إن الله قبل القبل بلا قبل و بعد البعد بلا بعد

سؤال من أحد المؤمنين :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما معنى إن الله سبحانه كان قبل القبل بلا قبل وبعد البعد بلا بعد؟

_________

الجواب :

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

لهذه الجملة معانٍ متعددة منها أنه تعالى قبل كل ما يتصف بالقبلية و بعد كل ما له البعدية فلا يتصور أن يكون شيء قبله أو بعده فكل من و ما كان قبل غيره فالله قبله و لا قبل لقبليته و لا يمكن افتراض شيء قبله كما أن كل من و ما هو بعد غيره فهو تعالى موجود بعده من دون أن يكون بعده شيء ..

و منها أن القبلية و البعدية من صفات الزمان و الله تعالى موجود مجرد تام التجرد خارج عن حيطة الزمان فهو عين الوجود و ليس لوجوده امتداد زماني حتى يُتصوَّر له ابتداء أو انتهاء كي يمكن افتراض القبلية و البعدية عليه أو افتراض ما هو قبله أو بعده، فهو قبل الزمان و بعد الزمان و لكن قبليته و بعديته ليست بالزمان إذ هو خارج عن الزمان ..

مضافاً إلى أنه تعالى خالق الزمان و موجِدُه فهو كان قَبْلَ القَبْل الزماني و بعد البَعْد الزماني و ليست قبليته و بعديته زمانية و إلا لكان هناك زمان و قد افترضنا أنه لم يكن زمانٌ فخَلَقَ الزمان، كما أنه سينعدم الزمان بانعدام الحركة المولدة له – إذ أن حقيقة الزمان هي مقدار حركة المادة – فهو بعد البعد و بعد الزمان بلا أن تكون بعديته زمانية إذ لا زمان بعد انعدام الزمان حتى تكون بعديته زمانية فقبليته و بعديته تعالى سرمدية و ليست زمانية ..

و منها ما أشار إليه بعض الأعلام و هو : “القبلية بالعلية و البعدية الغائية فهو تعالى علة العلل و علة وجود كل علة و لا علة له، و غاية كل غاية و هو غاية الغايات و لا غاية له جل و علا” .

و لا يتبادر إلى ذهن أحد أن مقصوده – بعض الأعلام – في الشق الثاني من كلامه، عدمُ وجود غاية لفعله تعالى فهو الحكيم و خالق الحكمة و لا يمكن أن يصدر منه ما لا حكمة فيه و لا غاية له، بل المقصود أنه تعالى عين الوجود و الكمال و ما هو عين الكمال لا يفعل ما يفعل لبلوغ كمال أو إزالة نقص بل يفعل ما يفعل لأنه كمال؛ و الغاية و الفائدة عائدة إلى فعله لا إليه تعالى، فغايةُ كل فعل صادر من غيره جل و علا و فائدتُه عائدةٌ إلى فاعله و لكن الله تعالى تعود غاية فعله إلى نفس فعله – خلقه – لا إليه لأنه عين الكمال فلا يُتصوَّر كمالٌ مفقود له يريد بلوغه بفعله كما لا يتصور فيه نقص يريد إزالتَه بفعله  .. فالخلاصة أن لفعله و خلقه غاية عائدة إلى فعله و خلقه لا إليه تعالى عن ذلك علواً كبيراً  …

موفقين لكل خير  ..

أيوب الجعفري

يوم الخميس ١٢ صفر المظفر ١٤٣٩ ه ق
الموافق ٢ / ١١ / ٢٠١٧ م