بسم الله الرحمن الرحيم
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وثورة الحسين عليه السلام – الجزء الثامن – :
ذكرنا بعض الآيات التي تتحدث عن جزاء تاركي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وأما الروايات فكثيرة نكتفي بذكر بعضها فنقول :
روى الكليني رضوان الله تعالى عليه عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال : يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون يتقرؤون ويتنسكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر إلا إذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرُّخَص والمعاذير يتبعون (أي يتتبعون) زلاة العلماء وفساد عملهم، يقبلون على الصلاة والصيام وما لا يَكْلمهم في نفس ولا مال ولو أضرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أسمى الفرائض وأشرفها، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، هنالك يتم غضب الله عز وجل عليهم فيعمهم بعقابه فيهلك الأبرار في دار الفجار والصغار في دار الكبار، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء … قال : وأوحى الله عز وجل إلى شعيب النبي عليه السلام : أني معذب من قومك مائة ألف أربعين ألفا من شرارهم وستين ألفا من خيارهم، فقال (عليه السلام) : يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عز وجل إليه : داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي . الكافي ج ٥ ص ٥٥ – ٥٦ باب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر الحديث ١ .
والحديث واضح الدلالة على أن العذاب لا يختص بالعصاة الذين يجب نهيهم عن المعصية بل يشمل التاركين لفريضة النهي عن المنكر أيضاً ..
هذا ، وينصّ الحديث على أن سائر الفرائض تُقام بهذه الفريضة وهو إشارة إلى وجه من وجوه أهمية هذه الفريضة العظيمة حيث أنها وإن لم تكن مطلوبة بالذات بل هي لإقامة سائر الفرائض فهي من الواجبات الطريقية وليست كالصلاة والصوم و سائر الواجبات المطلوبة بالذات حيث أن المصلحة الكامنة فيها هي التي اقتضت وجوبها فالصلاة مثلاً : ” دمعراج المؤمن” تعرج بروحه إلى عليا درجات الكمال إذا روعيت وتمت المحافظة عليها بالإخلاص وحضور القلب ومشاهدة المصلي كونَه في محضر الرب الكريم و.. مضافاً إلى المحافظة على أوقاتها ورعاية سائر آدابها، فهذه الصلاة تعرج بروح المؤمن إلى المراتب العالية من الكمال وهي : “قربان كل تقي” أي أنها مع رعاية آدابها وشرائطها وسيلةُ تقرُّبِ الأتقياء إلى مبدأ الوجود ومصدر الفيوضات ومجاورةِ الأنبياء والأولياء في حظيرة القدس .. كما أن الصوم جُنّةٌ من النار يحجب المؤمن عن النار ويصونه منها وهو الموجب لصيرورته ملكوتياً مضاهياً للعالَم الملائكي بتركه للأكل والشرب والإبتعاد عن المادة والجسم والتغافل عن حاجاته المادية وعن الجوانب الحيوانية والإعتناء بحقيقته أي بالبعد الروحاني من وجوده المستلزم لاستحقاق الجزاء من الله مباشرة كما قال تعالى : “الصوم لي وأنا أجزي به” أو استحقاق جنة الرضوان والقرب التي هي جنة الروح وهي كبرى الجنتين كما قال تعالى : “و رضوان من الله أكبر” إذا قرأنا : “وأنا اُجْزَى به ” في الحديث القدسي بصيغة المجهول فيكون الله تعالى هو الجزاء وهو عبارة أخرى عن جنة اللقاء و… فهذه الأعمال واجبة بذاتها ولأجل كونها مشتلمة على مصالح ومؤدية إلى الفلاح وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليس كذلك بل هو طريق ووسيلة لإقامة سائر الفرائض فلو لم يُترك واجب من الواجبات ولم تُرتكب معصية من المعاصي لما وجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – نعم يستحب الأمر بالمعروف المندوب والنهي عن المكروه ولكن لو افترضنا التزام الناس بالمستحبات و اجتناب المكروهات لما بقيت أرضية لاستحباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضاً – فليست هذه الفريضة مطلوبة بالذات بل لأجل سائر الفرائض ومع ذلك قد عدّتها الشريعة المقدسة – وكما أشارت إليه هذه الرواية – أسمى الفرائض وأشرفها واعتبرتها هذه الرواية فريضةً عظيمة وأشارت إلى سبب ذلك بعد بيان عظمتها مباشرة بقوله عليه السلام : “بها تُقام الفرائض” فلولا قيام المؤمنين وفي مقدمتهم الأنبياء والأولياء بهذه الفريضة لاندرس الدين وضاعت الصلاة وسائر الفرائض الإلهية وانمحت آثار النبوة وحُرِّفت العقائد والأحكام وحلّت الرذائل محل الفضائل و.. وهذا ما يفسر لنا ما ورد في زيارة أبي عبد الله الحسين عليه افضل الصلاة والسلام من أنه قد أقام الصلاة حيث نقرأ في كثير من زياراته المأثورة : “أشهد أنك قد أقمت الصلاة” فصحيح أن إقامة الصلاة تصدق على الصلاة التي يقيمها الإنسان جامعةً لشرائطها وآدابها مشتملةً على ما له مدخلية في قبولها من إقامتها في أول الوقت وفي المسجد وجماعةً وبحضور القلب والإخلاص و… ولكن كل ذلك متعلق بالجانب الفردي بأن يصلي الإنسان بتلك الطريقة وهو غيرُ منفيٍّ فلا يمكن القول أنه – أي الإتيان بالصلاة بهذه الطريقة – غير مقصودة من قولنا في زيارته عليه السلام : “أشهد أنك قد أقمت الصلاة” لا سيما مع ملاحظة الجملة التالية وهي : ” وآتيت الزكاة” والتي تتحدث عن ايتائه الزكاة شخصياً لا إبقاء العمل بفريضة الزكاة في المجتمع الإسلامي وإن أمكن تفسير هذه الجملة بما يشملهما معاً إلا أن المصداق الأظهر هو الأول، كما أنه يمكن أن يقال بأن من جملة مقاصد قولنا في الزيارة : “و أشهد أنك قد أقمت الصلاة” هو إقامته لها في ساحة المعركة عند اشتداد الحرب وهجوم أعداء الله عليهم، فهذا ايضاً يؤيد كون الإتيان بالصلاة والإهتمام بها أيضاً مقصوداً، إلا أن الجانب والمصداق الأهم لإقامته عليه السلام للصلاة هو إبقاء العمل بالصلاة وجعلها قائمة في المجتمعات الإسلامية؛ حيث أن بني أمية كانوا قد عزموا على تحريف الإسلام وإزالة الأحكام وتحريم الحلال وتحليل الحرام كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خُطبه متحدثاً عن فتنة بني أمية : “… وصار الفسوق نسباً والعفاف عجباً ولُبِسَ الإسلام لبس الفرو مقلوباً” – نهج البلاغة؛ تحقيق صبحي الصالح، نهاية الخطبة ١٠٨ – فلولا ثورة الإمام الحسين عليه السلام بركنيه – الثورة والجهاد حتى الإستشهاد والجانب الإعلامي الذي تكفله الإمام السجاد والعالمة غير المعلمة زينب الكبرى وسائر سبايا نهضة الحسين الإلهية صلوات الله عليهم أجمعين – لولا هذه الثورة العظيمة لما قام للإسلام عود ولما بقي له عمود فإذا كانت : “الصلاة عمود الدين وعماد اليقين” و : “معراج المؤمن”وقربان كل تقي” فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتمثل في نهضة أبي عبد الله الحسين هو الذي أبقى للإسلام هذا العمودَ ووسيلةَ التقرب و العروج ..
وبهذا وغيره يمكننا أن نعرف الحكمة في التشديد والتأكيد الشديد على هذه الفريضة العظيمة والتهديد والوعيد على ترك العمل بها فإنها مُحَقِّقَة لأهداف الأنبياء والأولياء في العقائد والأحكام و الأخلاق ..
وهناك روايات أخرى حول جزاء وعقوبة التاركين لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، سنتطرق لبعضها في الجزء التالي بعون المعبود جل وعلا ..
أيوب الجعفري
ليلة الثلاثاء ١٥ محرم الحرام ١٤٤٠ ه ق
الموافق ٢٥ / ٩ / ٢٠١٨ م
https://telegram.me/ayoobaljafary