سلام عليكم شيخنا الفاضل
بعض الاخوة من اهل السنة يستشهدون بهذه الاية (واذا سالك عني عبادي….) علينا انا مشركين على بناء هذه الاية لاننا لا نسال الله مباشرة ؟
ويريد ادلة من البخاري لو امكن ذلك
_________________________________________________
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الدعاء غير الإستشفاع و التوسل ، التوسل مذكور في القرآن الكريم و الروايات كما أن آيات و روايات الشفاعة أيضاً كثيرة ، و أساساً الشرك هو اتخاذ إله آخر أو عبادة معبود آخر أو القول بأن هناك خالقين مستقلين عن بعضها البعض و … و أقسام و مراتب التوحيد كثيرة كما أن أقسام و مراتب الشرك قبال التوحيد أيضاً كثيرة ، و التوسل يعني اتخاذ الوسيلة التي تقرب إلى استجابة الله و توجب أن يستجيب الله تعالى دعاءنا لا عبادة الوسيلة كما كان يفعله أهل الجاهلية حيث كانوا يعبدون الأصنام و لا يستشفعون أولاً و لم يأذن الله تعالى بأن تشفع الأصنام لأحد و إن افترضنا أنهم كانوا يستشفعون بها و لا يعبدونها ثانياً و الأصنام جمادات ليست مقربة بل هي أبعد من الإنسان بمراتب كثيرة فكيف يمكن أن تقرب الإنسان إلى الله تعالى ثالثاً و .. ، و الإستشفاع بمعنى الطلب ممن هو مقرَّبٌ لدى الله تعالى أن يدعو لنا عند الله ليغفر لنا أو يقضي حوائجنا كما نطلب الدعاء من بعضنا البعض فنقول نسألكم الدعاء .. و قد قال إخوة يوسف عليه السلام لأبيهم يعقوب النبي عليه السلام : ” يا أبانا استغفر لنا ، قال سأستغغر لكم ” و قال جل و علا عن المؤمنين في الأمة الإسلامية مخاطباً رسوله صلى الله عليه وآله وسلم : ” و لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله و استغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً ” و قال تعالى : ” و لا يشفعون إلا لمن ارتضى ” و آيات أخرى تثبت الشفاعة و لكن لمن ارتضى الله تعالى و لمن أذن له أن يشفع ، فكل شيء بيد الله تعالى و الشفعاء يطلبون من الله و لا يعطون شيئاً من أنفسهم و ليس هناك موجود مستقل قبال الله تعالى يفعل ما يشاء .. و قد ورد في صحاح أهل السنة أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم سيشفع يوم القيامة و كذا الأنبياء و الملائكة ففي البخاري ج ١ ص ١٥٢ باب ما يقول إذا سمع المنادي : من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة و …. حلت له شفاعتي يوم القيامة “ ، و في ج ٨ ص ١٨٢ : .. فيشفع النبيون و الملائكة و المؤمنون فيقول الجبار بقيت شفاعتي … و هناك روايات كثيرة في البخاري و مسلم و مسند أحمد بن حنبل و سنن ابن ماجة و سنن أبي داود و الترمذي و … و في بعضها : شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي و … فالإستشفاع و التوسل غير الدعاء و العبادة بل هما طلب ممن هو مقرب لدى الله تعالى أن يستغفر لنا أو يطلب من الله أن يقضي حوائجنا أو ينقذنا من النار أو ..
هذا و لو كانت الشفاعة شركاً لما تحققت في القيامة و قد ثبت في جميع المذاهب الإسلامية كون الشفاعة حقاً و إذا قلتم أن ذلك في القيامة قلنا لا فرق بين الدنيا و الآخرة فإذا كان شركاً كان المنع عنه في الآخرة أولى من الدنيا بل لا يتمكن أحد في الآخرة من القيام أو القول بما ليس بصواب فكيف بالشرك : ” لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن و قال صواباً ” ففي الدنيا غايته المنع و النهي التشريعي عن شيء لأن الدنيا دار تكليف و ليس هناك إجبار تكويني و لكن في الآخرة الكل يأتي طائعاً تكويناً : ” إن كل من في السموات و الأرض إلا آتي الرحمن عبداً ” فلا يتمكن أحد من التخلف عما يريده الله تعالى فكيف بالشرك و كيف بأن يأذن الله به و عوذاً به جل و علا ، و إذا قلتم أن الشفاعة في الآخرة ليست شركاً قلنا إذاً في الدنيا أيضاً ليست شركاً و الدنيا و الآخرة ظرفان و الظرفُ لا يغير حقيقةَ المظروف فلا يمكن أن يكون شيء ما في الدنيا شركاً و في الآخرة توحيداً أو العكس ما لم يحدث تغيير في حقيقة و ماهية ذلك الشيء ..
فيلزم أن يعرفوا معنى العبادة و الشرك و التوحيد و الشفاعة و التوسل و … ثم يستشكلوا …
أيوب الجعفري
يوم الأربعاء ١٦ جمادى الثانية ١٤٣٨ هـ ق
الموافق ١٥ / ٣ / ٢٠١٧ م
________________________________________________
استفسار من أحد المؤمنين :
السلام عليكم شيخنا الفاضل
بارك الله فيك للتوضيح بشان السوال هل الطلب من غير الله شرك؟
في نفس السياق فان بعض أهل السنه يقولون بالشفاعه و لكن بالطلب من الحي و ليس من الميت فيدّعون بان الطلب من الميت شرك. أفيدونا حفطكم الله .
شيخنا الفاضل كنت اعني التوسل بالميت.
– – – – – – – – – –
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لا يمكن أن يكون ما لا ينافي التوحيد في الحياة منافياً له بعد الممات فالشرك شرك سواء كان من يُشْرَك مع الله – أي من يُجعل شريكاً له تعالى و عوذاً به – حياً أو ميتاً كما أن التوحيد توحيد سواء كنا أحياءً أم لم نكن ، و الحياة الدنيا ظرف زماني كما أن عالم الدنيا ظرف مكاني للإنسان و أفعاله و الظرف لا يغير المظروف فلو كان فعل ما كالتوسل شركاً لكان شركاً في الدنيا و الآخرة و سواء كان المتوسَّلُ به حياً أم كان ميتاً و إذا لم ينافِ التوحيد لم ینافِهِ سواء كان المتوسل به حياً أم كان ميتاً .. فغاية ما يمكن أن يقول هؤلاء هو أن النبي و أهل البيت عليهم السلام قد ارتحلوا من الدنيا فلا يمكن التوسل بهم لأنهم أموات لا أن التوسل بالميت شرك ، كيف و قد أمر الله تعالى به بشكل مباشر بعد الأمر بالتقوى في آية ابتغاء الوسيلة و بطريق غير مباشر في آيات أخرى تمت الإشارة إلى بعضها في المكتوب السابق .. فإذا كانت المشكلة في الحياة و الموت فنقول أن الأموات أموات عن الحياة الدنيا و ليس مطلقاً فهم في البرزخ أحياء و هناك آيات كثيرة و روايات أكثر من الشيعة و السنة تدل على حياة أهل البرزخ و إذا كانوا أحياء فلا مشكلة في التوسل بهم ..
أيوب الجعفري
________________________________________________
مداخلة من أحد القراء الكرام :
سلام عليكم شيخ :
الحي الذي يرزق في الدنيا قد اعطاه الله قدرة محدودة في التصرف والتأثير على من حوله تحت مشيئة الله فلا يمكنه ان يؤثر ويتصرف بشكل مطلق في ما يشاء وكيف ما يشاء بل هو مقيد مع كونه حياً يؤثر ويتأثر بمن حوله من مخلوقات الله.
اقول : ان مصطلح الوسيله مصطلح شاسع وواسع وسع السماوات والأرض .. فالمخلوقات هي وسيله لبعضها البعض والفاعل والمؤثر الحقيقي وراء كل هذه الوسائل التي تؤثر على بعضها البعض هو الله صانع الوجود
فإذا أمعنا النظر في هذا العنوان الشاسع الواسع وسع الكون و ما فيها (الوسيلة) سنجد ان كل الموجودات وسيله لبعضها البعض ومسببات في التأثير والتأثر ببعضها البعض ومن ورائهم المسبب الحقيقي الا وهو منبع الوجود ونور السماوات والارض وخالقها وصانعها ومدبرها وهو الله العظيم
لا يمكن ان نثبت أن هذا المخلوق قد جعله الله وسيلة في امر معين لمخلوق آخر إلا بوجهين :
التحقق الخارجي
والذي لا يدرك وفي علم الغيب يكون السبيل اليه قول الله ورسوله
الامثلة واسعة ولا تحصى وهي بعدد ما خلق الله ونذكر بعضها لتقريب الصورة الى العقل
هذا الشرح يا شيخ هو لي اولاً ثم لكم من باب التذكير وليس من باب التعليم
بعض الامثلة
جعل الله الشمس وسيلة للإضاءة والنور
سبب النور هو الشمس ، المسبب الحقيقي هو الله
مثال اخر
جعل الله زيد سبباً في رزق عمر
مثلا اعطاه مالاً ، او عملاً يترزق من وراءة
زيد هو السبب ، العمل هو السبب ، المسبب الحقيقي هو الله
جعل الله تعالى الروح سبباً في استمداد الحياة للبشر والحيوانات والطيور ويمكن حتى للجمادات والله اعلم
سبب الحياة هو الروح ، والمسبب الحقيقي هو مالك الروح وخالقها
من خلال هذه المقدمة نستنتج ان المخلوقات والموجودات هي مجرد اسباب ووسائل تؤثر وتتأثر من بعضها البعض بما قدر الله لها لوجودها وحياتها ورزقها وقدرتها ووو
والسبيل لمعرفة ولإثبات أن الله تعالى قد جعل مخلوقاً وسيلةً وسبباً للتأثير على مخلوق آخر هو من خلال التحقق والوقوع الخارجي أما ما هو غائب عن أنظارنا وعلمنا فلا سبيل لإثباته إلا عن طريق قول الله وقول رسوله
فمثلاً الماء هو سبب ووسيلة رفع العطش لأنه متحقق في الخارج ولكنه ليس سبباً ووسيلةً في رفع الجوع لأنه غير متحقق في الخارج
اذا وقوع الشيء وتحققه في الخارج يدل على كون هذا المخلوق وسيلة مخلوق اخر في نوع من التأثير
—- —- —- —- —– —- —
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
رحم الله ناصر أهل البيت عليهم السلام ، و هل نحن نقول شيئاً غير هذا ؟ فالنظام الكوني هو النظام العِلّي و المعلولي و أبى الله أن يُجري الأمور إلا بأسبابها ، و الأسباب كلها أسباب من قِبل الله تعالى بمعنى أن الله تعالى هو من جعل لها السببية و هو مسبِّبُ الأسباب و سببية كل شي من الله تعالى فلا استقلالية لغير الله تعالى و الله هو السبب المستقل الوحيد و غيره في طوله لا في عرضه فلا مؤثر في الوجود إلا الله تعالى ، و غيره من المؤثرات مؤثرات بجعله و تسبيبه – و توضيحه موكول إلى مبحث التوحيد الأفعالي – … و نفس هذا الأمر جارٍ في الأسباب الشرعية التي يترتب عليها الأمور التكوينية فالمقامات العليا تتحقق بالصلاة و الصوم مثلاً فالصلاة و الصوم سببان لنيل الكمال و المقامات العليا لدى الله تعالى مع أن الله كان قادراً على أن يوصِل عباده إلى الكمال من دون عبادة بل يخلقهم واجدين للكمال الممكن لهم كما فعل ذلك في عالم المجردات و الملائكة فالله قد خلقهم في الدرجة الممكنة لهم من الكمال و لا يوجد في عالَمهم حركة تكاملية و لا توجد هناك حالة الترقّب لكمال أرقى ، و لكن الله تعالى شاء أن يكون هناك من هو أشرف المخلوقات فيصل إلى الكمال باختياره و بالوسائل التي جعلها الله تعالى لنيل ذلك الكمال الذي خُلق ذلك الموجود الأشرف لأجله و لنيله ، و ليس هناك سبب مطلق و مستقل غير الله تعالى ، و غيرُه إذا كانت له سببية و كان وسيلةً لنيل كمالٍ فهي – أي سببيته – بإذنٍ و جعلٍ من الله تعالى ابتداءً و استمراراً بمعنى أنه هو من جعل ذلك الشيء أو الشخص سبباً و وسيلةً ، و استمرارُ كونه سبباً و وسيلةً أيضاً بيد الله تعالى و بتعبير أفضل هو تعالى من يفيض عليه السببية آناً فآناً كما يفيض الوجود على الجميع آناً فآناً … فهذا ما لا يتمكن أحد من إنكاره بل هو كلامنا نحن و أخذه غيرنا منا ، و نقول أن الله تعالى قد أمرنا باتخاذ الوسيلة و الإنسان الكامل من جملة من جعله الله وسيلة و ليست وسيليته – إن صح التعبير – مطلقة و بلا حدود بل بقدر و حدود ما جعل الله لهم ذلك زماناً و مكاناً و مقداراً و .. و أهل البيت عليهم السلام قد بينوا لنا أنهم الوسيلة و من جملة ما ورد في ذلك قول الزهراء البتول صلوات الله عليها في خطبتها المعروفة بالفدكية التي أخذت بعدها و بعد استدلالاتها فيها قبالة فدك من أبي بكر كما هو ثابت في التاريخ ، فقد قالت في هذه الخطبة : فاحمدوا الله الذي بعظمته و نوره ابتغى من في السماوات و من في الأرض إليه الوسيلة ، فنحن وسيلته في خلقه و نحن آل رسوله و نحن حجة غيبه و ورثة أنبيائه … ” و هناك روايات تدل على أنهم بعد مماتهم كما كانوا في حياتهم و ليس هناك تقييد لكونهم وسيلة فلا دليل على أنهم الوسيلة إلى الله تعالى في حياتهم و ليسوا وسيلة بعد ارتحالهم عن الدنيا بل الأدلة تدل على أنهم أحياء يسمعون كلامنا و يردون سلامنا و لكن الله حجب عن سمعنا كلامهم ، و أمثال هذه الروايات و كذلك الزيارات المعتبرة كثيرة لدينا و الله تعالى قد أثبت لهم و لغيرهم الحياة في عالم البرزخ – و قد نوفَّق مستقبلاً لكتابة موضوع حول الحياة البرزخية و إمكانها عقلاً و أدلة وقوعها نقلاً من القرآن و السنة المباركة – و قد جعلهم وسائل و لم يقيد الوسيلة بزمن الحياة الدنيوية و من يدعي خلاف ذلك هو من يجب عليه أن يأتي بدليل على التقييد ، و لا يمكنهم إقامة دليل على ذلك و مع أن الصناعة العلمية تستدعي أن يأتي هؤلاء دليلاً على مدعاهم إلا أن الطرف الآخر مع وجود المطلقات من الأدلة قد أقاموا الأدلة على الحياة بعد الدنيا و على عدم تقيد الوسيلية بالحياة الدنيا ..
موفقين لكل خير
أيوب الجعفري
يوم السبت ٢٦ جمادى الثانية ١٤٣٨ هـ ق
الموافق ٢٥ / ٣ / ٢٠١٧ م