وردني سؤال صوتي ( من بعض الفضلاء) خلاصته أنه إذا كان النبي هو الذي بلغ أعلى درجات الكمال يلزم أن يكون من لم يبلغ تلك الدرجة مقصِّراً لوجود القابلية فيهم و عدم وصولهم ، و هذا لا فرق فيه بين الأئمة عليهم السلام و غيرهم
————————————————————
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
هناك قصور و تقصير في أداء حق الله تعالى ، و قصور و تقصير في الوصول إلى الكمال المطلوب أو الممكن لهم ، أما القسم الأول فالجميع مشتركون في القصور فيه حيث لا يتمكن أحد من أداء حق الله تعالى لأنه يستحيل معرفة الله كما هو و المعرفة بكنهه تعالى كما لا يتمكن أحد من أن يعبده كما هو أهله أو يشكر نعمه بل هو عاجز عن شكر نعمة واحدة من نعمه فإنه إنما يشكره أو يعبده باستخدام نعمه تعالى كما أنه يستنير بهداه و توفيقه فيُوَفَّق لشکره أو عبادته فهذه عدة نِعَمٍ يجب شكرها ، و شكرها أيضاً سيكون باستخدام نعم الله و … و لهذا و أمثاله قال تعالى : ” و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ” و ورد في الدعاء : ” كيف أقول لك الحمد و كلما قلت لك الحمد وجب علي لذلك أن أقول لك الحمد ” فالجميع قاصرون في القسم الأول بلا فرق بين النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم و بين غيرهم .. و لكن لا يمكن القول بتقصير الجميع كما سيتبين من خلال بيان القسم التالي ، نعم البعض قاصر و مقصر كما لا يخفى ..
و أما القسم الثاني و هو الوصول إلى الكمال المطلوب أو الممكن فالجميع أيضاً قاصرون حيث أنه كلما ارتقى الإنسان في الكمال فإن هناك كمالاً أعلى لم يصل إليه إذ لا نهاية للكمال و الإنسان و قدراته متناهية ، و أما التقصير فلا يمكن إسناده للكمل من المعصومين عليهم السلام و هم رسول الله و أهل بيته عليهم السلام فصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من سائر أهل البيت و لكن الفضل غير الكمال الوجودي و الروحاني فهم في هذا الكمال نور واحد كما ورد : ” أولنا محمد ، آخرنا محمد ، أوسطنا محمد ، كلنا محمد ” صلوات الله عليهم أجمعين ، و من المعلوم أنه ليس المقصود أنهم مُسَمَّون بهذا الإسم الشريف بل المقصود أنهم في درجة المسمى بهذا الإسم ، فهم من هذه الجهة في درجة واحدة من الكمال ، نعم للنبي فضل النبوة و في أنه هو أول واسطة للفيض في قوسي النزول و الصعود و قد ينطبق عليه مصطلح العقل الأول عند الفلاسفة ، و الفضل غير الكمال الوجودي لأن النبوة مثلاً أدنى مرتبة من الإمامة و إذا لم يكن الأئمة عليهم السلام أنبياء فإنما هو لاقتضاء المصلحة التي يعلمها الله بختم النبوة بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا لأجل أنه لم تكن فيهم قابلية النبوة لأننا قد افترضنا أن الإمامة أعلى من النبوة و هم قد بلغوا درجتها ، نعم يلزم أن نستدرك و نقول بأنه يمكن القول بأنه : في النهاية إذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الصادر الأول و هو واسطة الفيض لزم أن يكون أكمل فنقول ، نعم هذا صحيح فالصادر الأول لا يمكن أن يكون واسطة الفيض لمن هو مثله في جميع المراتب الوجودية و إلا لما كان واسطة الفيض له و بناءً على هذا يكون ذلك لأجل القصور لا التقصير لأنه في النهاية : الأكمل الذي يكون واسطة فيض الله يجب أن يكون واحداً لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار القاعدة المعروفة لدى الفلاسفة القائلة بأن الواحد لا يصدر منه إلا الواحد فيلزم أن يكون الصادر الأول واحداً فلا يمكن أن يكون الأئمة عليهم السلام جميعهم في رتبة وجودية واحدة و هذا قصور و ليس تقصيراً ..
أيوب الجعفري
______________________________________
وردني من الفاضل الذي طرح السؤال أسئلة أخرى حول ما كتبته في الجواب السابق
خلاصتها :
* هل الحركة التكاملية مستمرة بعد الموت ؟
* هل يدل قوله تعالى : ” فبصرك اليوم حديد ” على أن الإنسان سيدرك عظمة الله تعالى بعد الموت أكثر مما كان يدركه في الدنيا ؟ و هل يعد ذلك كمالاً له مع أنه لم يفعل شيئاً ؟
* هل ستتحول الماهيات في عالم البرزخ إلى ماهيات أخرى فمثلاً لو قلنا بأن ماهية الإنسان هي كونه حيواناً ناطقاً فهل تتغير هذه الماهية و الحقيقة في ذلك العالم ؟
* إذا كان الكمال غير متناهٍ و عدم الوصول إليه ينتج عن القصور فكيف نقول بأن الأئمة عليهم السلام كانوا مصاديق الإنسان الكامل؟
* نحن نعلم أن الأئمة كانوا يأتون بالأعمال الصالحة و الأدعية و العبادات ، فإذا كانوا من الكُمّل فما الذي كانوا يحصلون عليه بتلك العبادات و الأدعية و الأعمال ؟
————————————————————-
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
١ – المستفاد من كون الدنيا دار عمل و تكليف بلا حساب و الآخرة دار حساب بلا تكليف ، و الدنيا دار مجاز و الآخرة دار قرار و .. هو توقف الحركة التكاملية في دار القرار فكل موجودٍ ممكنٍ مختارٍ مكلفٍ له حركةٌ نحو الكمال ما دام في عالمِ التكليف عالمِ الحركة ، و أما في عالم القيامة و هو عالم الثبات و القرار فستظهر حقيقة كل موجود مكلف و سيتجلى الكمال الذي اكتسبه في الدنيا و دارِ الحركة ، فليست تلك الدار محلاً لتحصيل الكمال ، و لكن لا يمتنع و لا مانع من إفاضة الكمال الأعلى من قبل الله تعالى على أهل الجنة يوماً بعد يوم بفضله و كرمه لا لأجل الأعمال و العبادات و كسب العلم و المعرفة في تلك الدار و إن كان ذلك أيضاً ممكناً في حدّ ذاته إلا أن المستفاد من الأدلة الشرعية أنه لا تكليف هناك ليتم السير نحو الكمال الأعلى بالعمل بالتكليف …
و أما كون البصر حاداً في ذلك العالم فمعناه – و الله العالم – أن الإنسان الغافل في الدنيا عن ملكوته و حقيقته و ملكوت و حقيقة أعماله فسوف يكشف الله تعالى الغطاء عن بصره في ذلك اليوم و ينكشف له الواقع و الملكوت و ليس هذا من عناصر الكمال فإن الكافر المستحق لجهنم أيضاً سوف يرى الحقائق و ملكوت الأعمال و حقائق العاملين فيحتج عليهم هناك بحقيقة عملهم و ملكوتهم أنفسهم ليتبين لهم أن جهنم مأواهم بالإستحقاق فلم يقع عليهم ظلم …
و أما تبدل الماهيات فقد تبين مما مرت الإشارة إليه أن التبدل ليس من الأمور الدفعية التي تتحقق هناك بل الدنيا دار الحركة نحو الكمال فهناك من يسير في الجهة المعاكسة فبدلاً من التكامل في درجات الانسانية يتكامل في دركات الحيوانية إلى أن تتبدل حقيقته من الانسانية إلى الحيوانية فيصبح روحه و نفسه الناطقة نفساً ناهقة مثلاً فيصبح حماراً أو ذئباً أو بقراً أو شيطاناً أو .. و العرفاء يرون هذه الحقيقة و هم في الدنيا و سائر الناس لا يرونها إلا بعد الموت أو بعد قيام القيامة حيث يصبح البصر حديداً من جهة و تصبح حقائق الأعمال و العاملين ظاهرة ” يوم تبلى السرائر ” من جهة أخرى ..
إذاً قد تتكامل حقيقة الإنسان فيرتقي في درجات الكمال الإنساني فيبقى إنساناً و لا تتبدل حقيقته إلا بالكمال و قد تتبدل إلى الحيوانية و لكن كل ذلك يتحقق في الدنيا بالتدريج إلا أنه يبقى أمراً ملكوتياً حتى تظهر الحقائق و يتجلى الملكوت و ” تبلى السرائر ” ..
٢ – الكمال لا يعني بلوغ نهايته فكل من بلغ درجة أعلى و اكتسب عنصراً آخر من عناصر الكمال فقد بلغ درجة من الكمال لم يبلغها غيره فإن للكمال درجات تشكيكية يكون البالغ للمرتبة الأعلى واجداً لدرجة الكمال الذي أدنى منه أيضاً فهو كامل مقارنة بمن دونه و لكنه ناقص مقارنة بمن هو أعلى منه و الأئمة المعصومون عليهم السلام هم الكُمّل مقارنة بمن سواهم من المكلفين من الجنة و الناس بل و الملائكة أجمعين و لكنهم عين النقص و الفقر و الحاجة مقارنة بمن هو عين الكمال و الكمال اللامتناهي و هو الله جل جلاله ، فلا منافاة بين كونهم قد بلغوا عليا درجات الكمال التي يمكن الوصول إليها في الدنيا و بين كونهم عين النقص قبال الله تعالى و كونهم عين الفقر إلى الله الغني بالذات ، و بذلك يتبين أن عباداتهم و أعمالهم أيضاً لا تنافي كمالهم فهم يتدرجون مراتب أعلى من الكمال بتلك العبادات مع أنهم كُمّل مقارنة بمن سواهم من الخلق و لكن طريق الكمال الأعلى بالتقرب الأكثر بالعبودية لله و المعرفة به عز وجل مفتوح و لا ينتهي و لهذا – و مع كونهم كاملين مقارنةً بمن سواهم من الخلق – يقولون : ما عبدناك حق عبادتك – ما عرفناك حق معرفتك … هذا مضافاً إلى أن بقاء الكمالات المكتسبة رهين بقاء العلاقة و الارتباط بالمعبود
دعواتكم الكريمة
أيوب الجعفري