شبهات حول القرآن الكريم:
* سؤال يتعلق بسورة الإسراء : ما هي الحكمة وراء بدأ السورة بحادثة إسراء النبي من المسجد الحرام ، ثم الانتقال في الآية الاخرى الى بني إسرائيل مباشرة ؟
السؤال الثاني : الجميع يعلم بان القرآن نزل على خاتم الانبياء صلى الله عليه و آله ، و اخواننا السنة يؤمنون بان اول من وضع الحروف النقاط على الحروف هو الخليفة الثاني و نحن الشيعة نقول بان الامام علي عليه السلام هو من وضع النقاط على الحروف البعض يشكل بان الوحي انقطع بعد وفاة النبي و كيف تم وضع النقاط على الحروف ، لعل هذا يسبب في تحريف القرآن و العياذ بالله ..
* كيف نفهم معنى كون الحرم آمناً لمن دخله مع وجود ما حصل فيه من قتل وإيذاء ؟
______________________________________
[٢٣/٩ ٣،١٢ م] ayoob j: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* القرآن كتاب أُنزل لهداية البشر و سائر المكلفين و ليس كتاباً مخصصاً لعلم خاص كي يُبَوَّب و يُجعل كل باب مختصاً بمسألة من مسائل ذلك العلم ، و كتابُ الهداية يلزم أن يكون بحيث لو راجعه من يبحث عن الحقيقة فقرأ منه عدة صفحات وجد فيه نبذة من معارف الدين في مختلف جوانبه العقدية و الفقهية و الأخلاقية و القصص المعبرة التي يمكن الاعتبار بها و سائر المعارف الإلهية و لهذا نجد القرآن يتحدث في كل سورة بل في كل صفحة عن أمور متنوعة و لكن يجمعها أمر واحد هو بيان عناصر السعادة و ما له مدخلية في هداية القارئ إلى الحق و إلى الصراط المستقيم صراط العبودية و التقرب العبودي إلى الله تعالى …
هذا أولاً و بشكل عام ، و أما ثانياً و بخصوص بداية سورة الإسراء فالسورة في مقام بيان صفات الله و أفعاله الدالة على تلك الصفات و غيرها ، و أهم الصفات التي تتطرق السورة لها هو التوحيد الخالص في مختلف أبعاده و تنزيه الله تعالى عن النقص و العيب و الحاجة إلى جانب التحميد ، و لكن الطابع العام هو مسألة التنزيه الذي يعتبر من مراتب التوحيد و منشأه – أي منشأ التنزيه و ما يوجب الحكم القطعي و الإعتقاد الجزمي به هو – التوحيد الأحدي بمعنى بساطة الذات المتعالية و عدم تركبه بأي نحو من أنحاء التركب سواء كان من الأجزاء الخارجية أو العقلية أو كان التركب من الوجود و العدم ، و هذا التوحيد يستلزم أن تكون الذات المتعالية غير متناهية و منزلة عن كل عيب و نقص و …
فالغالب على آيات السورة هو مسألة التنزيه المُبَیَّنِ بلفظ التسبيح في الآيات الأولى ، و الثالثة و الأربعين ، و الثالثة و التسعين ، و الثامنة بعد المأة ، و في نهاية الأمر و في آخر آية من السورة يتطرق للتحميد و مع ذلك لا ينسى التسبيح و التنزيه بنفي اتخاذ الشريك و نفي الولي و …
فمحصل الكلام أن السورة بصدد بيان التوحيد في مختلف جوانبه و الآيتان الأُوليان غير خارجتين عن هذا الإطار بل هما في مقام بيان تسبيحه و تنزيهه تعالى عن الشريك و عن أي نقص و عيب و قد ذكر لذلك مصداقين أحدهما تكويني مشتمل على جوانب تشريعية و هو الإسراء الخارق للعادة ، و الآخر تشريعي مشتمل على جوانب تكوينية و هو إنزال الكتاب على موسى لهداية بني إسرائيل و سائر المكلفين من الإنس و الجن و غيرهم – إن كان هناك مكلف سواهما – فهما تدلان على علمه و قدرته تعالى غير المتناهيين و الذين لا يشوبهما جهل أو عجز ، و على نزاهته عن كل عیب و نقص و غناه عن كل شيء لأن من يكون منزهاً عن كل عيب و نقص هو عين الكمال و هو موجود غير متناهٍ لأن المتناهي ليس عين الكمال كما أنه ليس موجوداً بسيطاً أي لا يكون أحداً و إن كان واحداً – و بيانه موكول لمحله في العلوم العقلية – ، و من هو عين الكمال لا يُتَصَوَّر و لا یُعْقَلُ احتياجه بل هو الكمال و إليه يعود كما ينشأ كل كمال … فهناك ارتباط تام بين الآيتين بل بين جميع الآيات فإنها بصدد بيان كمال الله و توحيده و أحديته و تنزيهه جل و علا فذكر لذلك مصداقين تكويني و تشريعي كما أسلفنا أحدهما متعلق بالنبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم و الآخر متعلق بالنبي موسى على نبينا و آله و عليه السلام ، و لا يختص ذلك – أي ذكر المصاديق المعنوية و المختلفة لموضوع خاص – بالقرآن الكريم بل يجري في الأبحاث العلمية أيضاً ، فمثلاً هناك بحث في علم الأصول و هو أن القياس ليس من الحجج و الأدلة الشرعية فلا يمكن إثبات حكم من الأحكام الشرعية به و أن أحكام الله إذا قيست مُحق الدين كما في الروایة الشريفة المنقولة عن الإمام الصادق عليه السلام ثم لأجل بيان القياس يمكن ذكر مصاديق من مختلف الأبواب الفقهية من الطهارة و الصلاة و الصوم و الحج و المعاملات و الديات و .. مع أنها مسائل مختلفة من أبواب لا ارتباط بينها بحسب الظاهر لا يقول أحد بأن هذه مواضيع مختلفة لا تناسب و لا ارتباط بينها و ذلك لأنه يجمعها هدف واحد هو بيان القياس و بطلانه و عدم حجيته و .. كذلك الآيات في سورة الإسراء تذكر مصاديق ممنوعة تبين توحيده و أحديته و نزاهته عن كل عيب و نقص ..
– – – – — – – – – – – – – –
* وضع النقط من أيٍ كان لا يدل على التحريف أو إمكانه فهناك أدلة شرعية و عقلية على عدم التحريف ، و إذا قلنا أن الإمام علياً عليه السلام هو من وضعها أو دل الناسَ عليها فمن المعلوم أنه عليه السلام عِدْل القرآن الكريم و معصوم بالعصمة الكبرى في العلم و العمل و الأخلاق و المعرفة عن الخطأ و العصيان و السهو و النسيان – و أدلتها موكولةإلى محلها و لسنا هنا بصدد إثبات ذلك في هذا المختصر – لم يُعقل أن يكون قد وَضَعَ نقطةً في غير محلها ، مضافاً إلى أن القرآن كان محفوظاً في صدور الحفاظ و لم يكن يتجرأ أحد من زيادة شيء منه أو حذف شيء من قبل نفسه حتى الخليفة الثاني لم يتمكن من فعل ذلك حينما أراد أن يحذف واواً من آية واحدة و حركة إعرابية واحدة من القرآن الكريم في قوله :” وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ” فحذف الواو العاطفة قبل قوله تعالى “الذين اتبعوهم” و رفع لفظ الأنصار ليتغير المعنى و يصبح الأنصار تابعين للمهاجرين فقرأ الآية بهذه الصورة ” وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ و َالْأَنْصَارُ الذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ “ فوقف بوجهه بعض الصحابة و أرجعوا الواو إلى محله ..
هذا مضافاً إلى ما أشرنا إليه من أدلة عدم وقوع التحريف في القرآن الكريم و التي تستدعي فتح باب بحث مستقل في هذا المجال و قد أشرنا إلى بعضها في بعض أجوبتنا على أسئلة المؤمنين ..
– – – – – – – – – – – – – – – – – –
* و أما كون الحرم الإلهي أمناً و أن من دخله كان آمناً فليكن معلوماً أن الأمن قد يكون تكوينياً بأن يكون محل ما أماناً لا يمكن تحقق الأذى و القتل و الجرح و .. فيه من الناحية التكوينية بلا مدخلية لإرادة البشر في ذلك ، و قد يكون تشريعياً بمعنى أن الله تعالى قنّن قوانین تؤمِّن مراعاتُها الداخلین فيه فلا یجوز لأحد أن يتعرض للغير بالأذى و القتل و الجرح بل و إلقاء القبض عليه و .. و المستفاد من الآيات و الروايات هو الثاني أي أن البيت الحرام بيت مقدس له حرمته و يجب على الجميع رعاية هذه الحرمة و عدم هتكها فلا يجوز القتل و القتال فيه – كما لا يجوز ذلك في الأشهر الحُرُم مع زيادة خصوصيات للبيت الحرام .. – كما لا يجوز للمحرم و غير المحرم أن يصطاد فيه الحيوانات و يقلع الأشجار و يقطعها في غير المستثنيات و .. لا أن من دخله لا يمكن أن يلحق به الأذى و لا يتمكن أحد أن يقتل الغير أو يجرحه أو يلقي القبض عليه تكويناً ، و الشاهد على ذلك أن القرآن نفسه يقول بأنه : ” و من يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ” و قد فُسِّر الإلحاد بظلم في الروايات بأي ظلم يصدر من الإنسان بحق نفسه و غيره ، و هذا يدل على أن ظلم الغير في الحرم ممكن من الناحية التكوينية إلا أنه لا يجوز من ناحية حرمة الحرم مضافاً إلى حرمته في نفسه … فلا يجوز القتل مثلاً لا أنه لا يمكن .. و إلا لما كان وجه للتهديد بالعذاب الأليم لمن يفعل ذلك ..
و صحيح أن قوله تعالى : ” و من دخله كان آمناً ” جملة إخبارية إلا أنها إخبارية في مقام الإنشاء يعني أنها جملة خبرية المقصود منها الأمر لا الإخبار و قد قُرِّر في محله أن الإنشاء و الأمر أو النهي بلفظ الإخبار آكد و أبلغ في الأمر و النهي ، و كم له من نظير في القرآن و السنة – و لسنا بصدد بيان الأمثلة حالياً لئلا نخرج عن طور الجواب من الإقتصار – … هذا كله مضافاً إلى أن من استجار بالحرم أجاره الله تعالى و آمنه من سخطه .. و إليكم بعض النصوص الروائية الواردة بهذا الشأن :
١ – علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل : ” ومن دخله كان آمنا ” البيت عنى أم الحرم ؟ قال : من دخل الحرم من الناس مستجيرا به فهو آمن من سخط الله ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم.
٢ – علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن قول الله عز و جل : ” ومن دخله كان آمنا ” قال : إذا أحدث العبد في غير الحرم جناية ثم فر إلى الحرم لم يسع لاحد أن يأخذه في الحرم ولكن يمنع من السوق و لا يبايع و لا يطعم و لا يسقى و لا يكلم ، فإنه إذا فُعل ذلك به يوشك أن يخرج فيؤخذ و إذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم لأنه لم يدع للحرم حرمته .
٣ – ابن أبي عمير ، عن معاوية قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) ، عن قول الله عز و جل : ” و من يرد فيه بإلحاد بظلم ” قال : كل ظلم إلحاد وضرب الخادم في غير ذنب من ذلك الالحاد .
٤ – محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ،عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل : ” و من يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ” فقال : كل ظلم يظلمه الرجل نفسه بمكة من سرقة أو ظلم أحد أو شئ من الظلم فإني أراه إلحادا ولذلك كان يُتقى أن يسكن الحرم .
راجع الكافي ج ٤ ص ٢٢٦ – ٢٢٧ ..
فكل ذلك و أمثاله يدل على أن الأمن تشريعي و ليس تكوينياً – و إن أمكن إثبات الأمن التكويني على نحو الموجبة الجزئية أيضاً – و لهذا نجد أن الكعبة قد هُدمت من قبل بعض الجناة في التاريخ عدة مرات و قُتل البعض في المسجد الحرام کما ورد أنه سيُقتل قبيل الظهور بين الركن و المقام من عُبِّر عنه فی لسان الروايات بالنفس الزكية و … فيدل ذلك على أن المقصود من أمن مكة و كون الداخل فيه آمناً الوارد في لسان الشارع المقدس هو الأمن التشريعي لا التكويني و إن أمكن إثبات التكويني في بعض حوانبه أيضاً كما أشرنا ..
وفقنا الله و إياكم لمعرفة الدين و نشره بحق محمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين …
أيوب الجعفري