تساؤلات في ذكرى استشهاد الحسين -رضي الله عنه وأرضاه-(2-2)
د. محمد عياش الكبيسي
لتحليل الأحداث تحليلا علميا دقيقا لا بد من بحث موضوع الرسائل التي كانت تصل إلى الحسين من أهل الكوفة، فهي السبب الأول والمباشر لكل ما حدث فيما بعد، وهنا يبرز اسم غريب (عبد الله بن مسمع الهمداني)، وهو شخص غير معروف على الإطلاق إلا من خلال هذه المهمة الخطيرة! فمن هو هذا الهمداني؟ ومن أين جاء بهذه الرسائل؟ وكيف يكون هذا المجهول أحرص على الحسين من أخيه محمد بن علي وابن عمه عبد الله بن جعفر وابن عم أبيه عبد الله بن عباس وقد نصحوه جميعا بعدم الخروج ومعهم كبار الصحابة في ذلك الوقت؟ تجدر الإشارة هنا إلى أن أهل الكوفة حينما واجههم الحسين بهذه الرسائل التي كان يحملها معه أنكروها جملة وتفصيلا!
إن الهمداني هذا ربما يكون قد قام بأكبر خديعة في تلك الحقبة من التاريخ، فالذي كان يتحمل عناء السفر من العراق إلى الحجاز ويعرّض نفسه لكل هذه المخاطر بحمله الرسائل التي تحرّض على (التمرد) ضد الدولة كيف يختفي تماما فيما بعد فلم يرد اسمه مع الحسين ولا مع الشمر، وهذه دعوة مفتوحة للشيعة قبل السنة للكشف عن هذه الشخصية الغريبة ودورها الخطير في تلك الفاجعة، خاصة أن الحسين قد ورد عنه قوله: (ما كانت كتب من كتب إليّ في ما أظنّ إلا مكيدة لي) أنساب الأشراف 3/393، وقد قال أحد محققي الشيعة: (عبد الله بن مسمع الهمداني: لم يرد له ذكر في كتب الرجال ولا في التواريخ إلا أنه حمل مع ابن وال كتاب أهل الكوفة إلى الإمام الحسين)!
المسألة الثانية: أن هذه الرسائل ليست جديدة بل كانت تتوالى على الحسن بعد عقد الصلح مع معاوية -رضي الله عنهما- ومما ورد بهذا الصدد أن الحسن كان يلقي بالكتب التي ترده في مخضب ولا يفتحها، فقيل له في هذا فقال: (هذه كتب أهل العراق من قوم لا يرجعون إلى حق ولا يقصرون عن باطل، أما إني لست أخشاهم على نفسي ولكني أخشاهم على ذلك وأشار إلى الحسين) صحيح الطبري4/122، فمن ذاك الذي كان يرسل بهذه الرسائل؟ ومن الذي كانت له المصلحة في نقض ذلك الصلح؟ والأهم من هذا هو موقف الحسن نفسه من هذه الرسائل وقوله في أصحابها: (قوم لا يرجعون إلى حق، ولا يقصرون عن باطل)! وللتذكير أيضا فإن مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان -رضي الله عنه- كان أيضا بسبب رسالة من مثل هذه الرسائل!
المسألة الثالثة: أن الحسين لم يخرج بجيش مقاتل، بل خرج ومعه أهل بيته وفيهم النساء والصبيان، وكان قد علم في الطريق بقتل أهل الكوفة لابن عمه مسلم بن عقيل، بمعنى أنه لم تكن عنده أية قوة يستند إليها في (الثورة) لا داخل الكوفة ولا خارجها، وعليه فمن المستبعد أن يكون الخروج بقصد الثورة، وإنما كان شعورا بمسؤوليته تجاه الناس الذين عاش معهم مدة خلافة أبيه وخلافة أخيه، فأراد أن يكون بينهم موجّها ومصلحا، وأن يعرف أحوالهم ومشاكلهم عن قرب، يؤكّد هذا قول الحسين نفسه: (ما خرجت أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا وإنما خرجت أريد الإصلاح في أمة جدّي) وحينما أحاطت به خيول أهل الكوفة راح يناشدهم واحدة من ثلاث: أن يسيّروه إلى يزيد في دمشق، أو يتركوه ليذهب إلى ثغر من ثغور الإسلام يقاتل مع جيوش المسلمين، أو يدَعوه يرجع إلى الحجاز من حيث جاء.
إن هذه الخيارات الثلاثة تدل على أن الحسين لم يكن طالبا للقتال، وأن رفضه لبيعة يزيد لا يعني أنه كان (يكفّر) يزيد ولا جيشه، وإلا كيف يعرض عليهم أن يخرج إلى ثغر من الثغور، فتحت أي راية ومع أي جيش كان سيقاتل؟
وقد كان الحسن قبل الحسين مخالفا لمعاوية ويرى أنه أحق بالخلافة منه ثم تنازل عن حقه هذا، ومدّ يده لمعاوية فيما سمّي بعام الجماعة، وفرح المسلمون جميعا بهذا الصلح وهذا الاستقرار، ولو كان الحسن يرى معاوية كافرا أو عدوا للإسلام لكان تسليمه الخلافة خيانة ما بعدها خيانة، ومع كثرة مناقشاتنا للشيعة حول هذه النقطة فإني لم أجد منهم جوابا شافيا خاصة مع اعتقادهم بعصمة الحسن والتي تعني أن الحسن تنازل بالخلافة لمعاوية بأمر إلهي لا شك فيه!
إن الخلاف على الحكم وارد في كل التجارب البشرية، ومن المؤسف أن الغلبة إنما تكون للأقوى وليس للأصلح، حتى في الدول الديمقراطية يصعد المرشّح الحزبي والذي يمتلك أدوات الدعاية وصناعة الرأي العام ولا يصعد الآخرون ولو كانوا أكفأ وأصلح منه، أما أن يُجعل هذا الخلاف سببا في تمزيق الأمة وتفكيك المجتمع وغرس الثارات والعداوات إلى ما لا نهاية، فهذا سلوك مريب ولا شك أنه يخفي وراءه ما لا علاقة له بأصل المشكلة، خاصّة مع استخدام الكذب الرخيص والاتهام الباطل لجمهور الأمة.
لقد وقع كثير من الشيعة اليوم وحتى (الشيعة العرب) في فخ التضليل والدعاية الشعوبية الصفوية التي صوّرت لهم أن السنة يمثلون (معسكر معاوية) في مقابل (معسكر علي) ويمثلون (معسكر يزيد) في مقابل (معسكر الحسين)! ولا يسأل الشيعة أنفسهم -على الأقل- لماذا يكثر في السنة اسم علي والحسن والحسين ولا يوجد فيهم اسم معاوية أو يزيد إلا ما ندر، فهل كان السنة يجاملون الشيعة في هذا؟ أو كانت هذه الأسماء تقية مثلاً!!
– – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – –
السلام عليكم مولاي
انتظر ردكم بفارغ الصبر ومتى ما سمح وقتكم
هذه مقاله متداوله في هذه الايام تحتاج لرد
ورحم الله والديكم
___________________________________
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
يشتمل المقال على أخطاء جسيمة و لا يمكنني في هذه العجالة الخوض في جميع جزئياته و إنما أشير إلى بعض الأخطاء المهمة فأقول متوكلاً على الله عز و جل :
* أولاً لا ينحصر رسول أهل الكوفة بعبدالله بن مسمع بل قد ورد في التاريخ و السِیَر أن أهل الكوفة سرحوا كتابهم مع عبد الله بن مسمع الهمداني و عبدالله بن وال و قد وردا على الحسين عليه السلام بمكة المكرمة ( و سنستفيد من ورودهما عليه سلام الله عليه بمكة المكرمة في النقطة التالية) و قد ذكر صاحب كتاب أبصار العين في أنصار الحسين ع عن عبد الله بن مسمع : ” له ذكر في التوابين ” و قال عن عبد الله بن وال : ” التميمي من تيم بن بكر بن وائل ، له شرف قتل بعين الوردة في التوابين مع سليمان بن صرد ” و قال صاحب مستدركات علم الرجال : ” عبد الله بن وال لم يذكروه وهو من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، هو حسن الحال و دعا له أمير المؤمنين عليه السلام “
و لو كان الأمر بهذا المقدار لكان لما قاله الكاتب وجه و إن كان ضعيفاً بعد ما عرفت أن عبد الله بن وال معروف و له شرف و أن أمير المؤمنين عليه السلام قد دعا له و من دعا له علي عليه السلام لا يمكن أن يكون ممن يدبر الأمر لقتل الحسين عليه السلام فإن أمير المؤمنين عليه السلام معصوم – و قد تماشى معنا الكاتب في هذا الأمر في الإمام الحسن – فبناءً على معتقدنا أمير المؤمنين عليه السلام معصوم و لا يمكن للمعصوم أن يدعو لمن سيتآمر على قتل الحسين عليه السلام من دون أن يحذره من مغبة تلك المؤامرة كما كان يلوّح لعبدالرحمن ابن ملجم المرادي بأنه سيقوم بأمر خطير و .. و لكن مع ذلك لا ينحصر الأمر بهما بل قد ورد في المصادر التاريخية و السير – و من جملتها مناقب ابن شهر آشوب ج ٣ ص٢٤١ – أن أهل الكوفة سرحوا الكتاب مع عبيد الله بن مسلم الهمداني و عبد الله بن مسمع البكري حتى قدما على الحسين لعشر مضين من شهر رمضان ، ثم بعد يومين أنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي و عبد الرحمن بن عبد الله الأرخي ( و في بعض المصادر: الأرحبي) و عبادة بن عبد الله السلولي و عبد الله بن وال السهمي إلى الحسين و معهم نحو مأة و خمسين صحيفة من الرجل و الإثنين ، ثم سرحوا هاني بن هاني السبيعي و سعيد بن عبد الله الحنفي بكتاب فيه للحسين بن علي من شيعته المؤمنين … فاجتمعت الرسل كلهم عنده فقرأ الكتب و سأل الرسل عن أمر الناس ثم كتب مع مسلم بن عقيل : بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى الملأ المسلمين و المؤمنين ، أما بعد : فإن هانياً و سعيداً قدما علي بكتبكم و كانا آخر من قدم علي من رسلكم و قد فهمت كل الذي قصصتم و ذكرتم … “
ثم إن مسلم بن عقيل لما قدم الكوفة و بايعه الناس نيابة عن الإمام الحسين عليه السلام كتب للإمام الحسين عليه السلام : ” إنه قد بايعك أهل الكوفة كذا فإن أتاك كتابي هذا فالعجل العجل فإن الناس معك و ليس لهم في يزيد رأي و لا هوى .. ” و قد كان هذا الكتاب في يد عبد الله بن يقطر فأخذه مالك بن يربوع التميمي من يده و أوصله إلى عبيد الله بن زياد ، بمعنى أن هذه الرسالة لم تصل إلى الإمام الحسين حتى يقال أن المرسِل أو رسوله قد خدعه ، مع أن المرسل هو مسلم بن عقيل و ليس مجهول الهوية و لا يمكن القول بأنه يريد الخديعة و التغرير ..
و بناء على هذا لا يمكن التفوه بأن الرسول الذي أتى بكتب أهل الكوفة شخص مجهول و لا نعلم ما هي أهدافه وراء ذلك ، بل كان بعض الأجلاء كقيس بن المسهر من جملة من أرسل من قبل أهل الكوفة إلى الحسين عليه السلام و قد استشهد قيس في سبيل ذلك و تأثر الإمام الحسين عليه السلام و حزن لاستشهاده فلا يمكن أن يكون قد أراد التغرير و الخداع و التآمر لقتل الإمام الحسين عليه السلام .. مضافاً إلى أن الإمام عليه السلام قال في رسالته لأهل الكوفة :” أما بعد : فإن هانياً و سعيداً قدما علي بكتبكم و كانا آخر من قدم علي من رسلكم .. ” و هذا يعني أن الرسل كانت تتوالى من الكوفة إلى الحسين عليه السلام ..
( و العجب العجاب من الكاتب قوله أنه: ” و كيف يكون هذا المجهول أحرص على الحسين من أخيه محمد بن علي وابن عمه عبد الله بن جعفر وابن عم أبيه عبد الله بن عباس وقد نصحوه جميعا بعدم الخروج ومعهم كبار الصحابة في ذلك الوقت؟ ” ، و السؤال هنا أنه لو كان الأمر كما يقول فكيف قَبِل الإمام عليه السلام نصح هذا الشخص المجهول و لم يقبل نصيحة هؤلاء الأعاظم ؟ هل يرى الكاتب نفسه أعرف بظروف ذلك العصر ممن كان يعيش فيه ؟ و هل يعد نفسه أعرف بالمسؤلية من الإمام الحسين عليه السلام الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنهو عن أخيه الحسن أنهما إمامان قاما أو قعدا و أنهما سيدا شباب أهل الجنة ؟ كيف يمكن أن يكون إماماً مع كل ذلك و ما هي مقومات السيادة على جميع أهل الجنة مع ما هذا الإنخداع و عوذاً بالله تعالى ؟ …)
* هذا كله أولاً ، و أما ثانياً فقد وقع الكاتب في خطأ جسيم آخر و هو أنه تصور أن كتب أهل الكوفة كانت سبب النهضة الحسينية بينما الصحيح هو العكس أي أن مخالفة الحسين عليه السلام مع البيعة و خروجه من المدينة المنورة هو السبب في كتابة تلك الكتب من قبل أهل الكوفة فنهضة الحسين و عدم قبول البيعة سبب إرسال تلك الكتب لا أن إرسال تلك الكتب سبب النهضة ، و ذلك أنه لما مات معاوية كتب يزيد إلى والي المدينة بأن يأخذ البيعة من الناس و على رأسهم الحسين بن علي عليه السلام و عبد الله بن عمر و عبدالله بن الزبير و .. فإن أبى أحدهم فاضرب عنقه و أرسل برأسه إلي ، فبعث الوليد إليهم فلما حضر رسوله قال الحسين للجماعة أظن أن طاغيتهم هلك … و لما حضر الحسين عليه السلام و أشار مروان إلى الوليد بأن يأخذ البيعة و إن أبى فليقطع رأسه كما أمره يزيد : ” فغضب الحسين و قال ويلي عليك يا ابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي كذبت و لؤمت ، نحن أهل بيت النبوة و معدن الرسالة و يزيد فاسق شارب الخمر و قاتل النفس و مثلي لا يبايع لمثله و لكن نصبح و تصبحون و ننظر و تنظرون أينا أحق بالخلافة و البيعة … ” فهذا دليل قاطع على أن الحسين عليه السلام لم يكن ليبايع يزيد سواء أكانت هناك رسائل و كتب من أهل الكوفة أم لم تكن ، مع أن هذه القضية وقعت في المدينة المنورة قبل وصول كتب أهل الكوفة إليه حيث أن الإمام عليه السلام لم يبايع و خرج من المدينة فوصل الخبر إلى الكوفة أن الحسين عليه السلام قد أبى البيعة مع يزيد و خرج من المدينة فكان ذلك سبباً لأن يدعو أهل الكوفة الإمامَ عليه السلام فكتبوا له الكتب و قد وصلت تلك الكتب إلى الإمام في مكة المكرمة لا المدينة المنورة ، و قد أشرنا في النقطة السابقة أننا سنستفيد من هذا الأمر في النقطة التالية و هنا محلها : فلو كان هناك تغرير و خداع من ذلك الشخص المجهول لكان ذلك قبل حركة الإمام عليه السلام و خروجه من المدينة المنورة و قبل امتناعه من البيعة و أما أن يخرج الإمام عليه السلام من المدينة المنورة ممتنعاً عن البيعة مع وضعه بين خيارين البيعة أو القتل و على حد تعبيره عليه السلام : بين السلة و الذلة و هيهات منا الذلة.. – كما سيأتي الإستفادة من هذه النقطة أيضاً – ثم كتابة الكتب و مجيء الرسل في مكة المكرمة ، فإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن خروجه و حركته و إمتناعه من البيعة ليزيد و نهضته هي السبب في دعوة الكوفيين له لا أن دعوتهم له كانت سبباً لخروجه حتى یتصوَّر أحد أنهم قد غرّروا به و خدعوه عليه السلام …
* و ثالثاً هناك خطأ جسيم آخر قد وقع فيه الكاتب و هو أنه يريد القول بأن الإمام عليه السلام قد انخدع بهذه الكتب التي جاء بها شخص مجهول ، بينما نحن نقول أن الإمام عليه السلام لا يَخْدَعُ و لا یُخْدَعُ بل لا يمكن ذلك في حقه عليه السلام و ذلك بدليلين لكل واحد منهما – أي دليلين لعدم الخداع و دليلين لعدم الإنخداع – أما الدليل الأول هو ما نعتقده نحن الشيعة من أن الإمام عليه السلام معصوم علماً و معرفةً و عملاً و أخلاقاً عن العصيان و السهو و النسيان فقيامه بخداع الغير منافٍ لعصمته العملية و انخداعه بتغرير الغير يناقض عصمته العلمية ، فمن هو معصوم من العصيان لا يمكن أن يخدع غيره لأن الخديعة إثم و عصيان – كما صرح هو عليه السلام بذلك لأصحابه عندما جعلهم في حل من البيعة و قال اتخذوا هذا الليل جملاً .. – و قد افترضنا أنه معصوم عن العصيان ، كما أن الانخداع يدل عدم العلم و الخطأ في المحاسبات و قد افترضنا أنه معصوم علمياً … – و بطبيعة الحال هذا الدليل يتوقف على الإعتقاد بالعصمة و بما أن الكاتب لا يؤمن بذلك فلا يفيده الدليل بل يفيد المعتقدين بها كالشيعة ، كما يفيد لمن يجاري خصمه و يناقشه بناءً على أسسه نفسه ، و على أية حال إثبات العصمة يتطلب مجالاً آخر لسنا هنا بصدده لئلا نخرج عن طور الكلام و محل النقاش ..
و لكن الدليل الثاني لا يتوقف على إثبات العصمة و هو أن كلمات الإمام الحسين عليه السلام من لدن امتناعه عن البيعة مع يزيد إلى نهاية الأمر خير شاهد و دليل على أنه لم يكن ليخدع أو ينخدع بشيء ، أما عدم الخداع فهو خارج عن موضوع البحث و لكن لتتميم الموضوع نشير إلى أن رفع البيعة عن أصحابه و جعلهم في حل من ذلك دليل على أنه لا يريد أن يخدع أحداً ، و أساساً القادة الإلهيون لا يخدعون و لا يضحون بغيرهم لبقائهم و الحفاظ على أنفسهم فإن كان و لا بد من التضحية فهو يضحي بنفسه كما أن أصحابه أيضاً يقدمون على ذلك لأجل هدف أسنى كبقاء الدين مثلاً ، بينما القادة الماديون يضحون بكل شيء و يصنعون متارس و دروعاً بشرية للحفاظ على أنفسهم ، و الإمام الحسين صلوات الله عليه قد أذن لأصحابه بأن يخرجوا من الميدان و يتخذوا الليل جملاً فينجوا أنفسهم فإن القوم لا يريدون غيره عليه السلام ، فهذا و أمثاله دليل على أنه لا يريد أن يخدع غيره ، و أما أنه لم ينخدع – و هو محل النقاش – فلأنه عليه صلوات الله كان يعلم بأنه سیُقْتَل و ستُسبى النساء و يعرف جميع تفاصيل النهضة و المعركة التي ستنشب بينه و بين عساكر يزيد بل قد كان غيره أيضاً يعلم بذلك لإخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم به فعندما أراد الخروج من المدينة أتته أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها و طلبت منه عدم الخروج و قالت : ” فإني سمعت جدك ص يقول يقتل ولدي الحسين بأرض العراق بأرض يقال لها كربلاء فقال : يا أماه و أنا أعلم ذلك و إني مقتول لا محالة و ليس لي من هذا بد و إني والله لأعرف اليوم الذي أقتل فيه و أعرف من يقتلني و أعرف البقعة التي أدفن فيها و أعرف من يُقتل من أهل بيتي و قرابتي و شيعتي … فعند ذلك بكت أم سلمة بكاءً شديداً و .. فقال لها يا أماه قد شاء الله أن يراني قتيلاً مذبوحاً ظلماً و عدواناً … ” ثم يتطرق لمشيئة الله أن يرى حرمه و نساءه مشردين و .. و قال في موضع آخر : ” شاء الله أن يراني قتيلاً ” و عندما سئل عن السبب في خروجه بالنساء و الأطفال قال : ” شاء الله أن يراهن سبايا ” … و أمثال ذلك كثير في كلماته عليه السلام فالإمام الحسين عليه السلام كان يعلم بجميع تفاصيل ما سيجري عليه و على أهل بيته و نسائه و أصحابه من القتل و التشريد و السبي و .. ، ففيمَ و بِمَ كانوا يريدون خداعه ؟ فيما كان يعلمه بالتفصيل أكثر من جميع من سواه ؟! ، مضافاً إلى أنه قد خيره والي المدينة بأمر من يزيد بين البيعة و القتل و قد أبى البيعة من بداية الأمر و في المدينة المنورة و قبل وصول الرسائل و كتب أهل الكوفة فلا بد أن يكون مصيره القتل فلا معنى للإنخداع لعصمته أولاً و لعلمه – بل و علم غيره أيضاً – بما سيجري عليه و على أهل بيته عليهم السلام و لكونه قد خُیِّر بين البیعة و القتل و قد أبى البيعة فبقي القتل ، و بهذا يتبين عدم صحة مقارنة قتل عثمان بقتل الحسين عليه السلام أيضاً فالحسين كان هو الثائر و الخارج على حكم يزيد بينما عثمان كان خليفة لم يثُر بل ثاروا عليه ، و الحسين كان یعلم بأنه سيُقتل و لم يكن عثمان عالماً بذلك ، و الحسين قد خرج و هو يعلم بأن أمره دائر بين البيعة و القتل و مع ذلك رفض البيعة بينما عثمان كان خليفة و لم يكن أمره دائراً بين البيعة و القتل و … فسواء كان سبب قتل عثمان وصول الرسائل المغررة و الوهمية أم لا ، فالحسين عليه السلام لم تكن ثورته و نهضته لأجل الرسائل و لم يمكن افتراض انخداعه بشيء لأن الحسين له هدف و رسالة هي إحياء الدين الذي لا يتحقق إلا باستشهاده و سبي أهل بيته لإيصال رسالته و رسالة ثورته إلى البلاد الواقعة تحت سيطرة الحكم الأموي بل قلب الطاولة على يزيد داخل بيته – و قد تحقق ذلك بالفعل – و هذا ما يفرق بين الظروف التي كان يعيشها الحسن عليه السلام و بين ظروف الإمام الحسين عليه السلام ما أدى إلى صلح الإمام الحسن و ثورة الإمام الحسين صلوات الله و سلامه عليهما و لو كان الحسين في ظروف الحسن لصالح كما أنه لو كان الحسن يعيش ظروف الحسين لثار ، و تفصيل ذلك موكول إلى محله …
و أما أنه لو كان يعتقد الحسن عليه السلام كفر معاوية و معاداته للإسلام لكان تسليمه الخلافة خيانة فغير صحيح فإن معاوية كان يظهر الإسلام و في الظاهر يعمل بمظاهر و ظواهر الدين و في المقابل لم يكن للحسن عليه السلام ناصر فصلحه أوجب انقاذ المؤمنين من القتل و مع ذلك لم يكن هناك خطر على أصل الإسلام و لو لم يصالح لما بقي من المؤمنين أحد كما ذكر ذلك الإمام الحسن عليه السلام نفسه ، و أما يزيد فلم يكن يلتزم بالدين بحسب الظاهر أيضاً فالصلح معه يعني الوداع مع الإسلام حتى في الظاهر و لهذا قال : ” و على الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ” ..
و الجدير بالذكر أن أم سلمة رضي الله عنها و غيرها من بني هاشم و الصحابة كانوا يعلمون باستشهاده الإمام الحسين عليه السلام لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد أخبر بذلك ، فنقول لو كان خروجه عليه السلام خطئاً كما يدعي الكاتب و أمثاله فلماذا لم ينهه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك ؟ فبالمراجعة للمصادر التاريخية و الروائية لا نجد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى الحسين عن الخروج على حكم يزيد المؤدي إلى قتله عليه السلام كما لم ينقل من كان ينصح الإمام بعدم الخروج عن النبي نهي الحسين عن الخروج و لو كان لذكروه له …
* الشيعة لا تعتقد أن أهل السنة جميعاً من معسكر معاوية و يزيد قبال معسكر علي و الحسين عليهما السلام فهذا افتراء عليهم ، كيف و هم يدعون إلى الوحدة معهم و أن الإختلاف لا يفسد في الود قضية بل قد ورد في روايات الشيعة بزيارة أهل السنة و عيادة مرضاهم و حضور جنائزهم و الصلاة خلفهم و قد ورد عن الصادق عليه السلام أن الصلاة خلفهم كالصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الصف الأول ، فما ذكره الكاتب هو ما يروج له الخط الأموي التكفيري و الشيعة تخالف هذا الخط الذي يريد الإيقاع بين المسلمين لا أهل السنة و إن اختلفت معهم في مسألة الإمامة و بعض الأصول العقدية الأخرى ..
* و أما مسألة التسمية فقد أجبنا عليها في بعض أجوبتنا ، و أضيف هنا أن التسمية باسم علي و الحسنين عليهما السلام من قبل أهل السنة أمر طبيعي حيث أن أمير المؤمنين عليه السلام رابع الخلفاء عندهم فكما يقدسون و يحترمون سائر الخلفاء يقدسون و يحترمون علياً عليه السلام أيضاً ، و الحسنان سيدا شباب أهل الجنة و سبطا رسول الله و ريحانتاه صلى الله عليه وآله وسلم فلا مشكلة لديهم في التسمية بأسمائهم بل يفتخرون بذلك إلا النواصب المبغضين لأهل البيت عليهم السلام ، و أما الشيعة فلا يعتقدون بخلافة غير أمير المؤمنين عليه السلام فلا داعي للتسمية بغير أسماء أهل البيت عليهم السلام كما لا مانع منه فقد كانوا في الصدر الأول يسمون أولادهم بهذه الأسماء حتى اسم معاوية الذي حارب أمير المؤمنين عليه السلام ، لأن هذه الأسماء كانت متداوله في تلك العصور فلا تدل التسمية بمعاوية على قداسة معاوية أو قبول منهجه و ارتضاء أعماله و .. ، كما أن عدم التسمية في العصور المتأخرة ليس لأجل حرمة ذلك عندهم …
هذا ، و في المقال مناقشات أخرى نشير إلى بعضها :
* قوله أن أهل الكوفة أنكروا إرسال الكتب إلى الإمام عليه السلام جملة و تفصيلاً ، فإن هذا خلاف الواقع لأن الذي أنكر ذلك هو حر بن يزيد الرياحي رضوان الله تعالى عليه حينما التقى بالحسين عليه السلام فأخرج له الكتب التي أرسلها أهل الكوفة فقال حر : إنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك .. فالمنكر هو حر لا غيره من أهل الكوفة ، و معلوم أن الحر كان من قادة جيش عبيد الله و لم يكن من الذين كتبوا إليه فإنكاره كان في محله ..
* ما نقله البلاذري من أنه عليه السلام قال ما كتب من كتب إلي – فيما أظن – إلا مكيدة لي ، معناه أن من كتب تلك الرسائل كان يقصد المكيدة له عليه السلام لا أنه قد انخدع بهذه المكيدة فقد بينا في النقاط السابقة أنه عليه السلام كان على علم بالشهادة و بسبي النساء قبل وصول بل قبل كتابة تلك الكتب ، فهو عليه السلام يريد بيان سوء نية الكتّاب لا انخداعه بتلك الكتب ..
* يتساءل الكاتب بعد محاولة إثبات أن عبد الله بن مسمع قد خدع الإمام عليه السلام ، يتساءل و يقول : من الذي كانت له المصلحة في نقض الصلح ؟ فنقول أولاً لم يكن الإمام الحسين عليه السلام مَن صالح معاوية بل كان الصلح بين الإمام الحسن عليه السلام و بين معاوية و قد كان الإمام الحسين عليه السلام أيضاً ملتزماً بالصلح قبل موت معاوية لعلمه بأن الصلح كان في محله آنذاك .. و ثانياً لم يكن الصلح مع يزيد بل كان مع معاوية و قد كان من جملة بنود الصلح عدم استخلاف يزيد من قبل معاوية و قد نقض معاوية هذا البند – كما نقض بنوداً أخرى – فلم يبق محل و مجال للالتزام بهذا الصلح و حتى إذا كان الإمام الحسن عليه حياً بعد موت معاوية لثار ضد حكم يزيد لأنه لم يكن قد صالح يزيد أولاً و لأن استخلافه نقض لبنود الصلح ثانياً ، مضافاً إلى فسق يزيد العلني الموجب لعدم إمكان قبول خلافته – و هذا ما يتطلب شرحاً لسنا بصدده –
أدعو الله أن يوفقنا و إياكم لمعرفة الحق و أهله و نشر معارف الدين بحق محمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين
أيوب الجعفري