هل المثلية الجنسية فطريةٌ ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك إشكال يُثار حول المثلية الجنسية
وحاصلها : أنّ هذه الميول والرغبة تولد مع الإنسان ، و ليس لها علاقة بالمحيط والظواهر الإجتماعية وإلا لما كانوا في كل بلدان العالم تقريبا ، في المحيطات المكبوتة والمحيطات المفتوحة جنسياً بل وقبل التاريخ أثناء العالم القديم كان هناك مثليين وما أشبههم ، ولذلك الآية التي تقول : ما سبقكم بها من أحد من العالمين ، تحتاج لتأويل .. إذن هذه الميول شئ هرموني بالتأكيد كما قيل ، أو سيكولوجي و جيني و ما شابه بشكل ثانوي .
حقيقة المشكلة : أنّ كل الأديان الإبراهيمية إلا ما شذ من جماعاتها تعترف وتقر بتحريم كل ما يتعلق بالمثلية وتعاقب أصحابها بأشد العقوبات ويعللون ذلك بكونها خلاف الفطرة وما شابه
ولكن قرار التحريم هذا يتعارض مع الطبيعة التي خلقت هذا الإنسان والتي تشدّه نحو هذه الميول وليس بإختياره ذلك ، وليس من المنصف القول أن الواجب بمن فيه هذه الميول عدم إظهارها ، فهذا يتعارض مع كون الأسلام دين آتي لموازنة الحياة الفردية والاجتماعية ، فهنا تضحية بالحياة الفردية لحساب الإجتماعية وليس بنحو شئ من العقلائية ..انتهى
فما تقولون شيخنا في هذا الإطار ؟ إذ نستطيع إنهاء الإشكال من أصل بالنظر لما تقوله الفلسفة إن كان لها رأي في هذا الموضوع
_________
[١٦/١٢ ١:١٨ ص] ايوب الجعفري : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
يبدو أن القائل قد التبس عليه الأمر حيث أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات ، و ما اكتسبه الإنسان بسوء اختياره و حوّله إلى طبيعة ثانوية لنفسه مكان ما جُبِّل و فُطِرَ عليه ، حيث أن من المعلوم أن المثلية ليست أمراً فطرياً قد جُبِّل عليه الإنسان بما هو إنسان و إلا لما شذّ عنه أيّ إنسان و لكان جميع أفراد البشر – بلا استثناء – يميلون إلى مثلهم كما أن جميع أفراد البشر يحبون الكمال و يحبون الحرية و إذا تعارض الكمال مع الحرية فنفس فطرتهم تميل إلى تقييد تلك الحرية كما بينا ذلك في مبحث الحجاب في بعض المكتوبات ، في حين أن من يميل إلى ذلك هو الشاذ الخارج عن القاعدة حيث أن غالبية أفراد البشر في جميع العصور إذا كان فيهم ميل جنسي فإنما يكون ذلك الميل إلى الجنس المخالف إلا الشاذ النادر الذي أصبح يميل إلى المثل جراء عمله المخالف لطبيعته و تكراره المؤدي إلى تحول ذلك إلى طبيعة ثانوية كما في جميع الخصال التي تتحول بالعمل بها و بتكرار ذلك العمل إلى طبيعة ثانوية مخالفة للفطرة الاولية ، و لا يمكن أن يكون الأمر الفطري بالفطرة الأولية امراً شاذاً و نادراً ..
و أما وجود المثليين في جميع المجتمعات البشرية فنقول أن مجرد وجود هؤلاء في جميع المجتمعات – إن سلمنا به – لا يدل على أن المثلية الجنسية من الأمور الفطرية لأن الفطري لا يشذ عنه أحد إلا بالشذوذ عنه بالعمل على خلاف السجية و ليس الفطري هو الشاذ الذي لا يتصف به إلا الشاذ من كل مجتمع .. فلا معنى لتأويل آية من القرآن تحكي مخالفة قوم لوط لجميع البشرية قبل ذلك العصر في هذا الأمر، فهذه الآية مضافاً إلى سائر مدلولاتها تدل على عدم وجود ظاهرة المثلية بالشكل الذي كان موجوداً في قوم لوط عليه السلام خلافاً لما ادّعاه صاحب هذه الدعوى ..
هذا، مع أن القرآن و جميع الأديان الإبراهيمية كما يعترف به هذا القائل بل و غير الإبراهيمية تحرّم هذا العمل الشنيع و قد صرح القرآن نفسه أن الله تعالى قد فطر الناس على الدين فقال : “فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله” و إجمال الكلام في هذا المجال هو أن الفطرة خلاصة الدين كما أن الدين تفصيل الفطرة، فلو كان الدين فطرياً بل هو نفس الفطرة و قد حرّم نفس هذا الدين كلَّ ما يتعلق بالمثلية تبين لنا أن المثلية خلاف الفطرة و إلا لما حرمها الدين المبتني على الفطرة بل هو الفطرة بعينها ..
ثم إنه عندما يقول أنه يلزم تأويل الآية التي تدل على أن قوم لوط كانوا يفعلون بما لم يسبقهم به أحد من العالمين، يدل كلامه هذا على أنه يقبل القرآن إلا أن هذا الأمر يحتاج إلى تأويل فنقول له أن الآية واضحة الدلالة و صريحة في نقل أمر تاريخي و ليست بصدد بيان أمر اعتقادي ينافي العقل و القواعد العقلية أو الأحكام الشرعية حتى يحتاج إلى تأويل ..
مضافاً إلى أنه اعترف بأن الأديان الإبراهيمية قد حرمت هذا الأمر فهل علينا أن نأوّل هذه الآيات المُحَرِّمَةَ لكل ما يتعلق بالمثلية أم لا؟ فإن قلتم بلزوم التأويل فقد ناقضتم أنفسكم حيث أنكم أثبتم الحرمة من قِبل الأديان الإبراهيمية ثم نفيتم التحريم بالقول بلزوم التأويل و ذلك لأن تأويلَ أمرٍ ما و تفسيرَه على خلاف ظاهره يعني أن ظاهره غير مقصود، و إذا لم يكن الظاهر و هو تحريم كل ما يتعلق بالمثلية مقصوداً كان معناه أن الدين لم يحرم تلك الأمور و قد أثبتّم قبل ذلك أن الأديان الإبراهيمية قد حرّمَتْها و ادّعيتم أن المشكلة كامنة في نفس هذا التحريم ..
و إن قلتم انه لا يلزم التأويل – أي تأويل الآيات و سائر الأدلة الدالة على تحريم أمثال اللواط و السحاق – فنقول إما أنكم تؤمنون بكون الأديان الإبراهيمية أدياناً سماوية نازلة من قِبَل الله تعالى أو لا تؤمنون بذلك، فإن كنتم لا تؤمنون بسماويتها لزم الدخول في مبحث آخر و هو إثبات كونها سماوية أو عدم كونها كذلك و بعد الوصول إلى النتيجة القاطعة لم يكن هناك داعٍ للتأويل لأنه مع إثبات سماويتها سنذكر نتيجته في الشق التالي، و أما مع إثبات عدم سماويتها فما النفع و الفائدة في تأويل ما ليس من الله تعالى بل هو نسيج فكر بل اوهام البشر .. و إن كنتم تؤمنون بكونها – أعني الأديان الإبراهيمية – سماويةً إلهيةً فهل يمكن القول بأن الذي خلقنا و فطرنا على شيء قد كلّفنا بما يخالف تلك الفطرة التي فطرنا عليها و قد قال أن الدين أمر فطري، نعم لو كان المُشَرِّعُ غيرَ الخالق المُكَوِّنِ لأمكن القول بأنه يمكن أن نُكَلَّف بما يخالف فطرتنا لأن ألمُشَرِّع الذي كلفنا بذلك غير المكوِّن الخالق لنا و الذي فطرنا على تلك الفطرة – مع أن التكليف بما يخالف الفطرة مع عدم وحدة الخالق و المشرع أيضاً قبيح لأن المشرع حكيم كالمكوِّن و القبيح ممتنع الصدور من الحكيم بالذات و على الإطلاق كما هو مبيَّنٌ في محله – إلا أن الخالق الفاطر هو نفس المشرع فلا يمكن أن يكلفنا بما ينافي ما فَطَرَنا عليه و قد أخبرنا بان دينه مبني على الفطرة فلا يمكن أن يكون تحريم المثلية على خلاف الفطرة ..
موفقين لكل خير
أيوب الجعفري
ليلة السبت ٢٧ ربيع١ ١٤٣٩ ه ق
الموافق ١٦ / ١٢ / ٢٠١٧ م