وردتني أسئلة و شبهات حول تقليد غير الأعلم و أنه لم لا يجوز تقليده،  و أنه يلزم الخروج من منطلق: ” إنا وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مقتدون ” و بناءً عليه قلد البعض بعض من لا يعد أعلم من غيره لما وجد أنه يرى عدم وجوب ستر ظاهر القدم للنساء إذا لا فرق بين ظاهر القدم و الكفين.. 

*  و كذا يرى طهارة الكفار من غير أهل الكتاب فالإنسان له كرامة فلماذا يكون نجساً .. 

* و كذا زيارة عاشوراء غير ثابتة و لا يستحب اللعن و..

* لم يثبت كون الزهراء عليها السلام مظلومة و سليم الناقل لبعض الأحداث كان صغيراً آنذاك و أبان ضعيف و ربما يكون وضاعاً … 

* الأئمة بشر مثلنا و لم يكن سجود الملائكة لأجلهم بل كان للذات الانسانية فنحن أيضاً مشمولون لذلك السجود 

و الجواب : 

______________________________________

و عليكم ورحمة الله وبركاته 

* مسألة تقليد غير الأعلم مسألة خلافية بين الفقهاء و المشهور  اعتبار الأعلمية فلا يصح تقليد غير الأعلم عندهم ،  و هناك من يرى عدم اعتبارها ، و لكن يلزم الالتفات إلى أنه لا يجوز تقليد غير الأعلم في هذه المسألة لاستلزامه الدور الباطل فتقليده في هذه المسألة يتوقف على جواز تقليده و جواز تقليده يتوقف على تقليده في هذه المسألة ،  و بناءً عليه يجب تقليد الأعلم في هذه المسألة فإن كان يرى جواز تقليد غير الأعلم جاز للمكلف أن يقلد غير الأعلم في غير مسألة تقليد الأعلم  – و نفس هذه المسألة جارية في تقليد الميت ابتداءً أيضاً – … 

    فإذاً يجب تقليد الأعلم في مسألة جواز أو عدم جواز تقليد غير الأعلم ،  و لا يوجد أحد من الفقهاء ممن يشار إليه بالأعلمية يجيز تقليد غير الأعلم ،  و بناءً عليه – أي عدم جواز تقليد غير الأعلم في هذه المسألة و عدم إذن الأعلم من الفقهاء بتقليد غير الأعلم – يكون تقليد غير الأعلم باطلاً و لا يصح الاستناد إلى فتواه نفسه لتقليده كما لا يخفى .. فليس هذا الأمر من مصاديق قوله تعالى : ” إنا وجدنا آباءنا على أمة … ” بل من مصاديق اتباع الدليل مضافاً أنه من باب مراجعة غير الخبير  إلى الخبراء التي تعدّ أمراً عقلائياً يتبعه جميع العقلاء في جميع شئون حياتهم في معاشهم و معادهم .. 

* و إذا ثبت أن تقليد غير الأعلم غير جائز ثبت بطلان اتباعه في كل ما يبتني على تقليده كجواز كشف ظاهر القدم و طهارة عامة الكفار و …  و نحن – أي الإمامية – لا نعتمد على القياس حتى نقول ما الفرق بين ظاهر الكف و باطن القدم ،  كما لا نعتمد في الأحكام الشرعية على الاستحسانات العقلية حتى نقول بأن كرامة الإنسان تقتضي طهارته ،  بل نتبع الدليل الشرعي من الآيات و الروايات أو الإجماع الكاشف عن قول المعصوم و كذا دليل العقل في المستقلات العقلية و ليس الاستحسانات العقلية التي يختلف فيها العقلاء ،  فدين الله لا يصاب بالعقول بهذا المعنى و ذلك لأجل أن الأحكام الفقهية تبتني على المصالح و المفاسد الواقعية و هي عناصر سعادة الإنسان في البرزخ و الآخرة مضافاً إلى الدنيا ،  فمن يتمكن من معرفة المصالح و المفاسد الواقعية و عناصر السعادة في عالمي البرزخ و القيامة و هما أمران غيبيان لا مطمح و لا مطمع للعقل في شهودهما كي تتبين له عناصر السعادة و الشقاء فيهما فيقوم بتقنين القوانين الموجبة للسعادة و الشقاء هناك ؟ …  و لهذا علينا أن نتبع الدليل الشرعي في إثبات الأحكام الشرعية لا الاستحسانات و القياس ..  

   و نفس الكلام جارٍ فيما يتعلق بالإنسان و كرامته فأولاً لا يمكن أن نتمسك بما يستحسنه عقل هذا أو ذاك في إثبات الحكم الشرعي ،  فليس كرامة الإنسان بما هو إنسان دليلا شرعياً على طهارته ،  و ثانياً من الذي قال أن الكرامة ثابتة لكل إنسان لدى الله تعالى في حين أن الله تعالى قد علّق الكرامة على التقوى فقال : ” إن أكرمكم عند الله أتقاكم ” فإذا لم يكن الإنسان متقياً لم تكن له عند الله كرامة ، هذا مضافاً إلى أن القرآن يقول : ” إنما المشركون نجس ” و هناك روايات مُعْتَمَدَةٌ تدل على نجاسة غير أهل الكتاب من الكفار  – و أما أهل الكتاب فدلالة الروايات الواردة بشأنهم ، على نجاستهم محل خلاف بين الفقهاء و لهذا أفتى أو احتاط البعض بنجاستهم و أفتى آخرون بطهارتهم – … مضافاً إلى أن القرآن يعبِّر عن بعض الناس بالأنعام بل يقول أنهم أضل من الأنعام كما يعبر عن البعض بالحمار ( كمثل الحمار يحمل أسفاراً ..) ( كأنهم حمر مستنفرة)  فأية كرامة هذه ، كرامة الإنسان في المنظور الإلهي إنما هي بإيمانه و تقواه و قربه من ربه لا بشكله و جسمه … 

و مما تجدر الإشارة إليه أن الإفتاء من شأن الفقيه المجتهد الذي بلغ درجات عليا في العلوم الدخيلة في الاستنباط فيلزم أن يكون صاحب رأي و من الأخصائيين في علم الفقه و الأصول و الرجال و الدراية و تفسير آيات الأحكام ،  و أن يكون ملماً بالعلوم الأدبية من النحو و الصرف و البلاغة و اللغة العربية و كذا بالمنطق لمعرفة كيفية الاستدلال و البرهنة بشكل صحيح كي لا يقع فيما يخالف الواقع و لا يُصدر أحكاماً تنافي شريعة سيد المرسلين صلوات الله و سلامه عليه و آله ،  و لهذا وردت روايات متعددة تنهى و بشدة عن الإفتاء بغير علم و أن النار هي عاقبة من يفتي بغير علم و … 

  * و أما في الجانب العقائدي فالتكليف هو اتباع العلم و ما قام عليه الدليل العقلي أو النقلي القاطع و لا يكفي الظن ،  و لا يوجد فقيه و لا عالم من علماء علم الكلام – العقائد – يرى جواز الاعتماد على الظن في العقائد ، و لكن  مسألة جواز اللعن أولاً ليست مسألة عقائدية بل هي مسألة فقهية يمكن الاعتماد فيها على رواية معتبرة واحدة ،  و ثانياً قد ورد في القرآن الكريم لعن الظالمين فإذا ثبت كون أحد ظالماً جاز لعنه … 

  و مسألة  مظلومية الزهراء عليها السلام أمر مفروغ عنه تاريخياً – علماً أنه لا يلزم في الأمور التاريخية اعتبار السند مع أن إثبات اعتبار رواية ما لا ينحصر بالسند بل تسالم الأصحاب أو التسالم الفقهي في المسألة الفقهية يكفي في اثبات اعتبار الرواية ،  مضافاً إلى أن جملة من كبار المحققين يرون أن عمل قدماء الأصحاب برواية يوجب القطع أو الاطمئنان بحجيتها فيرون أن عمل الأصحاب جابر لضعف السند و.. – بل لا ينحصر الأمر بكونه تاريخياً فمن المعلوم أن القوم حَرَفوا الخلافة عن مسارها الصحيح و هو أعظم ظلم وقع في التاريخ حيث أدى إلى انحراف الكثير و الاختلاف العميق بين المسلمين و ضياع كثير من المعارف الإلهية و عدم تمكن الأئمة من بيان جميع المعارف الإلهية و إيصال الناس إلى كمالهم المطلوب لهم  و عشرات التوالي الفاسدة الأخرى ،  ألا يعدّ كل ذلك ظلماً ،  ألا تكفينا خطبة الزهراء عليها السلام المعروفة بالفدکية و المشتملة على معارف عظيمة لا يمكن صدورها من غير المعصوم في إثبات أن القوم ظلموها و حرفوا الخلافة مسارها الصحيح و اخذوا منها فدك التي كانت بيدها و تحت تصرفها إلى ذلك الوقت ،  ألا تكفي خطب نهج البلاغة المتحدثة عن ظلم القوم و عن احقيته بالخلافة و ..  لإثبات ظلم البعض و مظلومية أهل البيت عليهم السلام ،  ألا تكفي الروايات المعتبرة التي تقول عن الزهراء عليها السلام أنها صديقة شهيدة ،  ألا يكفي كلام أمير المؤمنين عليه السلام الوارد في نهج البلاغة بعد استشهاد الزهراء عليها السلام و الذي يقول فيه مخاطباً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ” و ستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال و استخبرها الحال،  هذا و لم يطل العهد و لم يخل منك الذكر  ” ،  أولا يكفي أنهم نقلوا في صحاحهم أنها عليها السلام ماتت واجدة – أي ساخطة – عليهما و هي معصومة لا يمكن أن تسخط بخلاف الحق و هي من قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنها أن رضاها رضا الله و سخطها سخط الله  ،  أو لا يكفي أن مصادر القوم مليئة بنقل واقعة الهجوم على الدار  و …  أفيُعقل أن ينقل هؤلاء القائلون بعدالة الصحابة المتعصبون في ذلك إلى حدّ يخرجون من يسيء إليهم عن الملة و يعتبرونه كافرا مرتداً ، أفيُعقل أن ينقلوا ما ينافي معتقدهم ذلك و … و هذا غيظ من فيض فالأدلة أكثر مما أشرنا إليه بكثير ،  فهل يبقى بعد كل ذلك أدنى شك في مظلومية الزهراء أو أي مجال للتشكيك في زيارة عاشوراء المتسالم عليها لدى الأصحاب ذلك التسالم المتعضد بالأدلة الكثيرة التي أشرنا إلى جانب صغير منها ؟!

* و الجدير بالذكر أن زيارة عاشوراء معتبرة من حيث السند و إن شكك البعض في سند الرواية التي تنقل القسم الأخير المشتمل على اللعن   

 * و أما صغر سليم فلا يضر فإنه لم ينقل ذلك في صغره بل كتب ما كتب بعد كبره فإن كان ثقة عدلاً لزم أن يكون قد تثبّت في الأمر ثم نقل و كتب ما كتب .. 

* من أين علمتم أن الملائكة سجدوا للذات الانسانية ، و إذا افترضنا صحة ذلك ألا يدل ذلك على أنه إذا صح السجود للذات الانسانية بأمر من الله تعالى لنكون نحن أيضاً مشمولين للسجود كما تدعون ، ألا يدل ذلك على أنه يصح السجود لأكمل أفراد الإنسان بطريق أولى ..  

  ثم إنه لم ينكر أحد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و أهل بيته عليهم السلام بشر مثلنا ،  و لكنهم بشر مثلنا في أصل البشرية لا في درجة الكمال و القرب العبودي إلى الله تعالى و العلم و المعرفة و… فمَن مِن الناس يتمكن من معرفة تفاصيل أحكام الله التي وردت كلياتها في القرآن الكريم ، أوليس الأئمة عليهم السلام هم من بينوا لنا تفاصيل الأحكام و لولا ذلك لما كنا نفهم لا أحكام صلاتنا و لا صيامنا و لا حجنا و لا سائر الأحكام المتعلقة بالعبادات و المعاملات و القضاء و الشهادات و الحدود و الديات و …  ثم من من الناس يتمكن من معرفة المعتقدات الصحيحة و المطابقة للحق و الواقع ، أو لم ينحرف الآخرون فاعتقدوا بالتجسيم و التشبيه و التعطيل و القدماء الثمانية و نفي الصفات الذاتية و…  و من يقدر أن يصل إلى هذه المعرفة التوحيدية التي بيّنها الأئمة عليهم السلام في خطبهم الدقيقة الواردة في نهج البلاغة و غيره من الجوامع الروائية ، ألم تكن تلك المعارف التوحيدية مما يجهله حتى عظماء الفلاسفة و.. فكيف نقارن الأئمة عليهم السلام بغيرهم، كيف نقارن من هو مع الحق و الحق معه يدور حيثما دار بمن يخطأ و يسهو و ينسى و يجهل كثيراً من المعارف بل كثير من علومه جهل مركب  و…

موفقين لكل خير ..

أيوب الجعفري