هو الذكر و الذاكر و المذكور

السلام عليكم شيخنا الجليل ورحمة الله وبركاته

ما معنى هذا البيت من الشعر العرفاني (فلما أضاء الليل أصبحت عارفًا بأنّك مذكور وذكر وذاكر)
أرجو بيان عجز البيت (مذكور وذكر وذاكر) وشكرًا لسماحتكم وأدامكم الله
________________________________________

الجواب :

و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

المقصود أنه لا يوجد في عالم الوجود إلا الله تعالى و أسماؤه و صفاتُه و أفعالُه فليس هناك موجود مستقل غير الله تعالى و على حد تعبير بعض العرفاء : “الكل هو و به و منه و إليه” ف”هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن” فقبل أن يصبح الإنسان عارفا بذلك و حينما يكون في ليل الجهل و ظلمة الغفلة عن كون الجميع هو الله تعالى أو صفاته أو .. يتصور أنه ذاكرٌ لله تعالى و أن هناك ذِكرا يصدر منه و الله هو المذكور – فهناك ثلاثة أمور الذاكر و هو الإنسان مثلا و الذكر و هو ما يذكره الإنسان و المذكور و هو الله – و لكن بعد ما أضاء الليل و انجلت ظلمته و تنوّر باطن الإنسان بنور الحقيقة وأصبح عارفا بأنه ليس في عالم الوجود غير اللهِ تعالى أو صفاتِه أو أسمائِه أو أفعالِه و أنه ( ليس في الدار غيرَه ديّارٌ ) عرف أن الذاكر هو الله تعالى – لأن نفس الذاكر فعل من أفعال الله تعالى و خَلْقٌ من مخلوقاته جل و علا – كما أنه هو المذكور، و الذكر أيضا هو الله لأن الذاكر يذكر الله تعالى فهو جل و علا الذكر أو لأن الذكر هو الفعل و الفعل فعله لا فعل غيره لعدم وجود غيره فكما أن نفس الذاكر فعل الله تعالى، ذكرُه أيضا فعلُ الله عز و جل ..

فقولهم : (لقد كنتُ دهرا قبل أن يُكشف الغطا * أخالُكَ أني ذاكر لك شاكرٌ * فلما أضاء الليل أصبحت عارفا * بأنك مذكور و ذكر و ذاكرٌ) و قولهم : “لا يحب اللهَ إلا اللهُ و لا يعرف اللهَ إلا اللهُ و لا يذكر اللهَ إلا اللهُ” يشير إلى عدم وجود غير الله في عالم الوجود لأن من و ما سواه إما اسم أو صفة أو فعل له تعالى فيتحد الذكر و الذاكر و المذكور .. و الاختلاف اعتباري ..

و طبعا لهذا الكلام لوازم منها ما ذكره بعض العرفاء من أنه لا نهاية لموجودات عالم الإمكان و إليه الإشارة بقوله جل و علا : “وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” و قوله عز و جل : “قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا” .

و هناك مطالب أخرى يمكن استفادتها من هذه المعرفة التوحيدية كمقام الفناء و البقاء بالله فيتحد الشاهد و المشهود، و الطالب و المطلوب، و العاشق و المعشوق، و المريد و المراد، و منها مسألة الحجاب و أنه إذا كان الوجود خاصا به تعالى و ليس في عالم الوجود غيره – بذاته أو صفاته أو أسمائه أو أفعاله – فمن و ما هو الحاجب و من هو المحجوب و ما هو الحجاب؟ من الشاهد و من هو المشهود؟ و لعله قد تبين الجواب من النقطة السابقة و أن الاختلاف اعتباري و ..

موفقين لكل خير ..

أيوب الجعفري

يوم الثلاثاء ٥ شعبان ١٤٤٦ ق
٤ / ٢ / ٢٠٢٥ م