بسم الله الرحمن الرحيم 

وردني ملف صوتي يسأل فيه أحد المؤمنين عن العصمة و أنها إذا كانت للعلم اللدني المفاض على أئمة عليهم السلام فنحن أيضاً لو كان الله  قد أفاضه علينا لكنا معصومين ،  فكتبت في الجواب  :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 

لا يكلف الإنسان إلا بما هو مقدور له فإذا لم نتمكن من أن نعصم أنفسنا من الخطأ و السهو و النسيان فلسنا مكلفين باجتنابها ، و أما العصمة من الذنوب  بمعناها اللغوي بأن يصون الإنسان نفسه من الذنوب فهذا مقدور للجميع لأن الله تعالى قد خلق الإنسان مريداً مختاراً لا مجبوراً مسيَّراً فنحن نجد أنفسنا بأننا نتمكن من أن نكذب كما نتمكن من ترك الكذب فنتمكن من أن نعصم أنفسنا من الكذب ، و إذا جئنا إلى الغيبة وجدنا أنفسنا بنفس الحالة فنتمكن من أن نغتاب و نتمكن من ترك الغيبة فنتمكن من أن نعصم أنفسنا من الغيبة و هكذا بالنسبة لسائر الذنوب فمن الممكن أن يعصم الإنسان نفسه من الذنوب فيكون معصوماً – بمعناه اللغوي – في العمل ، فمن هذه الجهة لا اختلاف بيننا و بين المعصومين عليهم السلام إلا أنهم يجتنبون باختيارهم جميع الذنوب و غيرهم يجتنبون أحياناً دون أخرى و ذنوباً دون أخرى و ذلك باختيارهم أيضاً ، فليس صدور الذنب من غير المعصوم إجبارياً كما أن صدوره من المعصوم أيضاً ليس ممتنعاً عقلاً و إن كان هو يمتنع منه قطعاً و لكن باختياره أي بذلك الإختيار الذي توجد قوته فينا أيضاً ، فلا يتعلق ترك الذنوب بالعلم اللدني بل الأمر بالعكس أي أن العلم اللدني يُفاض على من لا يذنب فإذا تركنا نحن أيضاً الذنوب جميعها و أزلنا حب الدنيا و التعلقات الدنيوية من قلوبنا فسيفيض علينا ربنا العلم اللدني و العصمة العملية بقدر ما نتقيه و نزيح حب الدنيا و تعلقاتها من قلوبنا أي بقدر ما نعمل على تصفية القلب لتهيئتها لِتَلَقِّي الفيوضات الربانية، و لهذا نجد أن الله تعالى يعلق إفاضة العلم من لدنه على عباده ، يعلقها على التقوى و يقول جل و علا : ” و اتقوا الله و يعلمكم الله ” – كما يعلق جعل الفرقان أي وسيلة التفريق بين الحق و الباطل و كذا المخرج من المشاكل و … أيضاً على التقوى – و من المعلوم أن العلم الذي يُفاضُ من قِبَل الله تعالى لا يتخلله ما هو خلاف الواقع و لهذا سيكون المتقي معصوماً في العلم المفاض عليه بقدر تقواه فإذا بلغت التقوى عليا درجاتها بلغت العصمة العلمية أيضاً عليا درجاتها  .. نعم قد يفيض الله العلمَ و العصمةَ عليه قبل أن يقوم الإنسان بشيء و قبل العمل و لكنه تعالى و لعلمه بأن هذا الإنسان سيكون متقياً في أعلى المراتب يتفضل عليه قبل الاستحقاق ، فالإعطاء قبل الاستحقاق تفضُّلٌ و عند الاستحقاق عدلٌ ،  و الإستحقاق أيضاً يكون لأجل وعده تعالى بإفاضة العلم على المتقي و إلا فلا يستحق أحد على الله شيئاً مهما عمل و اجتهد – .. 

  نعم يمكن القول بأن من جملة أسباب تحقق العصمة العملية و اجتناب المعصوم للذنوب نهائياً هو علمه بقبح الذنوب ، و نحن أيضاً نتمكن بتهذيب النفس من الوصول إلى درجة العلم بقبحها حيث أشرنا أن العلم الإلهي يفاض على قلب المتقي بقدر تقواه … 

   و للبحث في هذا الموضوع مجال واسع و أحيل أعزائي القراء إلى ما كتبته بعنوان  ” لماذا هناك اختلاف في الاختيار ؟ “ 

     موفقين لكل خير 

                             أيوب الجعفري 

يوم الخميس ٢٢ رجب المعظم ١٤٣٨ هـ ق 

الموافق ٢٠ / ٤ / ٢٠١٧ م