توارد المصائب ..
سلام عليكم ..
احياناً ينتابني الخوف وتتوارد عليّ أفكار عن بعض المصائب وفقد الأحبة وبالفعل تنزل عليّ تلك المصيبة، فهل ذلك من الحاسة السادسة أو أنه تهيئة لي من قبل الله تعالى لتحمل ما سيحل بي أم أنه مجرد صدفة وقضاء وقدر؟
_________
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قد يكون الدليل بعض الإحتمالات المذكورة في السؤال ولكن لا يمكن أن يكون ويتحقق شيءٌ في عالم الإمكان صدفةً والظاهر أنكم لا تقصدون من الصدفة معناها الدقيق حيث أن معناها الدقيق مختصراً هو تحقق شيء بلا سببٍ وعلة، وبما أن ممكن الوجود يستحيل أن يتحقق ويوجد بلا علة فتحققُ شيءٍ صدفةً مستحيلٌ، فلا اتصور أنكم تقصدون من الصدفة هذا المعنى لأنكم عطفتم القضاء والقدر عليها بل مقصودكم أن ذلك كان مقدراً ومقضياً من قِبَل الله تعالى، وهذا صحيح فلا يتحقق ولا يوجد شيء في عالم الإمكان إلا بقضاء وقدر من الله تعالى ولكن القضاء والقدر لا ينفيان ولا ينافيان الأسباب الطبيعية المادية والمعنوية لتحقق الأشياء ف”أبى الله أن يُجري الأمور إلا بأسبابها” و .. فإذا قلنا أن الله تعالى قد قدّر وقضى أن يكون فلان سعيداً أو شقياً فمعناه أن الله تعالى قد جعل للسعادة والشقاء أسباباً وهو سبحانه وتعالى يعلم بأن فلاناً سيُحقِّق أسباب سعادته أو شقائه فالله تعالى قد قدر وقضى أن يكون فلان سعيداً أو شقياً لانه يعلم بأنه سيختار أسباب السعادة أو الشقاء لنفسه، وهذا يبين لنا إجمالاً معنى القضاء والقدر الصحيح الذي لا ينافي كون الإنسان موجوداً مختاراً غير مُسَيَّر في أعماله وأفعاله التكليفية، وتوضيحه موكول إلى الأبحاث العقائدية ..
وأما فيما يتعلق بصلب الموضوع ومورد السؤال والإستفسار فغير خافٍ عليكم أولاً أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان .. وثانياً أن كل ما نملكه في هذه الدنيا بحسب الظاهر وبالملكية الإعتبارية إنما هي أمانات إلهية مودعة عندنا إلى حين، حتى أنفسنا، فنحن لا نملك شيئاً – بالملكية الحقيقية – حتى أنفسنا والمالك الحقيقي والمطلق لتمام وجودنا ولجميع ما نملكه هو الله تعالى وسنعود إليه بتمام وجودنا وحقيقتنا بقلوبنا وقوالبنا ف”إنا لله وإنا إليه راجعون” ..
وقد خلقنا الله تعالى وأتى بنا إلى هذه الدنيا ليمتحننا ويكلفنا بما يوجب سعادتنا و رُقِيَّنا وتكاملنا بالتقرب إليه بمعرفته والعبودية له جل جلاله – لأن ملاك كون الإنسان أشرف المخلوقات هو سيره الإختيارى نحو الكمال ونيل أعلى مراتب القرب إلى من هو عين الكمال – ومما لا بد منه في سلوك هذا الطريق هو قطع جميع العلائق والتعلقات القلبية بغير الله تعالى حتى الأولاد والاحبة ..
ومن جملة الأسباب المحقِّقة لذلك – أي لقطع جميع التعلقات القلبية بمن وما سواه – هو موت بعض الأحبة والأولاد أحيانا فيُرَبِّينا الله تعالى بذلك على :
١ – الصبر ..
٢ – الرضا بقضائه وقدره جل وعلا ..
٣ – المعرفة بحقيقة الدنيا وأنها وما فيها أمانات يلزم أداؤها وإرجاعها إلى مالكها وصاحبها الحقيقي ..
٤ – قطع جميع العلائق القلبية بما سواه تعالى والإنقطاع إليه وتعلُّق القلب به جل وعلا و ..
والنتائج المترتبة على هذه الأمور عظيمة جداً ومن جملتها – وقد يكون أقلها – الدخول في الجنة بغير حساب كما قال تعالى : “إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب” مضافاً إلى نيل أعلى درجات ومراتب ثواب الأعمال كما قال عز من قائل : “ما عندكم ينفد وما عند الله باقٍ ولنجزين الذي صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون” .. فللعمل الصالح درجاتٌ متفاوتة ومختلفة من الثواب بحسب درجات إيمان العامل وتقواه وخلوصه وإخلاصه لله تعالى، والصابرُ يُعطى أعلى تلك الدرجات من المثوبات لصبره وإن لم يكن إيمانه وتقواه و.. أعلى من عامة المؤمنين المتقين – نعم نفس كونه صبوراً دليل علوّ درجة إيمانه ولكن أعلى درجات الثواب مترتب على الصبر نفسه ..
أدعو الله تعالى أن يُيَسِّرَ أموركم ويقضي حوائجكم للدارين ويوفقنا وإياكم لما يَرضاه ويُرضيه بحق محمد وآله الراضين المرضيين صلوات الله عليهم أجمعين ..
أيوب الجعفري
https://telegram.me/ayoobaljafary