أيوب الجعفري:
إعادة نشر بعد التكميل
شبهات و ردود نحوية في القرآن :
المستفسر المحترم :
السلام عليكم شيخنا الجليل
هناك من يدعي أن القرآن فيه آيات نحويا خطأ و غير صحيح فنرجوا إبداء رأيكم :
كلام المستشكل :
كما وعدتكم هنا بعض أخطاء نحويه في القرآن.
سورة الجن الآيه ٢٣
التوبة ٦٢ و ٦٩
الأعراف ٥٦
البقرة ٢١٨
الشوره ١٧
الأحزاب ٦٣
_____________________________
[٢٥/١ ٤،٤٣ م] ayoob j:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
المفروض أن يذكر الإشكال النحوي في الآيات المذكورة كي يتم الجواب بشكل دقيق إلا أنه يمكن معرفة شبهات المستشكل بالمراجعة إلى الآيات المشار إليها في كلامه ، فنقول في الجواب :
* سورة الجن ٢٣ : لم أجد في الآية المذكورة ما ينافي القواعد النحوية إلا ما قد يُتَوَهَّم من تبديل المفرد إلى الجمع في قوله تعالى : ” و من يعص الله و رسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً ” فإن كان هذا هو المقصود فلا ينافي القواعد النحوية لأن الإفراد في قوله ” و من يعص الله و رسوله فإن له .. ” باعتبار لفظ ” من ” الموصولة لأن لفظ “مَن” الموصولة مفردٌ ، و الجمع في قوله تعالى : ” خالدين فيها ” باعتبار معنى “من” الموصولة حيث أن إسم الموصول مع صلته يدل على القاعدة المنطبقة على الكثيرين فإذا قلنا : ” من جاءني فسأكرمه ” كان لفظه مفرداً و لكنه جمعٌ في المعنى لأنه بصدد ذكر قاعدة للإكرام و لهذا يصح أن نقول من جائني فسأكرمهم ” .. كما ذكره علماء النحو في الكتب النحوية المفصلة و أشار إليه بعض المفسرين ..
* التوبة ٦٢ : إن كان المقصود إرجاع الضمير المفرد إلى الله و رسوله في قوله تعالى : و الله و رسوله أحق أن يرضوه ” فهو ليس من إرجاع الضمير المفرد إلى المثنى بل مرجع الضمير هو الله تعالى فقط تأكيداً على التوحيد فإن الواجب هو إرضاء الله تعالى و أما الرسول صلى الله عليه و آله و سلم فهو راض برضا الله تعالى ، كما أن الرسول وصف فالحكم متعلق بهذا الوصف أي وصف الرسالة فالرسول بما هو رسول لا شأن له إلا الرسالة من الله تعالى فلا استقلالية له في مسألة الإرضاء فليس له صلى الله عليه وآله وسلم مطلوب سوى دعوة الناس إلى طاعة الله و إرضائه تعالى و لهذا أفرد الضمير لئلا يُشْرِكَ أحداً بالله تعالى في الإرضاء ، و قد ذكر الرسول قبل ذلك لئلا يتوهم أحد أنه يتمكن من إرضاء الله تعالى من دون الرجوع إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم في معرفة التكاليف الشرعية – بمختلف جوانبها – فإنه رسولٌ فهو الحامل لوحي الله تعالى فيجب طاعته صلى الله عليه و آله و سلم بما هو رسول من قِبَل الله ليرضى من أرسله إلينا …
* التوبة ٦٩ : لم أجد فيها ما يخالف القواعد النحوية ، و إذا كان المقصود تبديل الضمير من الخطاب إلى الغيبة في قوله جل و علا : ” .. فاستمتعوا بخلاقهم كما استمتعتم بخلاقكم .. و خضتم كالذي خاضوا ، أولئك حبطت أعمالهم .. ” فهو من باب الإلتفات الذي يعد من المحسنات في علم البلاغة و ليس مخالفاً للقواعد النحوية بل هو من جمال العبارة الأدبية و بلاغتها و قد ورد ذلك في الكلام العربي الفصيح كما ورد في القرآن كثيرا و لا ينحصر بهذا المورد فإنه – أي الإلتفات – على أقسام فقد يُلتَفَتُ من الخطاب إلى الغيبة أو العكس و قد يُلتفَت من التكلم إلى الخطاب أو العكس و قد يُلتفَت من التكلم إلى الغيبة أو العكس ؛ و قد لا يكون المستشكل ملتفتاً إلى الإلتفات الوارد في سورة الحمد أيضاً حيث أن قوله تعالى : ” إياك نعبد و إياك نستعين ” من موارد الالتفات فإنها – أي هذه الآية – قد جاءت بعد أسماء ظاهرة و هي : الله – الرحمن – الرحيم – مالك ، و من المعلوم أن الأسماء الظاهرة غائبةٌ فنقول مثلاً : زيد هو الذي فعل كذا ، و لا يقال زيد انت الذي فعلت كذا ما لم يكن زيد منادى ، فهذه الاسماء غُيّبٌ و مع ذلك قال جل و علا بعدها : إياك نعبد و .. فالتفت من الغيبة إلى الخطاب ..
و من جملة الأمثلة قوله تعالى : ” إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك و انحر ” فالتفت من التكلّم إلى الغيبة فلم يقل : فصل لنا و إنحر ليكون مطابقا لقوله تعالى :” إنا أعطيناك” بل التفت إلى الإسم الظاهر ( لربك) الذي يعد غائباً ..
و منها قوله جل جلاله : ” حتى إذا كنتم في الفلك و جرين بهم ” فالْتَفَتَ من الخطاب ( كنتم ) إلى الغيبة ( بهم ) و لم يقل : و جرين بكم .. و منها قوله تبارك و تعالى : ” الله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه ” فالْتَفَتَ من الغيبة ( الله الذي أرسل ) إلى التكلم ( فسقناه ) و لم يقل : فساقَهُ .. و غير ذلك من الموارد الكثيرة الواردة في القرآن و الكلام البليغ العربي بل و غير العربي أيضاً ..
* الأعراف ٥٦ : لا يوجد في هذه الآية أيضاً ما يخالف القواعد النحوية و إذا كان المقصود كون تاء الرحمة في قوله تعالى : ” إن رحمت الله قريب ” مفتوحة فذلك من رسم الخط القرآني و هو من كتابة الكُتّاب فالقرآن لم ينزل بشكل كلمات في أوراق بل قد نزل على قلب النبي صلى
الله عليه و آله و سلم و كان صلوات الله عليه و آله يملي الآيات على الناس فيكتبها كُتّابُ الوحي ” و قد كتبوها بهذه الطريقة و لم يغيرها من جاء بعدهم من المؤمنين حرصاً على الحفاظ على القرآن كما ورد و كما كتبه المؤمنون في الصدر الأول ، و قد استفاد البعض من ذلك صيانة القرآن من التحريف حيث كانوا حريصين على صيانته فلم يغيروه حتى في رسم الخط و بقي بهذا الشكل إلى يومنا هذا ..
و أما إذا كان المقصود كون لفظ “قريب” مذكراً مع أنه خبر ل”إن” التي اسمها “رحمة” و كان من المفترض أن يقول : إن رحمة الله قريبة ؛ فالجواب هو أن “رحمة” مصدر و لا يُتعامَل مع المصدر معاملة المؤنث و إن لحقته التاء المربوطة فيجوز إرجاع الضمير المذكر إليه أو الإشارة إليه باسم الإشارة المذكر كما في قوله تعالى : ” و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك و لذلك خلقهم ” فقوله تعالى “و لذلك” إشارة إلى الرحمة المستفادة من قوله جل و علا : “إلا من رحم” ( و قد ورد في بعض الروايات أن المقصود : و لرحمته خلقهم ) ..
* البقرة ٢١٨ : يبدو أن الإشكال نفس الإشكال و هو كون التاء في رحمت مفتوحة ، فالجواب نفس الجواب ..
* الشورى ١٧ : إذا كان المقصود قوله تعالى : ” لعل الساعة قريب ” حيث ذُکِّرَ ” قریب ” مع كون الساعة مؤنثاً مجازياً فالجواب هو أن هناك مقدَّراً – محذوفاً – في الكلام و هو لفظ الإتيان أو المجيء أي : ” لعل إتيان أو مجيء الساعة قريب ” أو أن المقدَّر هو فاعلُ قريب أي : ” لعل الساعة قريبٌ مجيؤُها ” فالقريب هو إتيان و مجيء الساعة ..
* الأحزاب ٦٣ : يبدو أن الإشكال نفس الإشكال حيث ورد في هذه الآية أيضاً قُرب الساعة بلفظ المذكر حيث قال عز من قائل : ” و ما يدريك لعل الساعة تكون قريباً ” فالجواب نفس الجواب أي أن الساعة تكون قريباً مجيؤُها ؛ و هناك احتمال آخر في هذه الآية و هو أن لا يكون قوله تعالى (تكون) من الافعال الناقصة التي تدخل على المبتدا و الخبر فتجعل المبتدأ اسماً لها و الخبر خبرا لها – و كان الناقصة تدل على ثبوت شيء لشيء كثبوت العلم لزيد في قولنا : كان زيد عالماً – بل هو – أي قوله : تكون – فعل تام بمعنى التحقق و الحصول و الثبوت ( ثبوت نفس الشيء لا ثبوته لغيره ) فيكون قريباً ظرفاً متعلقا بقوله تكون و المعنى : ” لعل الساعة تتحقق في وقت قريب ” ..
موفقين لكل خير
يوم الأربعاء ٢٦ ربيع ٢ ١٤٣٨ ق الموافق ٢٥ / ١ / ٢٠١٧م
و تمت المراجعة للتكميل ليلة الأحد ٢٢ محرم الحرام ١٤٤١ ق
الموافق ٢٢ / ٩ / ٢٠١٩ م
أيوب الجعفري
https://telegram.me/ayoobaljafary
يوم الأربعاء ٢٦ ربيع الثاني ١٤٣٨ هـ ق
الموافق ۲۵ / ۱ / ۲۰۱۷ م