السلام عليكم شيخنا

يدور سؤال مكرر من اهل العامه بسبب المراسم المصاحبه لعاشوراء والأربعين

واختصاص المناسبات الخاصه بالإمام الحسين بكثير من الاهتمام فلماذا لا يهتم الشيعه بوفاه باقي الأئمه بهذا الشكل وخاصه النبي وهل الحسين افضل من باقي الأئمه والنبي لتعظيم مناسبه استشهاده واربعينه ؟ 

نرجو منكم الإجابه

ونسألكم الدعاء

_____________________________________

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته 

ليس الملاك في الأفضلية إقامة المجالس أو كثرتها بل الملاك و الميزان هو درجة القرب العبودي للعبد إلى رب العالمين ،  و من المعلوم جلياً أن أقرب المقربين إلى الله تعالى النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم  و من ثم أهل بيته المعصومون عليهم السلام ،  إلا أن هناك أسباباً خاصة تستدعي الاهتمام بالمجالس المتعلقة بالامام الحسين عليه السلام أكثر  من غيره من المعصومين عليهم السلام  – مع أن إقامة مجالس الحسين في الحقيقة إقامة لمجالس النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولاً ثم أهل البيت عليهم السلام جميعاً ثانياً ، و ذلك أن ما يُطرح في هذه المجالس هو الثقافة الدينية من العقائد و الأخلاق و الأحكام و المعارف الإلهية و هي ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و قام بنشره و شرحه و بيان أعماقه الأئمة الطاهرون عليهم السلام ،  و بذلك يتبين أن المجالس في الحقيقة تقام أولاً و بالذات لإحياء الدين المحمدي صلى الله عليه وآله وسلم ثم للحسين و سائر الأئمة عليهم السلام ،  و التعزية للحسين عليه السلام لفت لأنظار الناس إلى الدين الإسلامي الأصيل الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و ثار لأجله الحسين عليه السلام ،  و لكن مع ذلك نقول أن السبب في إقامة مجالس الحسين عليه السلام أكثر من غيره من المعصومين عليهم السلام يكمن في عدة نقاط نشير إليها باختصار : 

١ – تحمل الحسين عليه السلام لأشد و أصعب المصائب في سبيل إحياء الدين ،  بحيث لم يَجْرِ ما جرى عليه على غيره من المعصومين عليهم السلام ،  و هذا يستدعي الإهتمام الأكثر بمجالسه و التي يُعتبر إحياؤها إحياءً للدين و لمجالس النبي و أهل البيت عليهم السلام جميعاً ..  

و أما أن مصائبه عليه السلام كانت أشد المصائب فهو أمر واضح بمراجعة كتب التاريخ و المَقاتل التي تروي قصة استشهاده و استشهاد أولاده و أهل بيته و أصحابه و سبي نساء و بنات أهل البيت عليهم السلام و ما جرى عليهن بعد الأسر و ..  و لهذا نجد أن الإمام الحسن عليه السلام يقول  – حينما رأى أخاه الحسين يبكي فسأله عن سبب بكائه فقال : أبكي لما يُصنع بك فقال الامام الحسن عليه السلام  – : إن الذي يؤتى إليّ سم يُدسّ إليّ فاُقتل به  و لكن لا يوم کیومك يا أبا عبد الله ، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدعون أنهم من أمة جدنا محمد صلى الله عليه وآله و ينتحلون دين الاسلام ، فيجتمعون على قتلك و سفك دمك و انتهاك حرمتك و سبي ذراريك و نسائك و انتهاب ثقلك ،  فعندها تحل ببني أمية اللعنة و تمطر السماء رماداً و دماً ، و يبكي عليك كل شيء حتى الوحوش في الفلوات و الحيتان في البحار  .

أفلا تستحق هذه المصيبة العظيمة التي استدعت أن تبكيه أهل السماء و الأرض كما ورد في زيارته عليه السلام و أن يبكيه النبي و أهل البيت عليهم السلام قبل و بعد وقعة الطف كما ورد في الروايات  ، أن نقيم لأجلها مجالس طوال العصور و الدهور و أن نورث ذلك لأولادنا  .. 

٢ – قلنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو من أتى بالدين الاسلامي من قبل الله تعالى ، و الأئمة عليهم السلام قاموا بنشره و شرحه و بيان أعماقه و حينما كان الدين يتعرض الدين للخطر فهم من قاموا بإحيائه  كلٌ حسب ظروفه و ظروف المجتمع الذي كان يعيش فيه ، و لكن الحسين عليه السلام اقتضت ظروفه أن يضحي بكل ما لديه من النفس و النفيس ما أدى إلى الثورة على يزيد و النظام الأموي في كثير من أرجاء البلاد الاسلامية آنذاك حتى في المدينة المنورة التي استباحها يزيد على عساكره بعد وقعة الطف و اعتراض أهل المدينة من الصحابة و التابعين على فعلته الشنيعة ، بل أدى استشهاده عليه السلام إلى اعتراض أهل بيت يزيد نفسه عليه كزوجته هند و ابنه معاوية بن يزيد ،  و هذا يعني أن الثورة الحسينية كانت أكثر و أسرع تأثيراً في العالم الاسلامي من سائر النشاطات التي كان يقوم بها سائر الأئمة عليهم السلام حسب الظروف التي كانوا يعيشونها ،  و هذا ما يفسر لنا الحديث القائل بأننا – أي الأئمة عليهم السلام – جميعا سفن النجاة و لكن سفينة الحسين أوسع و أسرع ، فيلزم إبقاء هذه السفينة على سعتها و سرعتها و هذا ما يتكفل به الاهتمام بمجالسه عليه السلام …

٣ – وصول الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري مع التابعي الجليل عطية العوفي إلى كربلاء في التاسع عشر من شهر صفر من عام ٦١ للهجرة من نفس سنة استشهاد الإمام و من معه و هو ليلة الأربعين و بقائه هناك يوم الأربعين أيضاً ، و إقامة عزاء أبي عبد الله الحسين عليه السلام هناك ، دليل على أن إقامة مجالس العزاء للحسين عليه السلام أمر راجح شرعاً في نظر هذا الصحابي الجليل ، و من ذلك اليوم أصبح إقامة و إحياء ذكرى أربعينية الحسين عليه السلام سنّة حسنة يحييها الشيعة و بعض المحبين لآل البيت عليهم من سائر المذاهب الاسلامية بل و من أتباع الأديان الأخرى أيضاً فتوسعت هذه المراسم و الشعائر  حتى أصبحت في العصر الراهن عالمية ،  و هذا يخدم الدين الاسلامي و الثقافة و المعارف الإلهية التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،  و في الحقيقة يرجع إحياء مجالس الامام الحسين عليه السلام إلى إحياء ذكر النبي والثقافة و المعارف الإلهية التي جاء بها فإحياء ذكرى الحسين إحياء لذكرى النبي و أهل البيت صلوات الله عليهم … 

 ٤ – المعروف أن وصول قافلة سبايا أهل البيت عليهم السلام أيضاً كان في أربعينية الحسين عليه السلام و المنقول في التواريخ و المقاتل أن أهل البيت عليهم السلام أقاموا مجلس التعزية للحسين عليه السلام في كربلاء لمدة ثلاثة أيام ،  و يأتي هنا جميع ما ذكرناه في النقطة السابقة و لكن بشكل أقوى لأن العمل صادر من أهل البيت الذين هم أعرف من غيرهم بما ورد في الشرع المقدس و بماجاء به جدهم العظيم الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم  فيعلمون ما يتوافق و الشريعة الاسلامية فيكون ما قاموا به من إحياء مجالس العزاء للحسين في كربلاء بل و بعد ذلك في المدينة المنورة سنداً و دليلاً على مطلوبية ذلك شرعاً … 

 ٥ – ورد عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أن من جملة علامات المؤمن هو زيارة الأربعين ،  و إذا وضعنا ذلك إلى جانب الروايات الكثيرة التي تحث على الحزن و البكاء و الإبكاء و التباكي و إنشاء و إنشاد الأشعار في رثاء الحسين عليه السلام و …  تَبَيَّنَ لنا أن إحياء المجالس و الشعائر الحسينية أمر مطلوب و مُرَغَّب فیه من قِبَل أهل البيت عليهم السلام ،  و قد ثبت لدينا عصمة أهل البيت معرفةً و علماً و عملاً  عن الخطأ و السهو و النسيان فكيف بالعصيان ،  و بناءً على ذلك يكون إحياء الشعائر الحسينية من صلب الشريعة المقدسة ،  و قد أشرنا إلى أن ذلك يعود إلى إحياء الدين لأن هذه المجالس كانت و لا زالت و ستبقى مجالس لبيان و نشر و تعميق المعارف الإلهية إما باللسان و البيان و البنان و إما بالعمل  و … 

و فقكم الله و إيانا لكل خير و لمعرفة الدين و نشره بحق محمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين 

 

أيوب الجعفري