آية المباهلة ودلالتها على خلافة أمير المؤمنين وإمامته عليه السلام :

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى : “فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين” – سورة آل عمران الآية ٦١ –

في هذه الآية دلالات عظيمة على عظيم منزلة أهل البيت عليهم الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم الذين كانوا معه تحت الكساء أيضاً فنزلت آية التطهير بشأنهم – والروايات الإسلامية تدل على أن من كانوا تحت الكساء هم من كانوا مع النبي صلى الله عليه و آله و سلم في المباهلة – ..

وذِكْرُ النساءِ وانحصارُ من أتى من النساء في فاطمة الزهراء عليها السلام، وكذا ذِكْرُ الأبناء وانحصارُ من جاء في الحسنين عليهما السلام وذِكْرُ الأنفس وانحصار الجائي في علي عليه السلام يدل على أمور كثيرة منها أن جميع كمالات جميع الأمة مجتمعة في هؤلاء عليهم السلام فمَجِيء هؤلاء الأطهار عليهم آلاف التحية والثناء مجيءُ جميع الامة .. وهذا ما يحتاج إلى بيان لا نريد الخوض فيه في هذه العجالة ..

وما نريد طرحه في هذه الأسطر هو ما تدل عليه الآية في حق علي عليه السلام باختصار فنقول : إن كون علي عليه السلام نفسَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُثْبِتُ له كل ما للنبي من مقاماتٍ معنويةٍ ومنازلَ قُرْبيةٍ لدى الله جل وعلا ولا يُستثنى من مقاماته صلى الله عليه وآله وسلم إلا النبوة كما في حديث المنزلة، فكونه عليه السلام نفسَهُ صلى الله عليه وآله وسلم يقتضي وجوب الإعتقاد والإيمان به لأنه قد أوجب القرآن الكريم الإيمان بالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وإذا كان علي عليه السلام نفس النبي لزم الإيمان بعلي عليه السلام أي بإمامته وولايته والإعتقاد بثبوت جميع ما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من كمالات، لأمير المؤمنين عليه السلام عدا النبوة لأنه قد نُزِّلَ منزلةَ نفسه ولم يُسْتَثْنَ شيء في هذه الآية و لا في سائر الآيات كما لم يُسْتَثْنَ في الروايات إلا النبوة فلو كان هناك استثناء آخر لاستُثني كما استُثنيت النبوة، فدل ذلك على أنه عليه السلام – مع انه ليس بنبيٍّ – واجدٌ لجميع كمالات النبي صلوات الله عليه وآله ومُتّصِفٌ بجميع صفاته ومُتَخَلِّقٌ بجميع فضائله الأخلاقية و..

أضف إلى ذلك أن الآية تدل على أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلا فصل وكان على الأمة أن تُقَدِّمَه على غيره وذلك أن علياً نفس النبي ولا يجوز ولا يحق لأحد أن يتقدم على النبي فلا يجوز التقدم على علي لأن التقدم عليه تقدُّمٌ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد قلنا أنه غير جائز، ولهذا استدل الإمام الرضا عليه السلام عندما سأله المأمون عن الدليل على خلافة علي عليه السلام، استدل بكون علي عليه السلام نفسَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن المأمون طرح – بعد استدلال الإمام الرضا عليه السلام بذلك – شبهةً فيها شيء من الإبهام فأجاب الإمام عليه السلام أيضاً بما يحتاج إلى بيان، فيجدر بنا أن نذكر الرواية مع بيانها مختصرا فنقول :

روي أن المأمون قال للرضا عليه السلام : ما الدليل على خلافة جدك علي بن أبي طالب؟ قال : آية أنفسنا، قال : لولا “نساءنا” قال : لولا “أبناءنا” .

فأراد الإمام الرضا عليه السلام أن يُثبت للإمام علي عليه السلام جميع ما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من كمالات ومقامات ومن جملتها الولاية على الأمة لأنه نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والنبي له الولاية على الامة فلمن هو نفس النبي أيضاً الولاية على الأمة ..

فاستشكل المأمون أن المقصود من قوله تعالى “أنفسنا” رجال الأمة الإسلامية بدليل ذكر النساء قبال أنفسنا فنستفيد بدليل المقابلة بين الانفس والنساء أن المقصود من أنفسنا رجال الأمة لا خصوص علي عليه السلام فلا تدل الآية على فضيلة له صلوات الله عليه لا توجد في سائر رجال الأمة الإسلامية، فأجاب الإمام الرضا عليه السلام بأنه لو لم يكن في الآية ذِكْرٌ للابناء لكان لكلامك وجهٌ بمعنى أنه لو كان المذكور في الآية “نساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم” ولم يُذْكَر الأبناء لأمكن القول بأن المقصود من أنفسنا رجال الأمة بدليل ذكر النساء قبال أنفسنا، ولكن الله تعالى قد ذكر الأبناء أيضاً فدل على أن المقصود من الأنفس شخص من حضر مع النبي في المباهلة لا جميع الرجال وإلا لما كان وجه لذكر الأبناء، فلو كان المقصود من أنفسنا الذكور قبال الإناث لاكتفى بذكر الذكور والإناث لشمول الذكور للأبناء كشمول النساء للبنات بمعنى أنه كما لم تُذكر البنات لشمول النساء لهن كان من المفترَض عدم ذكر الأبناء أيضاً لشمول الأنفس أي الرجال والذكور لهم، فذِكْرُ الأبناء يدل على أنه ليس المقصود من الانفس الرجال و ذكور الأمة بل المقصود هو علي عليه السلام ليس إلا؛ وبعبارة أخرى لو كان المقصود من الأنفس الرجال لزم إما عدم ذكر الأبناء وإما ذكر البنات أيضاً ولكن الآية ذكرت الأبناء ولم تذكر البنات فيلزم أن يكون المقصود من الأنفس شخصَ عليٍ عليه السلام لا غير فثبت الفضل لعلي عليه السلام بكونه – دون من سواه – نفسَ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ..

وفقنا الله و إياكم لمعرفة دينه وأوليائه الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين ..

أيوب الجعفري

ليلة الأربعاء ٢٤ ذو الحجة الحرام (ليلة المباهلة) ١٤٣٩ ه ق الموافق ٥ / ٩ / ٢٠١٨م

https://telegram.me/ayoobaljafary