التفكر في ذات الله تعالى :
سلام عليكم شيخنا العزيز ، كيف حالكم ..
ما المقصود بالتفكر في ذات الله ؟
وهل يجوز التفكر في ذات الله ؟
مع الشرح والتعليل
_________
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
المعرفة أساس الدين وهي الهدف الأعلى للتكوين و التشريع ولكن المعرفة بالله تعالى إنما هي معرفته بالأسماء والصفات والأفعال والآيات وأما الذات الإلهية فلا يجوز التفكر فيها لأنها غير قابلة للإدراك لكونها غير متناهية ولا حدود لها وما ليس بمتناهٍ لا يمكن أن يُقْتَنَصَ ويُكْتَنَهَ بالمتناهي، وجميع عقول جميع البشر بل جميع المخلوقات محدودة متناهية فلا يمكنها – ولو اجتمعت – أن تَكْتَنِهَ الذات المتعالية غير المتناهية فإدراكها مستحيل وإذا تصورنا شيئاً على أنه الله تعالى فقد تصورنا غيره وجعلناه – أي ذلك الغير – هو الله تعالى عن ذلك علواً كبيراً وقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال : “كل ما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق لكم – مصنوع مثلكم – مردود إليكم” وهذا هو السر في النهي عن التفكر في ذات الله تعالى حيث يستلزم جعل مخلوق الذهن إلهاً خالقاً، نعم روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال “أفضل العبادة إدمان التفكر في الله وفي قدرته” و لكن المقصود من التفكر في الله هو التفكر في صفاته وأفعاله وأسمائه لا ذاته جل وعلا فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال : “إياكم والتفكر في الله، ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظم خلقه” ( و قد فسرها المرحوم رفيع الدين محمد بن حيدر النائيني بقوله : فإنه أجلّ من أن يوصَفَ بعظمةٍ مُدْرَكَةٍ بالعقول فلا يمكن أن يُنظر إلى عظمته فإنه إنما يُنْظَرُ إلى ما يُدْرَك فالنظر إلى عظمته لا يمكن إلا بأن يُدرَك عِظَمُ خلقه ويُنظَر إليه ويُعلَم أنه أعظم من أن يوصَف بعظمة يوصَف به خلقه ) … و قد يكون قوله عليه السلام في الرواية السابقة : “وفي قدرته” إشارة إلى أن التفكر في الله يعني في صفاته فذكر عليه السلام مثالاً بارزاً من صفات الله تعالى وهي صفة القدرة ولكن لا من حيث اتحادها بالذات المقدسة حيث أنه من هذا الحيث لا يمكن إدراكها لأنها عين الذات غير المتناهية فيكون داخلاً في النهي عن التفكر في الذات المتعالية لأنها عين الذات مصداقاً فهي غير متناهية، فيجوز التفكر في مفهوم القدرة الإلهية وسعتها وتعلقها بكل شيء والإنتقال بذلك إلى معرفة أصل عظمته لا كنهها أي معرفة كونه عظيماً و أما كنه و حقيقة هذه العظمة فلا يمكن اكتناهها و معرفتها … وكذا بالنسبة للعلم وسائر الصفات الذاتية لله جل جلاله .. مضافاً إلى الصفات الفعلية وأسمائه الحسنى وأفعاله التي هي في نفس الوقت آياته الدالة عليه و ..
وطبعاً هناك أبعاد معرفية أعظم من ذلك قد أشرنا إليها في بعض أجوبتنا ..
موفقين لكل خير محروسين من كل سوء و شر
أيوب الجعفري
ليلة الجمعة ١٣ صفر المظفر ١٤٣٩ ه ق
الموافق ٣ / ١١ / ٢٠١٧ م