شبهة حول ما يحرم بالرضاع

سؤال من بعض فضلاء الاساتذة :

السلام عليكم أستاذي الموقر جناب الشيخ أيوب

أسعد الله أوقاتكم بكل خير

التسجيل المرسل لكم يشرح نفسه بنفسه كما يقال ..

وقد انتشر في الكثير في مجموعات التواصل الإجتماعي مؤخرا

حيث وجد فيه بعض الأطراف فرصة ثمينة للطعن في مباني فقهاء المدرسة الإمامية ككل واتهامها بأنها تقدم الروايات ظنية الصدور على الآيات القرآنية المحكمة ..

وفي إحدى مجموعات واتس التي أشترك فيها مع بعض الحداثيين طرح هؤلاء علينا السؤال التالي :

قد حددت الآيتان ٢٣ و ٢٤ من سورة النساء ما أو من يحرم نكاحهن، سواءا بسبب الدم أو المصاهرة ، و بشكل جامع مانع إذ عقّبت بعد بيان المحرمات بالقول *وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ …*
و عليه فكيف أجاز الفقهاء لأنفسهم إضافة محرمات أخرى غير داخلة في الآيتين الشريفتين استنادا لروايات غير قطعية الصدور من جهة و واضحة التعارض مع نص الكتاب الذي يحلل كل ما لم يذكر في المحرمات ، في حين أن القرآن هو من يجب أن يكون المحور الذي على أساسه تقبل الرواية أو ترفض؟

فهلا أفدتمونا سماحة الشيخ بشأن هذا الموضوع ، و ذلك من خلال الإجابة على الإستفسارات التالية فضلا :
(١) ما هي محرمات الدم والمصاهرة غير ما ذكر في الآيتين؟

(٢) بأي دليل أضيفت تلك المحرمات ؟

(٣) فإن كان بدليل من الحديث و الرواية ، فوفق أي مبني فقهي أصولي يسوغ التأسيس لأحكام جاء الكتاب مؤكدا بأنه تم الفصل فيها ؟

أرجو المعذرة على تشعب الأسئلة وربما كبرها ، لكني مضطر للإثقال عليكم شيخنا الكريم كي يمكن الرد على أولئك المشككين بما يعزز الثقة بمتانة الفقه الإمامي و طرق الإستنباط المعتمدة فيه

جزاكم الله عنا خير الجزاء جناب الشيخ الجليل

دمتم في أمان الله

________________________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(في البداية تجدر الإشارة إلى أن الأستاذ يشير إلى ملف مرئي للسيد كمال الحيدري يستشكل فيه على الفقه المتداول و الفقهاء – كما ورد في السؤال ايضاً – بأن المحرمات في باب النكاح في سورة النساء محصورة في عدد معين و الآية تُغلق الباب علينا فلا يمكن إضافة غيرهن للحصر المستفاد من الآية ، بينما يذكر الفقهاء أكثر من ضعف المذكورات ) …

الجواب  :

وعليكم السلام و رحمة الله وبركاته و تقبل الله أعمالكم وبلغكم آمالكم  ..

الإجتهاد يتوقف على التخصص في جملة من العلوم – كالفقه والاصول والرجال والدراية و.. – والإشراف التام على جملة أخرى منها – كالعلوم العربية من النحو والصرف والبلاغة وكعلم المنطق إجمالاً و.. وهناك الكثير من الدقائق المتعلقة بفهم مقاصد الشريعة كما أن هناك ما يلزم الإطلاع عليه – وإن لم يكن دقيقاً – ليمكن فهم مراد الشارع المقدس، فلا يمكن فهم المقصود من العام أو المطلق إلا بعد الإطلاع على جميع المُخصِّصات والمُقَيِّدات مثلاً، كما لا يمكن الإفتاء حسب قاعدة عامة مُؤَسَّسَةٍ بدليل شرعي معتبر أو عقلي قطعي أو مُقْتَنَصٍ من أدلة شرعية معتبرة، إلا بعد فهمها في حد نفسها ومعرفة مصاديقها التي تنطبق عليها بالدقة كي لا يتم الخلط بين مصاديق قاعدة وأخرى و… (فمن الضروري أن يكون الفقيه عارفاً بالقواعد العامة بالدقة وبوجوه تمايز وتميُّز بعضها من بعض وبمصاديقها وعدم الخلط بينها كي يصدق عليه انه فقيه) ولهذا لا يمكن للفقيه ولا يتمكن أن يفتي بعموم أو إطلاق آية أو رواية ما لم يأخذ المذكورات أعلاه وغيرها من الدقائق المذكورة في مختلف العلوم و لا سيما علم أصول الفقه بعين الإعتبار – و سنشير إلى بعضها لاحقا إن شاء الله تعالى ..

وفيما يتعلق بالموضوع المشار إليه : ليس السيد الحيدري هو أول من يستشكل على الفقهاء في مسألة المحرمات بالرضاعة بل كان قبله من العلماء الراحلين قدس الله أسرارهم من يقول بانحصار المحرمات الرضاعية بالمذكورتين في الآية الكريمة – أي الأم المرضعة والأخوات من الرضاعة – بدليل أن الآية القرآنية لم تذكر غيرهما، إلا أن المشهور بين الفقهاء بل كاد أن يكون إجماعاً (إن لم نقل أن الإجماع محقَّقٌ بالفعل) أن نفس العناوين المحرمة بالنسب ( وحسب تعبيركم بالدم ) محرمة بالرضاعة أيضاً كالعمة والخالة و.. و ذلك استناداً إلى روايات متعددة صحيحة السند منها قولهم عليهم السلام : “يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب” المروي في مصادر العامة والخاصة وليست الرواية مختصة بالشيعة فقد رواها وأمثالها  أحمد بن حنبل في عدة مواضع من مسنده وكذا الدارمي في مواضع من مسنده وابن ماجة في سننه والبخاري في صحيحه و…

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو أنه لماذا نتمسك بالروايات مع وجود الآية ووضوح دلالتها، فنقول :

الدليل الشرعي لا ينحصر بالقرآن الكريم وإن كان هو الدليل الأول والأصل والمعيار لمعرفة الصحيح من السقيم من سائر الأدلة ولكن مع ذلك نقول أن الدليل هو الكتاب والسنة، وكذا العقل والإجماع إجمالاً، فإذا ثبت حكم شرعي بالسنة المباركة عن طريق روايات معتبرة ولم يكن ذلك الحكم مخالفاً للقرآن الكريم أخذنا به بل وجب الأخذ والتعبد به، وأما إذا كان مخالفاً له فالمخالفة يمكن تصورها و تصويرها بعدة صور، فقد يكون الحديث مخالفاً للآية بالتباين الكلي و قد يكون مخالفاً له بالعموم والخصوص (المطلق أو من وجه) أو بالإطلاق والتقييد، وقد يُتَوَهَّم التعارض والتخالف بينهما إلا أنه في واقع الأمر لا يوجد تنافٍ بينهما ويزول توهُّمُه بالدقة في مضامين الدليلين أو الأدلة و…

فإذا كان التخالف والتعارض بالتباين الكلي كأنْ يكون مدلول أحد الدليلين وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة ومدلول الآخر حرمتها فيه أو يكون مدلول أحدهما نجاسة شيء ومدلول الآخر طهارته، فهنا نقدم ما دل عليه الكتاب الكريم قطعاً وذلك لأحاديث العرض و أمثالها …

وأما إذا كان التعارض بالعموم و الخصوص أو بالإطلاق و التقييد ففي الواقع لا يوجد تعارض بينهما لوجود الجمع العرفي فإن العرف يحمل المطلق على المقيد كما يحمل العام على الخاص، فلو قال القرآن الكريم : “أقيموا الصلاة” وقال الدليل المعتبر الروائي أن صلاة الصبح ركعتان وكل واحدة من الظهرين والعشاء أربع ركعات والمغرب ثلاث، لم يكن بين ذلك المطلق وبين هذا المقيد تنافٍ فنقول أن مقصود القرآن ليس الإتيان بالصلاة كيفما اتفق بل الصلاة بهذا العدد في ركعاتها، كما أنه إذا جاءت رواية أو روايات معتبرة وبيّنت لنا كيفية خاصة للصلاة لم يتحقق التنافي بين الآية وبين الرواية فيكون مقصود الآية الصلاة بهذه الكيفية فلا يحق لأحد أن يصلي كيفما شاء بل يجب أن يلتزم بالكيفية التي دل عليها مجموع الأدلة، ونفس الأمر جارٍ في العام والخاص أيضاً فإذا قال : “أقيموا وجوهكم عند كل مسجد” و “خذوا زينتكم عند كل مسجد” ونهانا في آية أخرى أو رواية معتبرة عن دخول المسجد الذي اتُّخِذ ضراراً و تفريقاً بين المؤمنين، لم يكن بينهما تنافٍ فإن مقتضى الجمع العرفي هو حمل “كل مسجد” في تينك الآيتين على غير مسجد الذي اتُّخذ ضرارا …

ولكن أحيانا ليس هناك تنافٍ وتعارض بين الدليلين لا بالتباين الكلي ولا بالعموم والخصوص أو الإطلاق والتقييد حتى يحتاج إلى علاج بتقديم أحدهما على الآخر أو تخصيص أو تقييد أحدهما بالآخر، بل يتصور من لا إلمام له بالأبحاث التخصصية والقواعد العامة في أصول الفقه وسائر العلوم الدخيلة في عملية الإستنباط، يتصور أنهما متعارضا متنافيان ؛ وتوضيح ذلك إجمالاً :

أحياناً يكون دليل ما ناظراً إلى موضوع دليل آخر فيبين ذلك الموضوع أو يتصرف فيه بالتوسعة أو التضييق فيخرج بعض المصاديق التي كنا نراها مصداقاً للعام ويدخُل مصداقٌ آخر لم نكن نعلم أنه من مصاديقه وهذا ما يسمى في أصول الفقه بالحكومة و يقال أن الدليل الناظر إلى موضوع الآخر حاكم على ذلك الدليل الآخر (وله تفاصيل تحتاج إلى مجال أوسع لمعرفة الحكومة والتعرف على الفرق بينها وبين الورود والتخصص والتخصيص و لكن سأشير هنا إلى جوانب يسيرة بالتمثيل فأقول 🙂

ومثالاً على ذلك : إذا ورد دليل على وجوب إكرام كل عالم، فأحياناً يستدرك الشارع المقدس فيقول : “لا تكرم العالم الفاسق” فيخرج العالم الفاسق عن عموم العلماء الذين يجب إكرامهم، وهذا ما يسمى بالتخصيص .. وأحياناً نعلم أن زيداً من الناس ليس بعالم فيكون زيد خارجاً عن عموم العلماء ويقولون أنه خارج عن العموم تخصُّصاً فالموضوع (العلماء) بنفسه متخصص غير شامل لزيد ولا يحتاج زيد إلى التخصيص والإخراج عن عموم العلماء بدليل آخر، وأحياناً يأتي الشارع المقدس وبدليل آخر يوسع أو يضيق دائرة العلماء فلا يقول : “لا تكرم العالم الفاسق” بل يقول : “الفاسق ليس بعالم” فيضيّق دائرة الموضوع فيخرجه عن العلماء لا أنه يراه عالماً ولكن يخرجه عن الحكم وهو وجوب الإكرام بالدليل الثاني، كما أنه من الممكن أن يوسع دائرته فمثلاً يقول : “من يخشى الله تعالى فهو عالمٌ” فيَدخُل زيدٌ غير العالم (أي الذي لا نعتبره عالماً بحسب ما نفهمه من معنى و مفهوم العالم) في دائرة العلماء لأنه يخشى الله جل وعلا فيجب إكرامه مع انه بحسب الظاهر لا يعد عالماً ولكنه عالم في المنظور الشرعي إذ الخشية تنشأ من المعرفة والإيمان القلبي بعظمة الله تعالى فمن يخشى وإن لم يكن عالماً بالمصطلح العرفي للعلم والعالم ولكنه عالم بالمصطلح الشرعي لأنه عارف بعظمة الرب الجليل وقد نتج عن معرفتِه خشيتُه ..

و لأجل التوضيح الأكثر نذكر مثالاً آخر : نعلم باستحباب صلاة تحية المسجد عند الدخول فيه فالصلاة متعلَّق الحكم بالإستحباب وما نعرفه نحن من الصلاة هي الصلاة المعهودة المركبة من أجزاء وشرائط أولها بعد النية التكبير وآخرها التسليم – و لكن بالنسبة للبيت الحرام تقول الرواية أن : “الطواف بالبيت صلاة” فتوسِّع دائرةَ الصلاة لتشمل الطواف فإذا رأينا حجية تلك الرواية قلنا أن تحية المسجد الحرام هو الطواف لا الصلاة المعهودة، أو أن الطواف أيضاً تحية المسجد الحرام كما أن الصلاة المعهودة تحية له و ذلك لأجل كون الطواف صلاةً في نظر الشارع المقدس، و طبعاً يلزم ملاحظة جهة التنزيل فلا يمكن استفادة اشتراط جميع شرائط الصلاة في الطواف من تلك الرواية لأن تنزيل الطواف بمنزلة الصلاة كان من حيث كونه تحية المسجد الحرام لا من جهة شرائط الصلاة و سائر ما له دخل في تحققها أو صحتها ..

و تجدر الإشارة إلى أن القرآن الكريم لا يذكر جميع تفاصيل جميع الأحكام و الأخلاق و العقائد بل ما يذكره القرآن ( و المقصود ظاهره و إلا فباطنه يحتوي على جميع ما يحتاج إليه جميع المكلفين إلى يوم الدين ففي الخبر أنه : ما من أمر يختلف فيه إثنان إلا وفي كتاب الله أصله ولكن لا تبلغه عقول الرجال ) هو أصول وأمهات المسائل وأما التفاصيل فقد وردت في الروايات إما ببيان الجزئيات و الفروع و إما بإلقاء القواعد العامة ليقوم الأخصائيون بتطبيقها على مصاديقها على مرّ الزمن فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : ” إنما علينا أن نلقي عليكم الأصول و عليكم أن تُفَرِّعُوا ” و روي عن الإمام الرضا عليه السلام قوله : ” علينا إلقاء الاصول و عليكم التفريع ” …

كما أنها – أي الروايات – تفسر الآيات في كثير من الأحيان بالمصاديق الخفية أو الجلية أو العَلِيّة أو الخلافية من دون التطرق للمفهوم و المعنى اللغوي لما تريد تفسيره إما لوضوحه و خفاء انطباقه على المصداق الذي يبينه أو لأهميته من بين سائر المصاديق أو لأي سبب آخر  …

إذا تبين ذلك نقول : إن القرآن الكريم قد ذكر المحارم و من يحرم نكاحه بنسب أو سبب شرعي محلل كالنكاح الموجب لتحريم أُمّ الزوجة على الزوج و كذا الربيبة بقيد الدخول بأمها و .. فذكرهم بعناوينهم و جعل موضوع التحريم الأم و البنت و الاخت و العمة و … و لكن الروايات المعتبرة دلت على أنه : ” يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ” بألسنة مختلفة كما سبقت الإشارة إليه ، فهذه الروايات لا تعارض و لا تُنافي الآية بل هي ناظرة إلى موضوع الحكم لأنها بصدد توسعة دائرته فتبين لنا أن البنت و العمة و الخالة و .. لا تنحصر بالبنت و العمة و الخالة من النسب بل تشمل من كانت بنتاً أو عمة أو خالة بالرضاعة ايضاً ، فكما أن العالم غير العامل – بدليل تضييق دائرة العالم في دليل آخر – ليس بعالم في منظور القرآن الكريم و الروايات حيث قال تعالى : ” إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ ” فإذا لم يخش الله و لم يعمل بعلمه فليس بعالم بل يدخل في عموم قول أمير المؤمنين عليه السلام : ” و آخر قد تسمّى عالماً و ليس به ” ، و كما أن الطواف بالبيت يعد صلاة بتوسعة دائرتها ، كذلك المرتضعة من زوجة الرجل بنتٌ له فيحرم نكاحها و كذا العمة و الخالة و بنات الأخ و الأخت و .. من الرضاعة ، فالآية بدليل الروايات المعتبرة شاملة لنفس تلك العناوين المذكورة في الآية و لكن من الرضاعة فلا تعارض في البين حتى يقال أن الآية قد حصرت المحرمات في المذكورات فيها فلا يمكن التعدي إلى غيرهن ، حيث أننا لا نحتاج إلى التعدي إلى غير ما ورد في الآية إلا أنه يجب معرفة المقصود من موضوع الحكم ( العناوين التي حُمل عليها حكم التحريم ) ..

كما أنه يمكن أن يقال أنه لو قلنا بأن الآية تحصر المحرمات و المحارم في المذكورات – و هو في رأي هذا القاصر ليس قطعياً بل هو محل بحث و نقاش كما ستاتي الإشارة إليه و لكن لو قلنا بالحصر : – فالحصر إضافي و ليس حقيقياً بمعنى أنه تنحصر المحارم و المحرمات في البنات و العمات و الخالات و .. بالإضافة إلى من ليس له أية علاقة بالرجل – و في صورة العكس : بالمرأة – لا نسبية و لا رضاعية و أما إذا كانت له علاقة بالإرتضاع – بشروط خاصة مذكورة في الفقه كنبات اللحم أو شدّ العظم بذلك اللبن أو إرضاع يوم و ليلة أو خمسة عشر رضعة أو عشر رضعات على الخلاف في الأخيرين ، و أن يكون الرضاع في الحولين و أن يكون من لبن فحل واحد و أن لا يفصل بين الرضعات برضاعِ أخرى و .. – لم يكن خارجاً عن تلك المحرمات إذا انطبق عليه أحد تلك العناوين كعنوان الأم أو البنت أو العمة أو ..

أضف إلى ذلك أنه يمكن القول – كما مرت الإشارة إليه – بأنه ليس من المقطوع به أن الآية بصدد حصر المحرمات في المذكورات بل من الممكن أن تكون المذكورات من أوضح مصاديق المحارم و من يحرم نكاحهن في الشريعة المقدسة فتذكر الآية تلك المصاديق ثم تذكر قاعدة عامة هي حلية ما وراء ذلك فتكون دلالتها على حلية جميع من لم تذكره الآية بالعموم ، و العام ظاهر في العموم و ليس نصاً آبياً عن التخصيص فتأتي الروايات المعتبرة و تخصص هذا العام ( أي قوله تعالى : و أحل لكم ما وراء ذلكم ) و لهذا – أو لأجل كون الحصر إضافياً أو لكلا الأمرين – نجد أن القرآن الكريم يذكر مورداً آخر ممن يحرم نكاحه من النساء و الرجال – بناء على دلالة الآية التي سنشير إليها على التحريم و هو محل بحث إلا أن الظاهر تمامية دلالتها و لا أقل من أن الإحتياط يقتضي المصير إلى ما هو ظاهر الآية و لهذا و غيرِه احتاط البعض – و هو الزاني و الزانية غير التائبين في قوله تعالى في سورة النور : ” الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة و الزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك و حُرّم ذلك على المؤمنين ” و نحن نعلم بأن جواز زواج المسلم من المشركة ، أو المسلمة مع المشرك منسوخ فلا يجوز للمسلم مهما كان زانياً أن يتزوج بالمشركة و كذا العكس و هذا ما يستفاد من عموم آية أخرى أيضاً و هي قوله تعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَ آتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَ لَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَ اسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَ لْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ” الممتحنة : ١٠

فهذه الآية مضافا إلى دلالتها على أن النساء اللاتي يحرم نكاحهن لا ينحصرن بالمذكورات في آيتي سورة النساء ، تدل على أن ما دلت عليه آية سورة النور من نكاح الزاني المسلم من المشركة أو العكس منسوخ إما بنفس آية الممتحنة إذا ثبت أنها نزلت بعد النور أو بأي دليل آخر  ، فإذا خرج المشرك و المشركة بقي الزاني و الزانية غير التائبين لعدم وجود ناسخ لهما فيحرم نكاح المسلم للزانية و كذا العكس و لا أقل من اقتضاء الإحتياط لذلك و لذلك تفصيل يُطلب من محله ..

فذِكرُ محرمات أخرى في القرآن الكريم غير المذكورات في سورة النساء دليل قاطع على أن أية النساء ليست بصدد الحصر الحقيقي بل تذكر لنا مصاديق المحرمات ثم تذكر قاعدة عامة لمن يحل نكاحها من النساء فتُخَصَّص تلك القاعدة بآيات أخرى فتدخل نساء أخريات غير المذكورات في سورة النساء فيمن يحرم نكاحهن فيدل ذلك على أن المحرمات لا ينحصرن في المذكورات فإذا دل دليل معتبر من الروايات على تحريم مصاديق أخرى كان على الفقيه الإلتزام بمقتضى ذلك الدليل ..

موفقين لكل خير و لا تنسوني من صالح دعواتكم الكريمة

أيوب الجعفري

https://telegram.me/ayoobaljafary