هل يمكن أن يكون غير الله تعالى كافياً ؟
سلام عليكم و رحمة الله و بركاته
سؤال :
ما رأيكم فيما ورد في الدعاء المعروف من طلب الكفاية من النبي و أمير المؤمنين عليهما السلام ؟ ألا يعني ذلك جعل غير الله تعالى كافياً في المهمات و قضاء الحاجات مع أن الله هو الكافي لا غيره ؟
__________
الجواب :
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
ما ورد في الدعاء المعروف بدعاء الفرج – و هو قولنا في الدعاء المذكور : ” يا محمد يا علي، يا علي يا محمد اكفياني فإنما كافيان و انصراني فإنكما ناصران ” – لا ينافي الأصول و القواعد العامة في العقيدة و الفقه، أما النصرة فواضح و لا يحتاج كونهما عليهما السلام ناصرين إلى بيان و إقامة برهان بعدما طلب الله من عموم المؤمنين أن ينصروا دينه بل وعد من ينصره جل و علا بان ينصره هو جل جلاله كما قال عز من قائل : ” إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم ” …
و أما كفايتهما في المهمات و قضاء الحاجات فصحيح أن الله تعالى هو الكافي و هو من أسمائه جل و علا إلا أن الإنسان الكامل من مظاهر صفات الله تعالى بل هو المظهر الأتم و الأكمل لصفاته العليا و الأسماء الحسنى بل هو بنفسه من الأسماء الحسنى – كما سنشير إليه – و من المعلوم أن أهل البيت عليهم السلام و في مقدمتهم رسول الله و من ثم أمير المؤمنين صلوات الله عليهما و آلهما الطيبين الطاهرين، من أصدق مصاديق الإنسان الكامل الذي أصبحت قابلياتُه الروحانية كمالاتٍ فعلية .. ، فهما و آلُهما الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً أتم مظاهر صفات الله العليا و أكمل و أجلى مصاديق أسمائه الحسنى – كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : ” نحن و الله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا ” و قد بيّناه مختصراً في بعض الأجوبة – و من جملة تلك الأسماء أو الصفات هو ” الكافي ” ، فإذا كان الإنسان الكامل هو الإسم الكامل لله تعالى لأنه الآية الكبرى الدالة على الله و على صفاته العليا و هو المظهر الأتم لها و للأسماء الحسنى، فكفايته في حقيقة الأمر كفاية الله تعالى لا غيره و إذا قلنا أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أمير المؤمنين عليه السلام كافيان رجع إلى أن الله هو الكافي لأنهما مظهر اسم الكافي فتظهر كفايته تعالى فيهما عليهما السلام و إذا قلنا “فإنكما كافيان” رجع إلى أن الله تعالى هو الكافي ..
و من جهة أخرى بناءً على التوحيد الأفعالي الذي يقول “لا مؤثر في الوجود إلا الله”، جميع الأفعال الصادرة من الخلق أجمعين إنما تصدر بإذن الله تعالى أي بتميكنه و بقدرته الممنوحة من قِبله لعباده بقَدَر قابليتهم و سعتهم الوجودية؛ و بطبيعة الحال : الإنسان الذي لم يتدرج مدارج الكمال ليس فيه قابلية و لا يتمكن من أن يصبح كافياً لعدم صيرورته مظهراً لأسماء الله الحسنى و صفاته العليا لعدم كونه ذا سعة وجودية يتمكن بها من التحقق بالأسماء الحسنى و الصفات العليا فلا يكون كافياً لتكون كفايته كفاية الله تعالى، نعم جميع أفعاله التي يتمكن منها أفعالٌ لله تعالى مع أنها أفعاله نفسه – و لكن بنحو الطولية لا أنهم في عرض الله تعالى بحيث يكون فعلهم فعل الله بنحو المشاركة أو غيرها فإن ذلك شرك قد تنزه الله تعالى عنه، بل الله يمنح القدرة و الإرادة و غيرهما من مقومات صدور الأفعال، و العبد يفعل ما يفعل بتلك القدرة و الإرادة و تلك المقومات و .. – كما قال تعالى : “فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى” و أما الإنسان الكامل المتمثل في النبي و الأولياء المعصومين عليهم آلاف التحية و الثناء الذين بلغوا من الكمال ما يجعلهم متحققين بأسماء الله الحسنى و صفاته العليا، فكفايتهم كفايته جل و علا و ليست كفايتُهم كفايتَهم أنفسهم و بالإستقلال فإذا قلنا : “يا محمد يا علي ، يا علي يا محمد اكفياني” ففي الواقع نطلب من الله تعالى أن يكفينا و لكن عن طريق أوليائه الطاهرين فهم وسائط الفيض الإلهي و وسائل الكفاية الربانية يكفون مَن دونهم من العباد بإذن الله تعالى و قدرته جل و علا و الكفاية بإذن الله كفاية الله ..
و من جهة ثالثة نتمكن من القول بأن قولنا : “اكفياني فإنكما كافيان” من مصاديق التوسل المأمور به في القرآن الكريم حيث قال تعالى : “و ابتغوا إليه الوسيلة” فإذا قلنا : “يا محمد يا علي ؛ يا علي يا محمد اكفياني فإنكما كافيان” ففي حقيقة الأمر نطلب منهما أن يسألا الله تعالى أن يكفينا ما أهمنا أو أننا نسأله جل و علا أن يكفينا بحقهما ..
موفقين لكل خير
أيوب الجعفري
ليلة الخميس ١٩ صفر المظفر ١٤٣٩ ه ق
الموافق ٩ / ١١ / ٢٠١٧ م