سلام عليكم شيخنا العزيز
ماهو راي سماحتكم بهذه مسالة
هل نستطيع أن نقول بما أن ( فاطمة أم أبيها) هي الأصل من عالم الذر أو العوالم السابقة لعالم الدنيا؟ أن لفظة الأم هي الأصل فمحمد ص هو الأب والأصل في هذا العالم أما الأصل في العوالم السابقة هي فاطمة بالإستناد الى الحديث القدسي ( لولاك لما خلقت الأفلاك ولولا علي لما خلقت ولولا فاطمة لما خلقتكما) هل هذا الاستنتاج صحيح مولانا العزيز؟ مأجورين ومثابين
______________________________________
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لا يمكن الالتزام بذلك فالأصل في جميع العوالم هو رسول الله صلى الله عليه وآله و هو أول ما و من خلقه الله تعالى ، و الصادر الأول هو أكمل المخلوقات على الإطلاق و هو واسطة الفيض على من سواه ، فالأم هنا ليس بمعنى الأصل بل بمعنى المقصد من قولهم أَمَّ إذا قَصَدَ كما ورد في قوله تعالى : ” يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله و لا الشهر الحرام و لا الهدي و لا القلائد و لا آمّين البيت الحرام يبتغون فضلاً من ربهم و رضواناً ” فقوله تعالى ” ولا آمين ” إسم فاعل من أمَّ یؤمُّ أي قصد يقصد بمعنى لا تحلوا شعائر الله … و لا القاصدين للبيت الحرام فلا تؤذوهم و لا تهتكوا حرمتهم…
و بما أن الأُم مقصد الأولاد في أحزانهم و أفراحهم فكل ما يعرض و يحدث لهم تكون الأم المرجع و المقصد الأول لهم فيخبرونها بما حدث لهم من مشاكل فإما أن تحل مشكلتهم أو تواسيهم و تخفف عليهم وطأة المشكلة و … و إذا أخبروها بما فيه فرحهم و سرورهم شاركتهم في فرحهم و سرورهم .. و هذا الأمر صادق على الزهراء البتول سلام عليها بالنسبة لرسول الله تعالى و لهذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قصد سفراً كان يودع الأهل و الأقربين و .. و كانت فاطمة الزهراء عليها السلام آخر من يودعها النبي صلوات الله علیه و آله و عند الرجوع كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يزورها قبل الجميع لتقل و تقصر فترة الفراق بينهما … فهذا من جملة المحتملات في كونها عليها السلام أم أبيها صلى الله عليه وآله وسلم ، بمعنى كونها مقصد النبي في أفراحه و أحزانه ..
و أما الحديث القدسي المشار إليه و هو قوله تعالى – حسب ما ورد في بعض الجوامع الروائية – فإن صح و كان معتبراً سنداً فمعناه و الله العالم أن الله تعالى حكيم فلا يخلق شيئاً و لا يصدر منه فعل إلا وفقاً للحكمة و المصلحة – و إن كانت المصلحة عائدة إلى خلقه و فِعْلِه لا إليه نفسه لغناه المطلق و كونه عين الكمال فلا يمكن افتراض عود نفع إليه فإذا فعل شيئاً فإنما يفعله لأنه عين الكمال لا لأجل تحصيل الكمال ، و هو عين الكمال يفيض منه كل خير و فيض ، كما هو مُبیَّنٌ في محله – و من حِکَمِ خلق الأنبياء و الأولياء في عالم التكليف و عالم الطبيعة أن يكونوا وسائط فيض الله تعالى لسائر الخلق و المهم في هذا الجانب هو أن يكونوا واسطة الفيض في إيصال الخلق و المكلفين إلى كمالهم المطلوب منهم و لهم ، و من المعلوم أن الأنبياء و الأولياء السابقين على خاتم النبيين عليهم السلام لم تكن أديانهم كاملة تماماً بما يليق بمقام الإنسان الكامل و بتعبير آخر لم يكن ما جاءوا به مما يلبي احتیاجات الإنسان تماماً لجميع العصور فلم تكن مشتملة لعناصر الكمال التام للبشر و المكلفين حسب قابلياتهم و قدر ما يمكن لهم أن يبلغوه من الكمال بل كانت مشتملة على تلك العناصر إلى حد معين ، و الدين الكامل الذي لا يُتصوَّر أكمل منه في نظام هذا الكون هو الدين الخاتم و الذي يلزم نزوله على أكمل البشرية على الإطلاق و هو النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم ليكون واسطة فيض أكمل الأديان و عناصر الكمال … و من المعلوم أن الأديان السابقة مع أنها لم تكن أكمل الأديان لم يُوفَّق الأنبياء الذين أُرسلوا بها لتطبيقها تماماً ، كما أن النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم لم تُتح له الفرصة لإيصال جميع ما للدين من عناصر الكمال و ما يوجب القرب العبودي إلى الله تعالى لجميع الخلق ، كما أنه لم يكن لجميع الناس قابلية تلقّي جميع ما اُنزل عليه صلوات الله عليه و آله لا علماً و لا معرفةً و لا عملاً ، و من البيِّن أنه صلوات الله عليه و آله أدى جميع ما عليه و بلّغ الرسالة تماماً – اليوم أكملت لكم دينكم.. – و لكن – و كما أشرنا – لم يكن الجميع قد تلقّی جميع ما ألقاه عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من معارف و أحكام و علوم و … فيلزم أن يكون هناك من تلقّى هذه المعارف و العلوم و الأحكام تماماً و إلا لما صدق قوله تعالى: ” اليوم أكمل لكم دينكم .. ” و ليس في الأمة بل و في الخلق من كان يمكنه تلقّي جميع تلك المعارف و العلوم و.. غير أمير المؤمنين عليه السلام و فاطمة الزهراء عليها السلام لأنهما المعصومان و البالغان جميع كمالات النبي و الواجدان لجميع مناصبه المعنوية و الظاهرية ما عدا النبوة التي خُتمت به صلى الله عليه وآله وسلم – و ما عدا منصب الإمامة بالنسبة لسيدة نساء العالمين فإنها منصب تخص و تناسب الرجال – فبتلقیهما لجميع المعارف و العلوم الإلهية و .. يكون النبي قد أدى ما عليه من مسئولية في هذا العالم – عالم التكليف – و يصدق أن الله تعالى قد أكمل الدين و أتمّ النعمة … و لكن لا يكفي ذلك في تحقق كمال الدين و تمام النعمة بل يلزم تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام إماماً على الخلق بعده صلى الله عليه وآله وسلم كي يصبح عليٌ عليه السلام المبلِّغَ لتلك المعارف إلى الخلق تدريجاً و حسب القابليات التي تزدهر يوماً بعد يوم ، فلولا علي عليه السلام لما تحققت حكمةُ وجودِ النبي و خلقِه صلوات الله علیه و آله في عالم التكليف ، و الله منزه عن فعل ما لا حكمة فيه فلولا علي لما خلق اللهُ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم في هذا العالم لعدم تحقق حكمة خلقه صلوات الله علیه و آله ..
و من جانب آخر الواقع الخارجي و ما حدث بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حال دون وصول أمير المؤمنين إلى سدة الحكم كي يعمل وفق البرنامج الإلهي في بيان و تطبيق الأحكام و المعارف الإلهية و من ثم إيصال الناس إلى كمالهم – و إن عمل بقدر ما سنحت له الفرصة و تمكن من بيانه و قام بتربية بعض الكمّل من أصحابه لا سيما بعد تولّيه الخلافة الفعلية و التي قد ابتلي فيها بحروب داخلیة منعته من التفرغ للعمل في سبيل تحقیق الهدف الأساس – و استمر هذا الأمر بعده في عصر سائر الأئمة عليهم السلام أيضاً ، نعم قد قام كل إمام بما عليه في تحقيق الهدف و لكن الهدف الكامل الذي يحقق حكمة الخلق لم يتحقق ، فيلزم أن يكون هناك من يقوم بهذه المهمة و يحقق جميع أهداف جميع الأنبياء و الأئمة و الأولياء عليهم السلام و ليس ذلك الشخص العظيم الذي يحقق جميع تلك الأهداف غير صاحب الأمر عليه السلام و عجل الله تعالى فرجه الشريف ، و قد يكون هذا هو السبب في قوله عند الظهور :” ألا من أراد أن ينظر إلى آدم و شيث فها أنا ذا آدم و شيث ، ألا من أراد أن ينظر إلى نوح و ولده سام فها أنا ذا نوح سام و… ” فهو خلاصة جميع الأنبياء و الأولياء و محقِّقُ جميع أهدافهم و… و هو من ولد فاطمة عليها السلام و لولا فاطمة لما وُلد الأئمة و من جملتهم المهدي عليه و عليهم السلام فلولا فاطمة لما تحققت حكمة مجيء النبي إلى هذه الدنيا و لما تحققت الحكمة من خلق أمير المؤمنين عليه السلام و لهذا : ” و لولا فاطمة لما خلقتكما “… فلا نظر لهذا الحديث لكون فاطمة عليها السلام هي الأصل كما لا نظر له لمسألة التفصيل كما يتصور البعض من أن الحديث دليل أفضلية الزهراء ثم أمير المؤمنين عليهما السلام .. …