هل يصح خطاب زينب الكبرى عليها السلام بالصبور ؟
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سماحة الشيخ
حينما يقال ” السلام على قلب زينب الصبور ولسانها الشكور”
هل من الأفضل القول إنها لم تصبر فقط بل هي وصلت لمقام الرضا ، فكانت راضية مرضية بدل صبرها على المصيبة أو الطاعة؟ وهل هذه العبارة نقصان في حقها ومقامها؟
_________
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
لا يعد ذلك نقصاً فإن الصبر أيضاً من مراتب الإيمان العالية ، و درجاتُ الكمال تشكيكية و بطريق اللبس بعد اللبس لا اللبس بعد الخلع بمعنى أن الواجد لكمال أعلى ليس فاقداً للكمال الأدنى فالواصل إلى درجة اليقين واجدٌ لدرجة التسليم أيضاً ، كما أن الواصل لدرجة التسليم واجدٌ لدرجة الرضا أيضاً – إذا قلنا بأن التسليم أعلى من الرضا كما هو الأصح في قاصر نظر هذا القاصر ، و إلا انعكس الأمر بمعنى أنه إذا قلنا بأن الرضا أعلى من التسليم كما عليه البعض كان الواصل لمقام الرضا واجداً لمقام التسليم أيضاً – ، و الواصل لدرجة الرضا واجد لدرجة الصابرين أيضاً و … فلا ضير في أن نقول للواصل إلى مرتبة الرضا : ” السلام عليك أيها الصابر .. ” كما نقول في زيارة أبي الفضل العباس عليه السلام : ” فجزاك الله عن رسوله و عن أمير المؤمنين و عن الحسن و الحسين أفضل الجزاء بما صبرت و احتسبت ..” هذا و قد قال أمير المؤمنين عليه السلام عن نفسه في قضية الخلافة : ” صبرت و في العين قذى و في الحلق شجا .. ” كما ورد في بعض زيارات أبي عبد الله الحسين عليه السلام : ” … و جاهدت في الله حق جهاده و صبرت على الأذى في جنبه ” و كم لذلك من نظير ..
فسیدتنا العظيمة زينب الكبرى سلام الله عليها قد وصلت درجة الرضا والتسليم بل وفوق الرضا والتسليم ومع ذلك لا مشكلة في مخاطبتها بما يدل على صبرها فإن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فكما لا حياة بل لا بقاء للجسد بلا رأس كذلك لا حياة للإيمان بل لا بقاء بل ولا وجود للإيمان بلا صبر بمعنى أن الصبر من مقومات الإيمان و أركانه الأساسية لأنه يدل على معرفة الصابر بالله تعالى وبحكمته وبتدبيره الحكيم لشؤون الكون ومن جملته هذا الإنسان الصابر فلو لم يكن البلاء في مصلحته لما ابتلي به ولولا أن طاعة رب العالمين في صالحه لما كُلِّفَ بها ولولا أن المعصية مضرة بسعادة الإنسان وعائقة بل ومانعة أحياناً من نيل الكمال والوصول إلى الغاية التي من أجلها خُلِقَ وكُلِّف لما نهاه الله عن ارتكابها، فالصبر يدل على أن العبد عارف بربه و بحكمته وعلمِه بالمصالح العائد نفعُها إلى العباد أنفسهم كما أنه – أي الصبر – دالٌّ على رضا الصابر بقضاء الله وقدره مضافا الى أن صبره على الطاعة وعن المعصية دليل عملي على ترسخ الإيمان في قلبه و أن الإيمان مبثوث في جوارحه كجوانحه، فصبره حياةُ إيمانِه و من دونه لا حياة له بل لا وجود له ولهذا نجد أن القرآن والسنة المباركة يشيران إلى ترتب آثار وبركات عظيمة على الصبر وهذا ما يحتاج إلى فتح موضوع مستقل لبيان وتحليل وتفسير مفهوم الصبر وحقيقته وبركاته والحكمة في ترتبها عليه، و عَلَّنا نُوَفَّق لذلك في فرصة أخرى …
وفقنا الله وإياكم للخير والصلاح والسير نحو السعادة والفلاح بحق محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين ..
أيوب الجعفري
ليلة الثلاثاء ٢ ربيع الأول ١٤٣٩ ه ق
الموافق ٢١ / ١١ / ٢٠١٧ م