء لا السببية والعِلِّيّة التامة – والمقصود أن ذلك مؤثر في تحقيق المذكورات في الرواية إذا لم يكن هناك مانع لأن العلة التامة مركبة من وجود المقتضي و فَقْدِ المانع كما يقول علماء المنطق – ومن المعلوم أنّ لاستجابة الدعاء شروطاً مسرودة في محله من مبحث الدعاء ومن جملتها عدم ترك الأسباب الطبيعية لتحقق المطلوب فعلى الإنسان أن يعمل ويجدّ ويجتهد في تحقيق مطلوبه ومع ذلك لا يعتمد على عمله فإن مُسَبِّبَ الأسباب هو الله تعالى فهو يقدر أن يمنع العمل والإجتهاد من التأثير كما قد جعله مؤثراً في تحقيق المطلوب فيلزم العمل والإجتهاد مع كون الإعتماد على مسبِّبِ الأسباب وهو الله جل وعلا، والدعاءُ مظهرُ ذلك الإعتماد، فلولا التوسل بالأسباب الطبيعية لم يتحقق المطلوب بالدعاء ولولا الدعاء الحقيقي الخالص وهو السؤال والدعاء الفطري الذي قد دل عليه قوله تعالى: “وآتاكم من كل ما سألتموه” – سورة إبراهيم : ٣٤ – لم يعتنِ بنا الله تعالى كما قال : “قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم” – سورة الفرقان : ٧٧ – فلا نستغني في سبيل تحقيق المطلوب وتحصيل الأهداف المادية منها والمعنوية لا عن العمل ولا عن الدعاء وهذا ما دل عليه قول الإمام الصادق عليه السلام : “أربعة لا تستجاب لهم دعوة : رجل جالس في بيته يقول : اللهم ارزقني، فيُقال له : ألم آمُرك بالطلب ..” فالمقصود أن الإنسانَ العاملَ المُجِدَّ في عمله لا ينال مطلوبه في العمل أحياناً – سواء كان للرزق المادي أوالمعنوي كالعلم أو للعلاج أو .. – فيدعو الله تعالى ليحقق مطلوبه بعمله و لكنه قد لا يستحق الإجابة لمانع من الموانع كالذنوب التي تحبس الدعاء فيأتي إلى مشهد الحسين عليه السلام فيدعو فيُستجاب له ببركة أبي عبد الله الحسين عليه السلام الذي ضحّى بجميع ما يملك في الدنيا في سبيل الله تعالى ..
٦ – هناك احتمالات متعددة في هذه الفقرة من الحديث منها ما هو الظاهر من لفظ الحديث وهو أن الزائر يُمَدُّ في عمره بعدد أيام زيارته ذهاباً وإياباً، فلو كانت مدة سفره من بدايته إلى نهايته شهراً كاملاً أضيف إلى ما قُدِّر له من العمر شهراً فلو كان أجله المحتوم ثمانين سنة أضيف إليه شهر ويمكن استظهار ذلك مما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في رواية أخرى حيث قال : “إن أيام زائري الحسين عليه السلام لا تحسب من اعمارهم ولا تُعَدُّ من آجالهم” – كامل الزيارات ص ٢٦٠ الباب ٥١ – .. ومنها أن الله تعالى يؤخر أجله المعلق بمعنى أن زيارته عليه السلام موجب لدفع البلاء فيطوّل الله تعالى بذلك عمر الزائر كما أن الصدقة وصلة الرحم تؤخِّران الأجلَ المعلق بدفع البلايا، وبناء على هذا الإحتمال لا يتغير الأجل المحتوم بل سيتأجل الأجل المعلق فإن كان قد قُدِّر له أن يموت في حادث قبل حلول أجله المحتوم فإنه سيدفع الله تعالى عنه ذلك إما بدفع شر نفس الحادث أو بأن لا يؤدي الحادث إلى موته ويؤيده ما ورد في حديث عن الإمام الباقر عليه السلام: “مُرُوا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السلام فإن إتيانه يزيد في الرزق ويمدّ في العمر ويدفع مدافع السوء، وإتيانه مفترض على كل مؤمن يقر للحسين بالإمامة من الله” – كامل الزيارات ص ٢٨٤ الباب ٦١ الحديث ١- وهناك روايات تدل على أن ترك زيارته عليه السلام ينقص من الإنسان، كما أن هناك احتمالات أخرى في معنى هذه الجملة نغض الطرف عنها لبعضها..
رزقنا الله و إياكم في الدنيا زيارة الحسين عليه السلام عارفين بحقه و ولايته و إمامته و وجوبِ طاعته، وفي الآخرة شفاعته و في الجنة مجاورته صلوات الله عليه و على جده و أبيه و أمه و أخيه و صحبه و بنيه ..
أيوب الجعفري
ليلة الخميس ١ صفر الخير ١٤٤٠ ه ق
الموافق ١١ / ١٠ / ٢٠١٨ م
https://telegram.me/ayoobaljafary