سلام عليكم شيخنا 

البعض يقول بأن العصمة ( عصمة الأئمة ) تعني أنهم مجبورون على ان لا يفعلوا المحرمات

ما رأيكم ؟

فيقولون بأنهم مجبورون ، إذاً يستشكلون على عدل الله

ما رأيكم ؟

فيقولون بأنهم مجبورون ، إذاً يستشكلون على عدل الله

_____________________________________

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 

العصمة ليست أمراً جبرياً بل العصمة تعني الصيانة و حفظ النفس من العصيان ،  و هذا الأمر مترتب على العلم و المعرفة بقبح الذنوب و عظمة الرب الكريم  و حقارة النفس ، فكلما ازدادت هذه المعرفة ازداد البعد عن المعصية ، و الابتعاد عن المعصية أمر اختياري و الجميع قادر عليه و إلا لما كُلِّفَ الإنسان بتركها فإن من الشروط العامة للتكليف القدرة على المكلف به و لو كان الانسان عاجزاً عن ترك المعصية أو فعل الطاعة لكان التكليف بهما أمراً قبيحاً و صدور القبيح من الله تعالى أمر مستحيل ،  و لهذا لا تعد العصمة أمراً جبرياً بل لو كانوا عليهم السلام مجبورين لترتب على ذلك توالي فاسدة متعددة منها أنه لو كانوا مجبورين على ترك المعصية لما كان لهم عليهم السلام فضل على غيرهم فإنهم إن تركوا المعصية فإنما تركوها لعجزهم من القيام بها و أما غيرهم فإن تركوها فقد تركوها مع قدرتهم على القيام بها و إن فعلوها فلوجود النفس الأمارة و القوى السائقة لهم نحو العصيان كالقوة الغضبية و الشهوية … و بذلك يتبين أن الفضل سيكون لغير المعصوم لا المعصوم فإن المعصوم يترك المعصية جبراً و لعدم قدرته على فعلها ، و غيره يتركها اختياراً مع القدرة على فعها … 

   و من جملة التوالي الفاسدة بطلان التكليف و الجزاء و الثواب و العقاب فإن المجبور على فعل أو على ترك فعل لا يمكن تكليفه لا بالفعل و لا بالترك فإن كان مجبوراً على ترك فعل ما ، لم يصدر منه ذلك الفعل بل يستحيل صدوره منه سواء كُلِّفَ بالفعل أو بالترك فلا معنى لتكليفه بأحد طرفي الفعل و الترك ،  و كذا إذا كان مجبوراً على الفعل ،  فلا معنى للتکليف كما لا يُعقل ترتب العقاب و الثواب على ما ليس باختياري للانسان ..

  فَسِرُّ العصمة أو من جملة أسبابها هو معرفة المعصوم بقبح المعصية،  فكما لا يكشف الانسان العاقل عورته في الطرقات و الشوارع لمعرفته بقبح ذلك و شناعته كذلك المعصوم لا يرتكب أية معصية بل لا يحدث في قلبه ما يدعوه إلى المعصية مع قدرته عليها لمعرفته و يقينه بقبح ذلك و لمعرفته بمقام الرب و عظمته و كونه ولي جميع النعم و … 

و من جانب آخر الآيات القرآنية تنافي الجبر حيث أن قوله تعالى : ” لئن أشركت ليحبطن عملك ” و قوله عز و جل : ” قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم” و قوله عز من قائل : ” و لو تقول علينا بعض الأقاويل ،  لأخذنا منه باليمين،  ثم لقطعنا منه الوتين    و…  كل ذلك يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان في عُليا مراتب العصمة كان قادراً على الأمور المذكورة في هذه الآيات و إلا لما كان معنى معقول لحبط عمله لأجل الشرك الخارج عن قدرته ، و لا لخوفه من العذاب لأجل العصيان العاجز منه ،  و لا لتهديده بأخذ الرسالة منه و قطع وتينه لأجل تَقَوُّلِه على الله بعض الأقاويل التي يعجز صلى الله عليه وآله وسلم عن فعلها و …  نتيجة ذلك هو أنه لا يُعقل كون العصمة جبرية  كما لا يخفى .. 

    هذا من الناحية العملية ،  و أما الناحية العلمية فصحيح أن عصمتهم عليهم السلام من الخطأ و السهو و النسيان فيض رباني و عطية إلهية و لكنها ليست جزافية ، فلولا أنهم قد أوجدوا في أنفسهم قابلية تلقي هذه العصمة من رب العالمين بتهذيب النفس و ترويضها بالتقوى و ..  لما أفاضها عليهم ،  عليهم السلام  و قد قال تعالى : ” و اتقوا الله و يعلمكم الله ” فالتعليم الإلهي يكون نتيجة للتقوى و كلما ارتقت درجة التقوى ارتقت درجة التعليم الإلهي للعبد فإذا بلغ العبد في تهذيب نفسه درجة العصمة بحيث لا تنقدح في نفسه إرادة العصيان مع كونه قادراً عليها ، أفاض الله عليه درجة العصمة في العلم …  مضافاً إلى أنه قد ورد ما مضمونه أنه من أخلص لله أربعين صباحاً أجرى من قلبه على لسانه ينابيع الحكمة ،  فصحيح أن العصمة العلمية عطية ربانية إلا أنها حسب القابلية التي يحققها الانسان في نفسه و ليست عطية جزافية و بلا تمهيد و لا أرضية اختيارية ، فهي و إن لم تكن باختيار الانسان مباشرة إلا أنها مترتبة على أمور اختيارية فهي راجعة في النهاية إلى الاختيار .. نعم قد تفضل الله تعالى على الأئمة الأطهار عليهم السلام بالعلم و المعرفة الربانية التي لا  خطأ و لا سهو و لا نسيان فيها من صغرهم بل من ولادتهم و لكن ذلك تفضل من الله تعالى بإعطائهم ما يستحقونه قبل الاستحقاق لعلمه تعالى بأنهم سيكونون أصفياء أتقياء لا يرتكبون أدنى ذنب و معصية في قابل أيامهم فالفضل الإلهي يقتضي أن يفيض عليهم ما سيستحقونه بأعمالهم و تقواهم و .. قبل الاستحقاق و قبل أن يصدر منهم عمل يوجب الاستحقاق و… 

فلا ظلم في  البين ،  مضافاً إلى أن الظلم إنما يكون فيما إذا مُنع الانسان مما يستحقه أو غُصب حقه و ما يملكه ، و لا حق لأحد على الله تعالى كي يكون إعطاؤه لشخص دون غيره ظلماً بحق ذلك الغير  ..

 

أيوب الجعفري